العالم من حولنا يتجه بأفكاره ونظره وعقله وحواسه إلى ما تبقى من عقود
في القرن الواحد والعشرين، فالحروب الالكترونية والصراعات السياسية الحادة بين الشرق
والغرب، وتحديات الشمال للجنوب، كما الاختراعات المذهلة في مجالات التواصل والتسلح،
لا تحجب رؤية العالم عن العقود القادمة، وما تحمله من صراعات، وسباقات، ولا تشغله عن
التفكير في أرقام وقضايا ومعطيات ودلالات المستقبل المنظور...وغير المنظور.
إن السباق في عالم اليوم، هو سباق تنافسي من أجل تحديد صورة الغد، فالتسلح
وامتلاك التكنولوجيا الحديثة والمتطورة، وتخزين الطاقة والمواد الغذائية، وتطوير مناهج
التعليم والتمدرس، وتحديث الصناعة والفلاحة، هي مجرد عناوين فرعية لهذا السباق الذي
يمتد على الخريطة البشرية قاطبة.
عربيا، يطرح علينا هذا السباق العديد من الأسئلة، أهمها في نظري، ماذا
نحن فاعلون لمواجهة هذا المستقبل ؟ ماذا نحن فاعلون لمواجهة حاجياتنا المتصاعدة في
التكنولوجيا / في العيش اليومي/ في السكن/ في التعليم/ التكوين / التمريض/ التصنيع
/التسليح. وفي الاكتفاء الذاتي الشامل، هل نترك الهوة تتسع بيننا وبين العالم المحيط
من حولنا، أم أننا سنلتحق بالسباق العالمي من أجل المستقبل ؟.
عربيا نعاني من الفقر والفساد والأمية والبطالة، نعاني من انعدام التخطيط،
نعاني من التآمر ضد بعضنا البعض، نعاني من النفاق السياسي الذي يكرس تخلفنا يوما بعد
يوم.
إننا في العالم العربي، في الوقت الذي تزداد فيه كثافتنا السكانية وتزداد
هوة الخلاف فيما بيننا، يزداد تخلفنا ويزداد احتياجنا إلى الخبز والطاقة والشغل والسكن،
وتزداد رغبتنا إلى التعليم والتثقيف والتكوين والتسلح، ويزداد فقرنا إلى الإمكانات
العلمية والتكنولوجية، وتزداد رغبتنا إلى استيراد الجاهز منها بالعملات الصعبة التي
نفتقر إليها.
بمعنى آخر، إننا في العالم العربي، وفي اتجاه السياق نحو المستقبل، كلما
ازدادت خطوات التقدم العلمي- التكنولوجي- الحضاري- العسكري في عالم اليوم، وكلما ازداد
سباق العالم بهذه الأدوات للحاق بالمستقبل، كلما ازداد شعورنا بالتخلف والتقهقر والتراجع،
إنها معضلة لهذا الوطن الذي استيقظ ذات صباح على طبول نابليون، ليجد نفسه في حاجة إلى
مدن جديدة، والى طرق ومواصلات، والى مدارس وجامعات ومطابع وصحف ومجلات ومختبرات ومصانع،
والى معاهد عسكرية وأسلحة، والى قيادات نظيفة تقوده إلى الانخراط الفعلي في العالم
الجديد، وليجد نفسه في نهاية هذا القرن ممزق الرأي مبتور الأطراف، يعاني من الظلم والفساد،
والاستلاب، والفقر والاحتلال / يعاني من سوء الهضم في التاريخ والحضارة والفكر.
إذن...ماذا نحن فاعلون ؟
هل ندرك الأمر بإحداث وزارة جديدة – في كل حكومة عربية- نطلق عليها وزارة
المستقبل ، نوكل إليها العمل من أجل إخراجنا من ورطتنا القاتلة ؟.
هل يكفي ذلك لإلحاقنا بالسباق الإنساني من أجل المستقبل ؟
هل يكفي ذلك لإخراجنا من حالة التخلف والتمزق والبتر ؟
هل يكفي ذلك لانخراطنا في فاعلية القرن الواحد والعشرين، وفي المشهد الإنساني
للألفية الثالثة...؟.
السؤال : من يستطيع إجابتنا عن هذه الأسئلة ؟