-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

فضيحة الصمت بقلم: محمد سناجلة

أعيش الآن في دبي بعد أن غادرت عمّان أو غادرتني، لا أعرف، كل ما أعرفه أنني مهما ابتعدت تبقى عمّان في أسّ الروح... غريبا، وحيدا، أدور في شوارع المدينة، وللغربة أشكال كثيرة، غريب في الوطن، غريب خارج الوطن، غريب بيني وبيني.
أفتح الصحف الأردنية عبر مواقعها الإلكترونية كل صباح، الرأي، الدستور، الغد، العرب اليوم، وأشم رائحة الدحنون والزعتر حين تضج بها سهول حوران في نيسان، أو أتخيل أنني أشمها.
للصفحات الثقافية عنوان واحد، أمانة عمان الكبرى تقيم مؤتمرا كبيرا عن الرواية العربية، أقرأ الخبر باهتمام، وتحدثني نفسي أنني سأجد محورا عن "الرواية الرقمية" لا بد في هذا المؤتمر، لكن ظل ابتسامة ساخرة ولا واعية تتسلل من بين شفتي حتى قبل أن أنهي السطر الأول من الخبر، وهل سيضعون محورا مثل هذا يا محمد؟ تحدثني نفسي، لو وضعوا هكذا محور فهذا يعني أنهم سيذكرونك، وهذا هو الحرام بعينه! أواصل قراءة الخبر فيما تتحول الابتسامة الساخرة إلى علقم بين الشفتين أكثر مرارة من طعم قهوتي الخالية من السكر.
صباح الخير يا وطني، لو كان مؤتمرا في القاهرة أو بغداد أو تونس او الجزائر أو المغرب لوجدت إسمي ورسمي لكن في عمان.. صباح الخير يا عمان، صباح القهوة الشقرا، صباح الخير أيتها الخيول الوحيدة.
أتذكر، قبل نحو سنتين عقد المجلس الأعلى للثقافة في مصر مؤتمرا عن الرواية العربية، وخصص محورا كاملا عن الرواية الرقمية، ودعوني. في المطار التقيت بعدد من أبناء وطني الكتاب المشاركين في المؤتمر، جحظت عيونهم وهم يرونني بينهم: ما الذي جاء بهذا هنا؟ ابتسمت وشرحت لهم: هناك محور عن الرواية الرقمية ودعوني لأتحدث فيه، حكت العيون وابتسمت الشفاه مُدارية صخب القلوب المتوجعة.
في افتتاح المؤتمر، اقتربت روائية أردنية مني أمام عدد من الكتاب العرب، وحاولت السخرية بقولها: أهلا بالرقمي، فرد عليها أستاذنا د. سعيد يقطين وقد فهم المحاولة بقول أفحمها: هذا هو مستقبل الرواية العربية. شعرنا كلانا بالخجل وكل له أسبابه.
في نفس المؤتمر تحدث ناقد أردني عن المشهد الروائي في الأردن، ولم يذكرني حتى بكلمة واحدة، وكيف يذكرني.
بعد ورقته جاءني عدد من الكتاب العرب مستغربين تجاهله التام لي مع أن المؤتمر خصص محورا كاملا عن تجربتي الأدبية! حاولت المداراة بالقول أنه كان يتحدث عن الموتى أكثر منه عن الأحياء.
في مساء ذات اليوم جاءني نفس الناقد الأردني وحاول التبرير بقوله: أنه يعدّ تجربتي تدخل في باب الجمال وليس باب الرواية والأدب، ابتسمت بصمت كالعادة: لكن قلبي كان يضج بالصراخ: والله لو كان بيده ويدهم لأخرجوني من باب الحياة نفسها لا الأدب وحده.
أواصل قراءة الخبر وأسرح بعيدا بعيدا.. السخرية التي قوبلت بها تجربتي "الغريبة" منذ البداية وحتى اللحظة، السخرية في الكلمات، والسخرية في النظرات، وفي كل لفتة وهمسة: السخرية آخر أسلحة الضعفاء، قالت لي د. زهور كرام ذات يوم، ابتسمت بسخرية أنا ايضا، من قال أنني قوي، "وقلبي كل قلبي حبة العنب الأخيرة في فم العصفور".
أتذكر بعد تجربتي "الغريبة" قامت كبريات الصحف والمجلات العربية بإجراء مقابلات معي، فيما، وحتى اللحظة لم تقم صحيفة أردنية واحدة باجراء أي حوار معي حول هذه التجربة، (الأخبار التي كانت تنشر كنا نكتبها في الاتحاد وترسل لهم جاهزة لنشرها)، أتذكر، هناك الآن أكثر من 15 رسالة ماجستير ودكتوراه تكتب عن "تجربتي البرية" في كل أرجاء الوطن العربي، ودعتني مؤسسات ثقافية كبرى في أغلب الدول العربية للحديث فيها، ولا مرة في الأردن طبعا.
نقاد كثر كتبوا ويكتبون دراسات وأبحاث وكتب عن تجربتي "الغريبة"، ولا ناقد أردني ذكرني بكلمة واحدة من قريب أو بعيد إلا ساخرا أو مهاجما، ترى لو كان كاتب الرواية الرقمية من هونولولو أو ساحل العاج أو بلاد واق الواق، أما كانوا سيحتفون به ويخصصون المؤتمرات والندوات حول تجربته التي لن تعود غريبة بل رائدة ومتفردة ومتميزة عندهم.
نعم، الصمت معنى المعنى يا هاشم غرايبة، وربما حان الوقت أن نفضحه أو نكسر أقلامنا ونصمت للأبد.
محمد سناجلة
روائي أردني

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا