-1-
من
الواضح أن التحولات الواسعة التي عرفها الزمن المعلوماتي/ الاتصالاتي الراهن،
أصبحت تطرح على العالم المتخلف/ السائر في طريق النمو، طائفة من
القضايا والمشاكل
التي تحتاج بكل تأكيد إلى إعادة التفكير والتأمل فيها، والبحث عن أفضل الحلول لها
لإنتاج تكنولوجيا لجمع ومعالجة وتوزيع المعلومات، وهو ما يبدو حتى الآن أمرا
مستحيلا.
نعم هناك تنافس بين البلدان المنتجة للتكنولوجيا تتصدره
الولايات المتحدة واليابان، وبالأخص في إنتاج الأجيال الجديدة من الحاسبات، ثم إن
بعض البلدان المنتجة أصبحت تعلن صراحة أن هدفها الأسمى، هو التخصص في صناعة
المعلومات وتحويل الصناعات الثقيلة تدريجيا إلى بلدان العالم الثالث، و الاحتفاظ
بالصناعات النظيفة والتخلص من الصناعات التي تسبب التلوث
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة وصراحة علينا وعلى كل البلدان
السائرة في طريق النمو، كيف لنا أن نواجه الزمن المعلوماتي، ونحن غير قادرين على
إنتاج التكنولوجيا، وتنقصنا الأموال اللازمة لاستيرادها واستعمالها، بينما يستمر
تركيزها في البلدان الصناعية وحدها
لا نبالغ إذا قلنا
أن كل يوم يمر علينا، يزيد من حراجتنا في هذه القضايا لأن التطور التقني للوسائل
الحديثة لم يعد يقاس بالسنوات بل بالأيام والشهور. الأقمار الاصطناعية بدأت تغزو
العالم ببرامج التلفزيون والراديو. الهوائيات الصحنية أصبحت تتيح للمتسلم في أي
بلد التقاط مئات القنوات و البرامج ونحن العرب، لا علم لنا بما تفعله
بنا...وبزمننا
أما المظهر الآخر لهذا الاختلال فيتمثل
في تركيز السيطرة على بنوك المعلومات، لقد أصبح إنتاج واختيار ومعالجة وخزن وبيع
المعلومات من الصناعات المتميزة التي لا غنى عنها لأي بلد يريد التطور، ولكن وكما
في كل صناعة أخرى، فإن البلدان المتطورة تملك كل المصادر التي تمنحها موقع السبق و
الأفضلية. هذا الواقع أدى ويؤدي إلى وضع من التسيب والمفارقة بينها وبين بلدان
العالم الأخرى، اذ نرى من ناحية أن المعلومات متوفرة والاتصال بشبكة بنوك
المعلومات في أي وقت سهل وممكن. لكننا نرى من ناحية أخرى أن الحصول على المعلومات
يعني شراءها ليس بالمال وحده...ولكن بتبادل المصالح والتنازل عن المواقف أيضا،
وهذا بدوره يعني أن الدول غير المتطورة ينبغي ان تخصص في ميزانياتها وسياساتها ما
يتوافق مع ذلك، إذا أرادت الاستفادة من المعلومات لأهدافها التنموية
-2-
من المؤسف القول، إننا بقدر ما نوجد داخل زمن الانفجار المعرفي، نوجد خارجه، لأننا
مع الأسف، مازلنا نعاني من فقر معلوماتي/ اتصالاتي، مدقع، مازلنا مستهلكين
للمعلومات وأوعيتها بشكل سيء، ومازلنا نعاني من التبعية المطلقة لإنتاجية هذه
المعرفة… نعاني من جهلنا ومن جهل قيمها الأخلاقية والعلمية.
لاشك، أن علوم التكنولوجيا الحديثة، قد جعلت كوكب الأرض، نقطة محدودة/ مكشوفة في
الزمان والمكان، وضعت للزمن مفهوما جديدا / مغايرا، جعلت الإنسان يعيش في اللحظة
ذاتها زمانه الذاتي وأزمنة الآخرين الذين تفصلهم عنه مسافات الجغرافيا التي يتعذر
الإمساك بها، بل جعلت الإنسانية جمعاء تعيش عالما يقترب بعضه من بعض، حتى بدأت
قاراته ومحيطاته المتباعدة تلامس بعضها البعض، وهو ما يضع الإنسانية جمعاء أمام
قدر جديد/ تاريخ جديد/ مفاهيم جديدة للزمن… لكن ذلك يفرض على الإنسان أن لا يتخلى
بالإطلاق عن رؤاه الأخلاقية والتربوية للزمن.
إن الزمن اليوم،بفضل التطور العلمي/ التكنولوجي،أصبح يعيد تشكيل الوجود داخل جوف
التكنولوجيا، ولكنه لا يعيد تشكيل القيم لا داخل مفاهيم الزمن، ولا داخل مفاهيم
الإنسان المحكوم بزمن محدد في حياته، وتلك مسألة تفرض علينا كعرب / مسلمين/ نؤمن
بالتطور والتقدم. إعادة النظر في ثقافتنا… وفي مفاهيمها وقيمها وفي نظرتها للإنسان
والكون .
والسؤال المحير، متى وكيف لنا أن نفعل ذلك، والتخلف العلمي/ الحضاري/ الثقافي
يحاصرنا من كل جانب ، ونحن خارج دائرة الزمن الذي كسر كل حدود بين الأنا والآخر…
بين الكائن والممكن، داخل الكوكب الأرضي الواحد؟.
إن
الأمر هنا لا يتعلق بزمن العولمة. لا يتعلق بعولمة الزمن، ولكنه يتعلق بالتغيير
الذي يجب أن يشمل مفاهيمنا للتربية والتعليم والثقافة والسياسة...ولكل القيم التي
تحركنا من الداخل.
أفلا
تنظرون...؟