أيها القارئ، أين شجاعتك الأدبية؟ اقرأ هذا المقال،
قيّمه، وعلق عليه…
بيان ما في خروج المرأة من مفاسد
يتم إعداد البنية السردية انطلاقًا من حدث –كما
يقول اللساني لويس بانييه- ألا وهو خروج المرأة، حدث ينعقد من حوله ما يعرض الحديث
من تحول، ألا وهو استشراف الشيطان إلى المرأة، أي غوايتها والإغواء بها. حول الإغواء
ينتظم تصور منطقي، يؤدي إلى سلسلة من اللقطات السردية (المرأة كعورة، المرأة كموضوع
إغواء، المرأة كموضوع عبادة، المرأة كقطعة أثاث)، وتتشكل هذه اللقطات السردية من حدين
متقابلين: التحريك من جهة مقابل التصديق من جهة، التحريك تحت معنى التلاعب بالمرء تلاعب
الماكينة الدعائية الرسمية بنا، والتصديق تحت معنى الموافقة على ما يراد منا العمل
به بإرادتنا وبغير إرادتنا، ولكن، كما يتوقف الحدث التمثيلي للتحريك-التصديق في مسرح
العرائس على كفاءة صاحب العرائس كفاعل مؤثر، يتوقف الحدث السردي للتحريك-التصديق في
الحديث على كفاءة السارد (النبي) كفاعل مؤثر، وعلى قدرة هذا الفاعل المؤثر على تنفيذ
فعل التحريك –كما يضيف مرجعنا-، فلا أحد يشك في أهلّيّة محمد وتأثيره على تابعيه.
يتكون البرنامج السردي إذن من هذه الأبعاد الأربعة:
التحريك فالتصديق الكفاءة فالفعل (التصديق تحت معنى الموافقة على ما يراد منا العمل
به بإرادتنا وبغير إرادتنا كما قلنا وإلا إنزال العقوبة إن لم يكن الخضوع وإن لم تكن
الطاعة كما سنرى). عند ذلك، يجب التأكد من الفعل الذي هو في النص فعل تحريك المرأة
(والرجل) تحريك أصابع اليد، وتقدير ذلك: هل استجابت المرأة (والرجل) أم لم تستجب؟ في
حالة عدم الاستجابة تكون العقوبة، وهي متنوعة تحت أشكال عدة، بعد رمي المرأة بكل السيئات
(يقولون مفاسد)، وتجريدها من كل كرامة، وهذه هي العقوبة الأخلاقية، تكون العقوبة الاجتماعية،
وذلك بتحطيم أركان الأسرة، وتكون العقوبة الاقتصادية، كتلك التي تنزلها الدول بدولة
انتهكت حُرمة القانون الدولي، وفي السياق الذي نحن فيه مجرد “حُرمة” الخروج من البيت!
منع النساء من إبداء الزينة عند الخروج
عن فضالة بن عبيد عن الرسول أنه قال: “ثلاثة لا
تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة، وعصى إمامه، فمات عاصيًا، وأَمَة أو عبد أَبَقَ من سيده،
فمات، وامرأة غاب عنها زوجها، وقد كفاها مؤونة الدنيا، فتبرجت بعده، فلا تسأل عنهم“.
إذن هناك برنامج سردي يقوم على أربعة أبعاد: التحريك
فالتصديق الكفاءة فالفعل، وليس دائمًا ما تظهر هذه الأبعاد الأربعة في كل الأحاديث،
ليس دائمًا ما يُعمل بها على هذا الترتيب، فما البرنامج السردي سوى بناء لعرض النظام
السيميائي الواقع تحت النص، هذا النظام السيميائي في الحديث هنا هو الحدث الثلاثي الحركة:
رجل فارق الجماعة، وعصى إمامه (الإمام هو الإمام وهو الحاكم)، عبد (أو عبدة) أَبَقَ
من سيده (أَبَقَ يعني هرب)، امرأة غاب عنها زوجها، فتبرجت بعده (تبرجت المرأة يعني
أظهرت زينتها ومحاسنها للرجال). وهو حدث ثلاثي الحركة للتهويل (ثلاثة لا تسأل عنهم،
لا واحد ولا اثنان بل ثلاثة) ليسهل التصديق (فلا تسأل عنهم، يعاد تكرارها من جديد،
فالإلحاح تهويلي من حيث المضمون ومن حيث الشكل ومن حيث الفواعل عاصٍ وآبق ومتبرج).
