-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

سناء العاجي: ليس المتطرف كالمتطرف

بعض المقارنات تنتج عن جهل… أو عن سوء نية مبيت…. وأحيانا عن الاثنين.
في نقاش قديم حول شيخ مغربي أفتى بإهدار دم صحافي، سمعنا وقرأنا الكثيرين
يرددون: “كما أن للصحافي الحق في حرية التعبير، فإن للشيخ نفس الحق”. تحضرني هنا اللازمة الشهيرة لأحمد زكي في “العيال كبرت”: “يا سلام!”… منذ متى كانت الدعوة للقتل حرية تعبير؟ منذ متى كان الإرهاب الفعلي أو الفكري حرية تعبير؟ وهل يتسواى شخص انتقد (عن صواب أو عن خطأ) بشخص قتل أو دعا للقتل أو صفق للقتل؟ بعض العقل… بعض منه فقط… مع بعض من إنسانية… قد ينقذنا من مقارنات اللا معنى هذه.
ودائما في إطار المقارنات المغلوطة، يخرج علينا أحيانا من يقارن بين بعض المفاهيم الإسلامية التي ينتقدها البعض (مكانة المرأة، الحجاب، العلاقات الاجتماعية) ليقارنها ببعض التعاليم الدينية لدى اليهود أو المسيحين دلالة على أن لدى هؤلاء أسوأ مما لدينا. من قال لكم يوما بأن العلماني أو اللاديني ينتقد بعض الممارسات الإسلامية لأنه يفضل اليهودية والمسيحية على الإسلام؟ لدى اليهود والمسيحيين أيضا، هناك تعاليم غير مقبولة على المستوى الإنساني والحقوقي؛ لكن الفرق بيننا وبين أولئك، هو أن المسيحي أو اليهودي يمكنه أن يطبق الدين بحذافيره (فيكون بذلك خارج زمنه في العديد من الممارسات)، تماما كما تتوفر له إمكانية اختيار العلمانية كسلوك في حياته اليومية. الدولة والقانون والمجتمع يوفرون له ذلك. هو ليس مجبرا باسم القانون ولا باسم المجتمع على ممارسة الدين في حياته اليومية واختياراته. وهنا الفرق.
بالموازاة مع ذلك، ودائما في عالم المقارنات اللا منطقية، يمكننا أيضا أن نلاحظ كيف أنه في العديد من النقاشات التلفزية، وخصوصا في تلفزيونات المشرق، حيث الاختيارات متنوعة (على الأقل عدديا) -حنا ما زال علينا الحال-، (نلاحظ) أنه كلما تحدث ضيف عن إشكاليات التطرف وإلزامية مواجهته، يتم الرد عليه: “لكن، هناك تطرف من الطرفين. هناك تطرف ديني، لكن هناك أيضا تطرف لدى دعاة العلمانية ولدى بعض الملحدين.
طيب، لنتفق مبدئيا على أن التطرف في كل حالاته أمر مرفوض. في الدين وفي اللادين. في الحب وفي الكره. في الحداثة وفي التقليدانية… لكن رجاء، الله يرحم الوالدين، ها العار، ها البزيزيلة… توقفوا عن هذه المقارنات غير المتوازنة: كيف نساوي متطرفا دينيا بمتطرف علماني؟ أقصى ما يمكن أن يفعله العلماني المتطرف هو استفزاز مشاعر المتدينين أو عدم احترامها قولا، وهو طبعا أمر سلبي لا يتفق معه عاقل مهما كان موقفه. إذا كان من حق العلماني أن يسائل تمظهرات الدين في الحياة العامة وفرض الممارسة الدينية على الأفراد في العديد من المجتمعات، فليس من حقه، باسم هذه القيم التي يدافع عنها، أن يستهزئ من تدين الآخرين. لكن في نفس الوقت، فمقارنة المتطرف العلماني الذي يستهزئ بالتدين مع المتطرف الديني الذي يقتل غير المتدين (أو من يبدو له غير متدين، حسب معاييره) هو أمر غير معقول وغير مقبول. خلافا للمتطرف العلماني، المتطرف الديني يقتل. يُنَظّر للقتل أو ينفذه. يروج له. يموله. يشرعن له. يغطيه. يصفق له. فكيف نساوي بينهما، حتى ونحن نعترف بأن التطرف العلماني سلوك سلبي بدوره؟
قد تستمر اللائحة طويلة ممتدة… لكن، لنكتف بهذه الأمثلة لكي ندعو بعضنا البعض لقليل من الحكمة في مقارناتنا… وقليل من الرحمة. أن ينتقد شخص ممارسةً إسلامية معينة، لا يعني أنه يفضل المسيحية أو اليهودية؛ بل فقط أنه يؤمن بأن الممارسة الدينية يفترض أن تكون فعلا وقناعة شخصيين. لكن أيضا، وخصوصا: ليس من ينتقد (حتى لو أخطأ) كمن يقتل. ليس من يناقش كمن يجز الرقاب. ليس من يسائل كمن يبرر الإرهاب أو يحاول أن يجد له تفسيرا.
في النهاية، لنقتنع بأمر منطقي بسيط: لا يمكننا أن نفرض على الناس التدين والإيمان… وإلا فهذا يحولنا لما نحن عليه اليوم فعلا: مجتمع يحرص على مظاهر التدين أكثر مما يحرص على القيم التي يفترض أن يطورها هذا التدين. مجتمع ينظر (ولو ضمنيا) لقتل المختلف. مجتمع يفرض التدين في حين أن الإيمان والجنة والنار هي في النهاية أمور شخصية. هل، بفرض التدين على الأفراد، نضمن دخولهم الجنة؟ طبعا لا… وهنا، علينا أن نستبق أصحاب المقارنات اللا منطقية ونذكرهم بأن الإسلامي فقط هو من يفرض على الناس التدين، لأن العلماني (حتى المتطرف منهم) لا يفرض على الناس عدم التدين. هو فقط يترك لهم حرية التدين من عدمه… حتى يكون للأفراد حق اختيار توجههم الخاص وتحمل تبعاته.
في النهاية، لماذا يريد بعض السياسيين وبعض الأفراد أن يدخلوا الجميع الجنة قسرا… حتى لو كان المقابل قتلهم؟ ثم يأتي علينا من يقول بأنه، تماما كما أن هناك متطرفين دينيين، فهناك أيضا متطرفون علمانيون!!

الله يهدي ما خلق وصافي

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا