قد جئتَ من بلحِ الأغاني سُكّراً،
ومن الصليل دماً،
وأعراسِ الجليل،
فكنتَ لي وطناً،
وذُبْنا عاشقين، تناسلا نصلاً وزنبقةً
فجاء الحقلُ، وابتهج الحديدُ
وترسَّمتك خُطى القصائدِ
في تجاربها الخفيّة،
طلّ رأسُ الشاعرِ المُزدانِ بالأقواس،
وانكسرَ العروضُ
فَضِقْتَ بالشعراء ذرعاً،
كنتَ تغويهم ليمشوا فوقَ ماءِ السيف
أو نحو الجنونِ،
فما تنبّه غيرُ مَنْ ملك العصا للصوت،
إن الصوتَ مثلُ الموت في الدنيا وحيدُ.
قد لا يضير الليلَ إنْ آنستَ نهداً
نقّطَتهُ يدُ الندى بالشَهْد،
وشماً من مناقيرِ البلابل،
أو غمستَ على الأرائك بطنَ ريتا،
أو تغنّى الزعترُ المحروقُ في بيروت،
أو طار الحمامُ على صلاةِ الصوف،
أو كانت أعنّةُ ذلك المهرِ المروّض وحدَها،
فإذا وجدتَ النَفْسَ جذلى في توحّدها الغريب،
وجدتُ هذا الفَرقدَ الأزلي
في برّ السماءهو النشيدُ.
إذاً، فكيف تموتُ؟
مَنْ أملى علينا سِحرَنا القُدُسيّ يبقى
طالما أبقى
ابنَ آدمَ في تعاليه الوريدُ.
ورأيتُ فيما قد يرى الأمواتُ في أحلامهم
أنّي عرجتُ إلى السماء
فرأيتُ في الأعرافِ جَمْعاً من فحولِ الشِّعر،
قالوا: هل أتيت؟.
جلستُ..
.. ثمةَ مقعدان،
فواحدٌ رفعوا عليه أبا المُحسَّدِ،
قلتُ: والثاني؟
أجابوني: الوحيدُ!!
لكنه لم يأت بعد!
السيدان هما؟!
.. فتضاحكوا بالقولِ: والباقي عبيدُ.
وسألتُ عن طوقان!
ناديتُ: إبراهيم! أينَ أراك؟
فأجابني دمعُ المفارقةِ الشجيُّ: أنا هنا أبكي
ليعذرني الشهيدُ،
كيف البلادُ، وزهرُ يافا، والثلاثاءُ الشهودُ؟
فخرجتُ أقصدُ عودةً،
فسمعتُ صوتَ أبي نواسَ يرنّ
والكاساتُ عودُ.
والبعضُ يذهب للكؤوسِ
لأنها أقوى من الشريان فيه،
ويحتمي بعباءة الأمس المضيء
لكي يجابهَ موتَ حاضره،
يُسلّم قَلبَه وظلالَه للآخرين القاتلين،
ويعتلي الوَهم الملّونَ،
ثم يهدم حُلمَ يوسفَ بادّعاء الواقعي الفذّ،
والدنيا شهودُ.
والكَشْفُ من فِعلِ المُخدّر
أو صلاةِ الزنّ
أو من نبعة الأنفاس في
أيقونة الدرويش،
أو
لا بد من وصلٍ لنورٍ ساطعٍ
حتى نحققَ وهمَنا الغيبيَّ..
هذا الكشفُ نيرفانا السذاجة..
لم يصل أحدٌ لذاك الوجهِ
سبحانَ الذي يبقى بعيداً!!
والقريبُ هو البعيدُ.
قد صرتَ -يوماً- ما تريدُ
لك قصعةُ القمح المُنقّى،
خيمةُ الشعراءِ،
بئرُ سقاية الأسواقِ،
أطعمةُ الرفادةِ، والبرودُ.
ويجيئك الشعراءُ:
الزيرُ سالم يدّعي مجدَ الجواري،
ذلك العنّين يكذبُ-