أو، يمكن القول إن هناك ثلاثة أحداث، ذات حركة واحدة،
ثلاثة مستويات مختلفة للفعل يجمعها برنامج سردي أساسي، ألا وهو عدم السؤال عن الفواعل
لِما فعلوا، وثلاثة برامج سردية ثانوية لتعدد أفعال الفواعل، هؤلاء الفواعل الذين هم
–نكرر- المرتد العاصي والعبد الفار والمرأة المتبرجة. وكما قلنا، الغاية السردية من
وراء ذلك التهويل، للتبرير، وبالتالي سهولة إنزال العقوبة بعد إدانة، وسرديًا هذا التصوير
المنطقي يسمح بتحدي القانون السردي للنص، القانون السردي نفسه في كل الأحاديث النبوية:
تحريك المرأة (والرجل) تحريك أصابع اليد، وتقدير ذلك بالاستجابة أو عدمها، وفي حالة
عدم الاستجابة إنزال العقوبة التي هي هنا الإنكار بعدم السؤال(لا تسأل عنهم)، والإنكار
يعني نبذ أهم جانب في الحياة الإنسانية: حرية الاعتقاد (الرجل الذي فارق وعصى)، الحرية
بكل بساطة (العبد الذي فر من عبوديته)، حرية المرأة في أن تصنع بجسدها ما تشاء، ومهما
كانت الأسباب (المرأة التي غاب عنها زوجها)، لا يبرر ذلك منع النساء من إبداء زينتهن
أينما كن والمس بحريتهن.
نهي النساء عن السفر بدون محرم
عن ابن عباس قال الرسول: “لا تسافر المرأة إلا ومعها
محرم، فقال رجل: يا رسول الله إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا، وامرأتي تريد الحج،
فقال: اخرج معها“.
لنتقدم أكثر في تحليلنا علينا أن نذكّر هنا بالمبدأ
الأساسي للسيميائية، كما فعل لويس بانييه مرجعنا: تأخذ العناصر الفريدة معناها بدءًا
من مكانها في مجموعة سردية (نظام أو بنية هنا حديث) ويكون التحليل السيميائي باقتراح
نموذج لهذه المجموعة السردية التي بدءًا منها تأخذ العناصر معناها (النموذج حددناه
تحت مصطلحي برنامج سردي ذي أربعة أبعاد: التحريك فالتصديق الكفاءة فالفعل). إذن العناصر
المختلفة للحديث: الممثلون (الرجل المرأة الرسول)، المواضيع (السفر القتال الحج)، الأفعال
(فعل السفر فعل القتال فعل الحج) عليها أن تجد مكانها في هذا الترسيم البياني للمجموعة
السردية (الحديث) والتي بدءًا منها يمكن قول ما هي وظيفتها في المجموعة السردية (وظيفة
العناصر المختلفة)، بمعنى ما هي دلالتها.
وظيفة المرأة والرجل والرسول وظيفة دالة لممثل غائب/حاضر:
المحرم، فطالما لم يتم التحريك لن يتم التصديق، ونحن هنا بصدد الاستفسار الذي لم يصل
بنا بعد إلى جواب، والذي يجعلنا نحاذر من الخلط بين الممثل (الشخصية بكلام النقاد الكلاسيكيين)
كعنصر للسرد والممثل كوظيفة من وظائف السرد، فوظيفته، وإن شئت دوره في فعل السفر وفعل
القتال وفعل الحج، لنصل إلى النتيجة التالية، لولا هذه الأفعال لانتفى دور المحرم،
ولأخذت الأمور مجراها الطبيعي. لكن في عالم لا طبيعي، على هذه الأفعال أن تكون، وهي
إن لم تكن لاخترع لنا محمد أفعالاً أخرى، فالأفعال لديه لا تنتهي، بوصفه المحرك السردي
والحياتي، صاحب القدرة على التحريك والتصديق، أفعال متسقة دلاليًا وسرديًا، دلاليًا
المحرم يعني اعتبار المرأة قاصرًا إلى الأبد وموضوعًا جنسيًا أبديًا، وسرديًا التدوين
السيميائي للمحرم كان ملزِمًا وحاسمًا.
منع النساء من لبس الثياب الضيقة التي تصف أو الرقيقة
التي تكشف أو القصيرة التي لا تواري الجسم كله، ومن تضخيم الشعر فوق الرأس، وتحريم
ذلك عليهن
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: “صنفان من أهل
النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات
مميلات مائلات رؤوسهن كأسنة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها
ليوجد من مسيرة كذا وكذا“.
