المقدمـــــــة
عرف الإنسان، عبر مساره التاريخي، أربع مراحل أو براديغمات (Paradigmes) فكرية أساسية، ويمكن
حصرها فيما يلي:
vالمرحلة اللاهوتية:
تتعلق بهيمنة الدين والتفكير اللاهوتي على ذهن الإنسان. وتتوافق هذه المرحلة بالضبط مع فترة العصور
الوسطى التي عرفت بالتوفيق بين الدين والفلسفة، وتفسير كل شيء باسم الدين
اللاهوتي.
wالمرحلة الوضعية أو العلمية كما يسميها أوجست كونت (À. Comte)[1]: تنقسم هذه المرحلة ،
بدورها، إلى المرحلة العلمية اليقينية المطلقة كما عند نيوتن(Newton)، وديكارت(Descartes)، وسبينوزا (Spinoza)، وليبنز (Leibniz) ، ورواد العقلانية
الكلاسيكية؛ والمرحلة العلمية الاحتمالية النسبية مع إنشتاين (Einstein) ، وماكس بلانك(Max Blanc)، وهيزنبرج(Heisenberg) ، وتسمى هذه المرحلة العلمية أيضا بالعقلانية المعاصرة التي ظهرت في
منتصف القرن التاسع عشر.
xالمرحلة المعلوماتية أو الرقمية: رافقت هذه المرحلة اختراع
الحاسوب أو الكومبيوتر الذي أحدث ثورة كوبيرنيكية مقارنة بالمراحل السابقة على مستوى تنظيم المعلومات وتحصيلها وتخزينها رقميا. وقد حققت هذه الثورة قطيعة وسائطية أو ميديولوجية (Médiologique) مع الثقافة الورقية ووسائلها التقليدية منذ
منتصف الخمسينيات من
القرن العشرين.
ومن هنا، يتناول كتابنا هذا
مفهوم الأدب الرقمي وتطوره في الحقلين الثقافيين الغربي والعربي ، بالتوقف عند
مصطلحات الأدب الرقمي ومفاهيمه وتعاريفه المختلفة، مع تحديد مقوماته ومرتكزاته
الأساسية . ولم ننس سياقه التاريخي الذي يستلزم منا تقديم فرش زماني ومكاني، يتتبع
مختلف مراحل هذا الأدب ومساراته المختلفة من منتصف القرن الماضي إلى سنوات الألفية
الثالثة، بتقديم مجموعة من التصورات النظرية والإجرائية التي رافقت تطور الحاسوب
والوسائط الإعلامية والتفاعلية الرقمية والإلكترونية.
وبعد ذلك، قدمنا نظرة شاملة إلى الأدب الرقمي في إطاره الغربي من جهة، وفي
إطاره العربي من جهة أخرى. والهدف من ذلك كله هو معرفة مكونات الأدب الرقمي وسماته
وخصائصه ومميزاته الجوهرية والثانوية، و تحديد ما هو ثابت، وما هو متغير.
وقد طرحنا مقاربة نقدية عربية جديدة من أجل دراسة النصوص الأدبية والفنية
والتخييلية ذات البعد الرقمي سميناها بالمقاربة الرقمية (Approche numérique)، أو
المقاربة التفاعلية(Approche
interactive) ، أو المقاربة الوسائطية (Approche
médiologique)، وقد وضعنا لها مجموعة من المبادئ والقواعد النظرية والإجرائية.
و نرجو من الله عز وجل أن يوفقنا في هذا
الكتاب المتواضع، و يسدد خطانا، ويرشدنا إلى ما فيه صالحنا، ونستغفره عن هفواتنا
وكبواتنا وأخطائنا وزلاتنا.
كما نستسمح القراء الأفاضل عما في هذا الكتاب من
نقص وتقصير ونسيان، فالكمال والتمام من صفات سبحانه وتعالى جل شأنه وعلا، وما
توفيقي إلا بالله.
[1] -Auguste
Comte: Cours
de philosophie positive, édition originale en six tomes , La
Philosophie sociale et les conclusions générales, 1839 ; tome
5, La Partie historique de la philosophie sociale,
1841 ; tome
6, Le Complément de la philosophie sociale, et les
conclusions générales, 1842 ; Paris, Bachelie.
رابط الكتاب