يدمن بعض الزعماء السياسيين وبعض المنابر الإعلامية على استعمال كلمة "حاسمة" في نعت انتخابات 7 أكتوبر، والحقيقة أنه لا شيء سيكون حاسما في هذه الانتخابات لأسباب أربعة:
أولا لأن الدولة لا تريد الحسم في أي شيء، بل تفضل اللعب على كل الحبال وتمديد الفترة الحالية التي تسمى "انتقالية" إلى أقصى حدّ ممكن. ولهذا نجد المسؤولين يعتمدون عبر مؤسسات القرار الفعلي تدابير مرتبكة تراوح بين تكريس الاستمرارية (استمرارية عوامل التخلف) وبين فبركة خطوات محسوبة ومحدودة إلى حدّ التحجيم الظاهر، بغرض تأخير التغيير المنتظر.
ثانيا لأن الفاعلين السياسيين المتبارين ليسوا في مستوى القوة المطلوبة لكي يفرضوا أي نوع من الحسم، فالحزب الأغلبي في الانتخابات التشريعية السابقة لم تتعدّ كتلته الناخبة مليون ومائتي ألف صوت، وهي كتلة ضعيفة مقارنة بنسبة الأصوات المعبر عنها، ولا تجعله مؤهلا لقيادة حكومة في وضع مريح، طالما سيجعله ذلك مضطرا إلى تحالفات غير منسجمة تنعكس سلبا على مردودية الحكومة التي تضيع الكثير من الوقت في صراعات فارغة، وهو ما يُقوي النسق السياسي ويضعف المنتخبين، ويفسّر مقدار الدموع التي ذرفها بنكيران بشكل يثير من الامتعاض أكثر مما يبعث على الشفقة.
ثالثا لأن الإقبال على الانتخابات محدود جدا والأغلبية الصامتة والعزوفة تضعف من شرعية "الحسم" المزعوم، وتجعل الانتخابات أقرب إلى العملية الشكلية منها إلى انتخابات تغيّر من مجرى الأحداث أو تعالج الأمراض المزمنة للحياة السياسية المغربية.
رابعا أنه إذا كان المقصود من "الحسم" هو انتصار أحد قطبي الواقع الحزبي المتمثلين في حزبي "الأصالة والمعاصرة" و"العدالة والتنمية" فالأمر لا يُعدّ "حسما" بأي شكل من الأشكال، بل إنه لا يعدو أن يكون سيناريو هوليودي لا يطابق الواقع المغربي البئيس والفقير سياسيا، لأن نجاح "البيجيدي" يعدّ تكريسا لواقع رفضته القوى الحية بالبلاد على مدى خمس سنوات عجاف، بينما سيكتسي انتصار "البام" طابع تكريس الأمر الواقع بالنظر إلى نسبة الدعاية التي جعلت من الحزب يبدو كما لو أنه وحده حزب السلطة.
ورغم ذلك لا يجوز للقراء الأعزاء أن يستشفوا من هذا المقال أية نبرة تشاؤمية، أو أي تكريس لموقف التخاذل والعزوف عن التصويت، فقد ظهر جليا بأن العزوف والامتناع عن التصويت علاوة على ما فيه من إهدار لقدرات وطاقات تبقى كامنة وبدون أية مردودية أو فاعلية، يساهم بشكل كبير في صعود القوى الرجعية والمحافظة التي استطاعت بإغداق الأموال الكثيرة والهبات على الأحياء الشعبية الفقيرة ومدن الصفيح، وبذرف الدموع واصطناع وضع الضحية، أن تضمن وفاء نسبة هامة من كتلتها الناخبة.
ومن تمّ أرى ضرورة أن يتخذ الديمقراطيون الموقف الذي يمكّن قوى سياسية جديدة من المرور إلى الواجهة، خاصة إذا كانت تمثل قيم العمل السياسي الشريف والنظيف، الذي حمله الديمقراطيون منذ عقود، والذي تراجع عنه السياسيون بل أصبحوا يرون فيه عاملا من عوامل الفشل، إنه الموقف الذي يجعلنا غير ملزمين بالاختيار بين قطبين، أو بإدارة ظهورنا لصناديق الاقتراع بالمرة، بل يجعلنا نختار الخط الثالث، الذي تمثله "فدرالية اليسار الديمقراطي"، ليس لأنها ستحقق أي نوع من الحسم السحري، ولا لأنها ستكتسح البرلمان، بل فقط لأن من شأنها أن تترك شعلة الأمل مضاءة، وتسمح لفاعلين نزهاء بأن يقدموا من داخل المؤسسات النموذج المطلوب للمنتخب الذي يمثل قيم اليسار النبيلة، التي تستقوي بالفكر عوض المال، وبالنقد عوض المساومة، وبالوطنية الحق والشفافية عوض الكولسة وتنفيذ الأجندات الجاهزة.