-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

تناغم سينمائي مع اللحظة التاريخية : مبارك حسني

اعتدنا من المخرج إدريس شويكة أن يضمّن في أعماله قدراً من الاجتهاد الفني النابع من ثقافة سينمائية حقيقية، عمادها توفير الجديد حسب موضوع الفيلم الذي يكون بصدد
الاشتغال عليه. في هذا الشريط الذي يستعيد فترة زمنية قريبة من الماضي المغربي، هي السنوات القليلة التي سبقت إعلان التخلص من الحماية الفرنسية، منتصف خمسينات القرن السالف، يمنحنا «فداء» صورة أمينة ومجسدة حد التفاصيل لفصل من التاريخ. وهو في ذلك يطبق أحد مقومات الفن السابع، والتي تتجلى في إعادة رسم الزمن وترسيخه «عيانياً ومباشراً». هو أمر قلّما شاهدناه بهذه الدقة المنتبهة للتفاصيل: الملابس والأثاث وتسريحة الشعر الرجالية واﻷحياء العتيقة ومكونات الخارج المتطابقة كالسيارات وواجهات المحلات والمباني. فالشخوص يتموجون في ديكور لصيق بما يؤدونه من أدوار. واﻷدوار تدور بالكامل حول مقاومة الحضور الفرنسي، بناء على حكايات رجالها الفدائيين، ومن أبرزهم البطل محمد الزرقطوني المعروف باستشهاده ببلعه للقرص السام عند إلقاء القبض عليه، وذلك كي ﻻ يضطر للرضوخ تحت التعذيب. الشريط يصور هذه الواقعة التاريخية الشهيرة ضمن صيرورة حكائية بحلقات تتطور تبعاً للانخراط في فعل محاربة الفرنسيين والخونة والمتعاونين.
هنا خط الفيلم واضح، وﻻ يحتمل تأويلاً مغايراً. هو عمل إشادة بالكفاح حتى النصر الذي كان تجسيده في المغرب هو عودة الملك محمد الخامس إلى العرش بعد سنتين من النفي في جزيرتي كورسيكا ومدغشقر في منتصف التسعينات. بهذه الحادثة يبدأ السرد وبها ينتهي. بالفرح والجموع الغفيرة المستقبلة المحتشدة على طول الطرق والساحات وعيونها معلقة نحو السماء في انتظار بروز طائرة الملك. هنا تمازج لصور اﻷرشيف والصور المستحدثة. وبينهما فيلم باﻷبيض واﻷسود وفاءً لروح الاستعادة.

فعل مشترك
غير هذه الروح في التذكير الصوري المتحرك الملموس، ينشر الشريط حكايته عبر شخصية مركزية هي عبد الرحمان. نتبعه منذ البداية، وعبر مرحلتين، أولا حين لم تكن فكرة الانخراط في النضال طرقت رأسه بعد، ثم في ما يلي دخوله معمعان الكفاح. يظهر لنا شاباً ترعرع وكبر يتيماً يتحرك بدعة وسط عائلته ورفاقه في ورشة ميكانيك السيارات نهاراً، وفي المقهى رفقة أقرانه مساء. يحدّد الفيلم منذ البداية أنه يتحرك داخل مجتمع حي يتوزع بين مقاوم وخائن ولو من دون تبيان كامل واف للواقع المتشابك. ولكن لا تلبث الأحداث أن تحدد من مع ومن ضد، فمن الضروري تحديد الموقع. هنا بعض المواربة في الفكرة فرضتها بنية السيناريو الذي اختلق بالضرورة شخصية مساندة لسيرورة تقدم الحكي. هي شخصية الحاج الجار والذي احتل مكان اﻷب في التوجيه والتنشئة والتأطير للفتى البطل، كي يدخل غمار النضال بوصفه شاباً حيوياً وفياً، وﻷن نموذج الحياة التي «يقدمها» مجتمع محتل لا شرف فيها. هنا، ينطرح إشكال الاختيار بين الدعة والهناء خاصة وأن الفتى متزوج حديثاً من فتاة بعد حب، وإشكال التضحية والفداء. ليس هذا باﻷمر السهل في أي عمل إبداعي مهما كان جنسه ونوعه، لكن إدريس شويكة وكاتب السيناريو الصحافي والمثقف عزيز الساطوري اتخذا موقف الفداء كأمر طبيعي ﻻ يحتمل الاختيار. عنوان الفيلم هو «فداء»، وفداء هي الابنة التي سيرزق بها عبد الرحمن وهو في غياهب السجن بعد أسره. الاختيارات وتحديد اﻹشكاﻻت هي خلفية الفيلم. فإلى جانب عبد الرحمان كشخصية محورية قوية بحضورها الفيزيقي، يتلاحق ظهور شخصيات عديدة تمنح تنوعاً ومساراً مختلفاً تزامناً مع دقائق العرض. هناك حضور البطل القائد للخلية بصرامة التقيد بالتعاليم الحزبية، والذي يظهر عاطفة إنسانية حين يفترض الموقف ذلك. وهناك الخائن الذي يعمل حاجباً في إدارة التتبع البوليسي للفدائيين، لكن الذي له قرابة عائلية بالبطل قوية لكونه صهره. ثم الحاج الجار الذي ذكرناه آنفاً. من دون أن ننسى المرأة في شخص الزوجة الشابة ذات الشخصية القوية. كل واحد يطرح إشكاﻻً، ويوجب تحديد سلوك من طرف عبد الرحمن تجاهه.

