أين الدولة؟ سؤال يؤرق المواطنين أينما اتجهوا وحلوا . لم يعد الإجرام الفردي وحده يغزو المجتمع ويقض إحساس المواطنين بالأمن والأمان ، في المدن كما في القرى ، بل صار الإجرام الجماعي يَتَشرعَن ويتغذى على عوامل عدة : سياسية دينية ومجتمعية عنوانها الرئيسي غياب الدولة وتواطؤ الحكومة مع التكفيريين والرعاع والمجرمين. والشعور بغياب الدولة لا يراود عموم المواطنين فقط بل شاطرهم فيه رئيس الحكومة حين استنجد بمرافقيه "عيْطو على الدولة" ، وكأنه لا يمثل الدولة في شيء . إذا كان هذا شعور وحال رئيس الحكومة الذي يسيّر كل دواليب الدولة فماذا سيكون عليه حال عموم المواطنين ؟ ومن يتتبع الأحداث منذ تعيين حكومة عبد الإله بنكيران سيدرك أن تغييب الدولة وتشجيع الانفلات الأمني وزعزعة الشعور بالأمن لدى المواطنين هو خطة حكومية متعمّدة من أهدافها: مقايضة الأمن بالديمقراطية، وشغل المجتمع بالقضايا الأخلاقوية . فحين أقدم مواطنون من عين اللوح على طرد 600 امرأة من المدينة مباشرة بعد تنصيب الحكومة الحالية دون أن تتحرك أجهزة الدولة لتحمي النساء وتعاقب المعتدين إلا بعد ارتفاع أصوات التحذير والتنديد من الهيئات الحقوقية والمدنية، كان تشجيعا من الحكومة على الغوغائية باسم الدين والأخلاق . لم تتوقف الغوغائية عند هذا الحد ، بل ستمتد إلى عدة مدن ، حيث سيتولى المنحرفون والرعاع مهاجمة المواطنين والاعتداء عليهم بالضرب وتخريب الممتلكات . كثيرة هي الاعتداءات التي تواتر حدوثها في المجتمع وكان ضحيتها كثير من المواطنين والمواطنات والتي لم يصل منها إلى الإعلام والمواقع الاجتماعية إلا القليل (الاعتداء على فتاة في الرباط وتمزيق ثيابها ، جرائم مول البيكالة في تزنيت، الاعتداء على فتاتي إنزغان ، الاعتداء على مثليي فاس ثم البيضاء ، الاعتداء على زوج وزوجته في شيشاوة ، مهاجمة سيدة في سلا وتحطيم محتويات مرآبها الخ) . مثل هذه الجرائم لم يكن يقو على اقترافها سوى المتطرفين الذين نصبوا أنفسهم "لجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" فعاثوا تعنيفا في المواطنين ؛ لكنها اليوم صارت ظاهرة تغزو المجتمع وتعكس درجة التطرف والطلبنة التي صار عليها بفعل التسيب العام الذي تستغله التنظيمات الإسلامية والمتطرفة في تسميم عقائد المواطنين واستغلالهم كأدوات لفرض نمط معين من التدين على المجتمع لا يمتح من ثقافته الأصيلة وأعرافه الاجتماعية المتميزة بالانفتاح والتسامح والتعايش . إن السياسة المعتمدة في غض الطرف عن الأنشطة الإجرامية وتجاهل الانحرافات التي تهدد سلامة المواطنين وكذا التواطؤ على ترهيبهم لأهداف سياسوية ، لتضع المغرب على مشارف الفتن وتشجع التسيب والاعتداء على المواطنين البسطاء ؛إنها حرب الفقراء ضد البسطاء . فحين يفقد المواطنون الإحساس بالأمن وتفقد الدولة هيبتها ، ستخرج إلى الشوارع والطرقات جحافل المتطرفين والمنحرفين وعموم الناقمين على أوضاعهم يفرضون شرائعهم على المجتمع والدولة التي ستحتاج مزيدا من تجنيد القوى الأمنية والعسكرية لمحاربة عصابات المجرمين وخلايا المتطرفين ومافيا الآداب العامة .إن هذا النهج الذي تسير عليه الحكومة لا يمكن أبدا أن يساهم في بناء دولة القانون والمؤسسات ، ولا بناء الديمقراطية التي من أسسها سيادة القانون ، ولا الحداثة التي من شروطها ألا ينصب الفرد نفسه مشرّعا ولا قاضيا . فالحكومة إياها تصر على تنميط التفكير والممارسة الدينيين للمواطنين وفق رؤيتها ومخططها الرامي إلى أسلمة المجتمع والدولة والقوانين والثقافة والفنون والعلوم . ومن مقتضيات هذا المخطط أن ينخرط فيه الأفراد حتى تحاجج الحكومة بأن الأسلمة مطلب شعبي ومجتمعي ، والدليل على هذا أن رئيس الحكومة ووزيره في العدل لا يكفان عن التهديد ، في أي مناسبة، باستفتاء الشعب حول أية قضية مرتبطة بالأسلمة يواجهان فيها معارضة قوية من طرف الهيئات السياسية والحقوقية والمدنية .
إن وظيفة الدولة الأساسية هي وضع حد لعنف الأفراد والجماعات وتوفير الأمن وحماية الحقوق ثم تقديم الخدمات . وأن تفقد الدولة هيبتها وتتخلى عن وظيفتها الأصلية ، معناه تهيئ الظروف للانفلات الأمني وإشاعة الخوف والترهيب حتى لا يبقى للمواطنين من مطلب سوى الأمن .وهذا ما تريده الحكومة وتسعى إليه . من هنا يجب القول بأن الحكومة التي لا تحمي أمن المواطنين وأعراضهم وممتلكاتهم وتضمن حقوقهم لا طائل من وجودها ، فقد صارت عالة على الشعب وخطرا على أمنه واستقراره ومصادرة لحقوقه ومكتسباته.