في هذا الحديث كمجموعة سردية هناك عنصران فريدان:
قوم بسياطهم المشبهة بأذناب البقر ونساء كاسيات عاريات (ألبستهن ضيقة أو شفافة أو قصيرة)
مميلات مائلات (يحملن غيرهن على فعلهن منحرفات عن طاعة الله)، الرجال يضربون بسياطهم
الناس كما تضرب النساء الناس بألبستهن. هناك تحول في الحال، في الوضع، تبعًا لدور الرجال
والنساء كفاعل، كممثل، تحول هو في هذا الحديث أوضح ما يكون عليه، لأن هناك تقديم الفاعل
والفعل ووصف الفاعل والفعل، الرجال الضاربون بسياطهم الناس والنساء الضاربات بمحاسنهن
الناس في عملية انفصال واتصال بين الفاعل والمفعول به، بين الرجال والنساء من جهة وبين
الناس من جهة. نحن لم نزل هنا في مرحلة التحريك، ودون المرور بمرحلة التصديق، تكون
مرحلة الحكم بالعقوبة فعلاً: لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها…
المقارنة بين العناصر السردية حاسمة تحت استعارة
أذناب البقر، فإن كانت الأذناب مرادفًا للسياط (للرجولة) كانت البقر مرادفة للنساء
(للأنوثة)، وكل المشكل يقوم هنا، الصراع بين عالمي الأنوثة والرجولة وطريقة الواحد
والآخر في العيش، وفي عالم يطريركي، يحرم على المرأة فعل ما تشاء، بينا يحلل للرجل
فعل كل ما يشاء. حقًا تدين الدلالة الصنفين (صنفان من أهل النار لم أرهما)، هذا الصنف
من الرجال وهذا الصنف من النساء، لكن الجنة أُغلقت أبوابها في وجه تلك النساء تمام
الإغلاق وبقيت مفتوحة للرجال المتجبرين مقابل “فتوى” ربما أو لدور آخر يلعبونه في التحول
السردي.
منع دخول الرجال على الأجنبيات
عن عقبه بن عامر أن الرسول قال: “إياكم والدخول
على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت.
الدور الآخر الذي يلعبه الرجال في التحول السردي
هو دور من باسمه يتم التحول، هنا ليس الحمو، أي القريب من الزوج، كما يبدو، بل الرجل
من الأنصار، فله، بالنسبة لنسائه، برنامجٌ كحامٍ لقيم معرضة للخطر –كما يرى مرجعنا-
عليه تطبيقه (التحريك فالتصديق كما رأينا). وبناء على ذلك، الأهلّيّة ليست للرسول،
لأن الرسول لا يفعل، وإنما يترك أحدهم يفعل. الأنصاري هو الفاعل المحرك للنساء كفاعل
للحال (الدخول عليهن)، فالنبي يرسم البرنامج عندما يقول “إياكم والدخول على النساء”،
ويضع الأساس لنظام القيم عندما يقول “الحمو الموت” (أي الهلاك واقع في الخلوة به).
في حديث آخر، حول نفس الموضوع، موضوع دخول الرجال
على الأجنبيات، يستعيد النبي أهلّيّته: “عن أنس قال: جاءت امرأة إلى رسول الله تعرض
عليه نفسها، فقالت: يا رسول الله ألك إليّ حاجة؟ فقالت بنت أنس: ما أقل حياءها واسوأتاه،
قال: هي خير منك، رغبت في النبي، فعرضت عليه نفسها”. هنا يعلل الرسول كفاعل محرك، ويقيّم
قدرته بالنظر إلى نظام قيمه هو، ويوزع رسائله على هواه لمن يهوى، لهذا إن كان هناك
تحريك لم يكن هناك تصديق، وإن كانت هناك كفاءة لم يكن هناك فعل، فالأمر أمر محمد والفعل
فعله.
خاتمة
يُربط فرج المرأة بشرف الرجل، ويُحوّل الأمر إلى
مسألة وجودية، بينما هي مسألة خاصة جدًا وفردية جدًا، ويُنظر إليه كعلاقة المؤمن بالله،
علاقة شيزوفرينية في الواقع، بينما الأمر شخصي جدًا، وبسيط جدًا، في بيئة صحية خلقيًا
وتربويًا وبالتالي اجتماعيًا، بساطة قبلات النحل للزهر.