"مسودات حلم لا يقبل المهادنة" للشاعر علال الحجام

يتابع الشاعر علال الحجام حلمه محلقاً عاليا في سماء الشعر انتصارا للأمل والمحبة

والخصوبة والحياة، ونكاية بكل مظاهر البؤس واليأس والعدمية والتصحّر والسوداوية، فبعد مجموعته "الحلم في نهاية الحداد" التي أصدرها سنة 1975، ها هو ذا يرمّمُ أحلامه ويسقيها رذاذا منعشا في مجموعة شعرية جديدة موسومة بـ"مسودات حلم لا يقبل المهادنة" صدرت أخيرا عن دار الأمان بالرباط في 144 صفحة، وذلك بدعم من وزارة الشؤون الثقافية.

وتضم المجموعة بين دفتيها ستة عشر نصا شعريا كتبت في المغرب وفي الولايات المتحدة الأمريكية، تنحو أكثر فأكثر نحو التحرر من المؤثرات التقليدية وإكراهات أساليبها، وتخفف من كثير من السمات التي ميزت كتابات الشاعر طوال العقود الأربعة السابقة.

من السهل أن يلاحظ القارئ أنه ليس للنص في هذه المجموعة قالب صارم يحتويه ويشكّله سوى ما كان من مطلق الشعر الذي يبلور رؤيا تتفاعل فيهارؤية الشاعر للعالم وإحساسه المرهف بالجمال، ولا يهم أن يكون بعد ذلك شذرة قصيرة أو نصا طويلا، أو قصيدة تفعيلية أوقصيدة نثر، أو قصيدة ممزوجة.

ثيمات المجموعة تتوزع ما بين تأمل الهم الخاص الذي يغوص في أعماق الذات الشاعرة ويعيد اكتشافها بلغة تجريدية حالمة من جهة، والإنصات،من جهة ثانية، بحساسية مفرطة إلى الهم الإنساني العام الذي كثيرا ما يثير أسئلته الوجودية الكبرى مستلهماً تراثا إنسانيا حيا لا يكف عن الإشعاع مثل تاريخ المغرب وسير الشعر والسرد العربيين وخاصة منها التغريبة الهلالية وسير ابن مقلة وابن الرومي،والسهروردي وفرج فودة ولوركا وغيرهم،إذ يستهدف بذلك أمرين اثنين: أولهما هو تحديث هذا التراث وتحويله إلى ما يشبه الرمز التاريخي والأسطوري والقناع الثقافي، والثاني هو جعل هذه النصوص بما تمتلكه من شحنةٍ تراثيةٍ قادرةً على محاورة متلقيها الافتراضي بلغة شعرية متجددة تنأى عن الوظيفة الندائية بما تجترحه من توجيه وتبشير ومباشرة،مخلصة لفتنة الشعر التي تجعلها الشاغل الأول والأساسي.

وفي جميع الحالات، يبدو أن الشاعر يدرك جيدا أن الشعر مغامرة لغوية جمالية خاصة، وأن أي اهتمام بظلال الواقع ووطأته في هذه التجربة ليس محض اهتمامٍ توجهه حاجةٌ خارجية تتغيا إبرازهووصفه ومحاكاته، وإنما هو حدوس تخلقها رغبة جوانية تهدف إلىشعرنة ما هو مألوف فيه ونثري جارح، وإعادة تسميته ضرورة بألوان الوجدان الساحرة وإيقاعات الروح كيفما كانت بهجة هذا الواقع أو مرارة مأساويته.

ومن المعلوم أن مجموعة "مسودات حلم لا يقبل المهادنة" هي المجموعة التاسعة التي تصدر للشاعر علال الحجام بعد ثماني مجاميع شعرية منها "ما لم يرسمه الوشم على الشفق" و"اليوم الثامن في الأسبوع" و"صباح إيموري" و"في الساعة العاشقة مساء" وغيرها.يقول الشاعر علال الحجام في نصّ "أقفال جسر بروكلن":

ـ من يحاكي منهما الأخرَ...

أناملُ منهاتن

تعزفُ أغنيّاتِ الرّوح في الذّرى،

أم تمثالُ الحرّيةِ تستحمّ أساطيرهُ بالضّياءْ؟

ـ كعبّادِ الشّمسِ، قلّما تلتفتُ نيويوركُ إلى ظلّها

لأنها ممسوسةٌ بالحلم

في مجرّةٍ تسابقُ الزّمنْ،

لها رقصةُ الضّوء والضّوضاءِ طقوسٌ،

وانسلالُ الليلِ إلى خِدْر النّهارِ شعائرْ،

ولها أولياءُ يحتمونَ بأضرحةِ الفولاذِ

من غاراتِ الوول ستريت،

وللأقفالِ أرواحٌ