انحياز للإنسان
لكن المخرج تخير الحدث التاريخي كمحدد ومسيّر لحكايته الفيلمية، بدل ما هو فردي ذاتي. انحاز للعام عوض الخاص. لم يجار منحى الاستبطان العاطفي والتعقيد العلائقي بين شخصيات معينة في لحظة خاصة جداً، كما كان فعل باقتدار مثلاً في شريطه الجميل «لعبة الحب». في «فداء» بدا له طريق الشهادة عن واقعة كبيرة هو اﻷفضل، وحيث يمكن تجلي القدر اﻹنساني في الصراع، ليس ضد شخص أو أشخاص، ولكن ضد ما هو أكبر، استعمار اﻷرض واستعباد اﻹنسان. صراع المغرب المستقل الحر ضد الغرب في فترة العنجهية الحمائية ذات البعد الواحد الذي لا يقبل مشاركة اﻵخر إلا في حدود محكومة. وهكذا بدا عبد الرحمن فدائياً قبل كل شيء، شخصية تعيش على فكرة الكفاح ضد جاذبية العاطفة وضد جاذبية السلم والحياد. حقاً لم يفعل من تلقاء نفسه، بل بإملاء ممن يفترض فيهم التوجيه، الحزب القائد بطبيعة الحال للحركة الوطنية التحررية حينها، وغير خاف الدور الكبير الذي لعبته في تاريخ البلد. هو في الفيلم يُذكر كخلفية لا يمكن التغاضي عنها. لكن بموازاة ذلك يوجد خطاب واضح ومما يجب التذكير به ﻷهميته القصوى. فالشريط يمنحنا صورة لتلاحم بين عودة الملك كرمز ونضال الناس البسطاء عبر تأطير ممنهج. طبعاً ﻻ تنسى حكاية الفيلم ذكر الشهداء في مشاهد مطاردة وتعذيب واستقطاب. وﻻ تنسى تقديم أحياء بحياة ﻻ وجود فيها بشكل مبالغ لشيء «غربي» باستثناء السيارات، كأنما للتأكيد على وجود «استقلال» حياتي مميز وغيور على شاكلة المختار في رموزه كما في ماديته، استقلال ينتصر للحياة من دون توجه سابق مسيطر وجامع حتى حاول الاستعمار فرض نموذجه، حينها حلت فكرة النضال واستفاقت في اﻷذهان، مثلما وقع للبطل الرئيسي.
«فداء» شريط متناغم مع فكرة ومع لحظة. كنا تمنينا لو كان الحوار فيه أقل ارتباطاً بخطاب المقاومة الحماسي اللغة والفيلم أحياناً، وأكثر ارتباطاً بخطاب اليومي المعتاد الذي لا يخفض من قوة الحماس المرجو. لكن ربما فرضت طبيعة الموضوع ذلك على المخرج وكاتب السيناريو. فليس من السهل التطرق للاستعمار في المغرب بعيداً من المتوافق عليه والذي ﻻ خلاف عليه بإظهار دور الحرفيين إلى جانب النخبة في تأكيد فعل التحرر، وفي الوقت ذاته صنع فيلم بمقاسات سينمائية ممتعة حكياً وأجواء وإبداعاً صورياً
عن الحياة 

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا