-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

العطب في "الحديث النبوي" وليس في "لقمش"..

عن موقع إسلام مغربي : في نظري لم يتضمن مقال "عبد الكريم القمش"، المنشور الأربعاء الماضي بجريدة "آخر ساعة"، ما يسيء إلى نبي الإسلام عكس ما روج له
الموقع السلفي "هوية بريس"، حيث أصدر بموجبه حكم الردة على صاحب المقال، وفتح المجال أمام "حراس السلفية" ليعلنوها حربا "دينية" ضد الجريدة وهيئة التحرير والجهة الناشرة.. وأيضا مناسبة لتصفية الحسابات مع خصوم سياسيين مقابل تأييد لآخرين..
تفوح هذه الأيام من جنبات "الفيسبوك" وغيرها من وسائط الاتصال روائح الكراهية والتكفير واللعن.. لحى تدعو إلى النفير العام.. وعمائم تستغيث بالأموات والأحياء من أجل نصرة الرسول والذب عن حرمته.. وشيوخ تشحذ السيوف من أجل تطبيق حد الردة في شخص اسمه "عبد الكريم لقمش".. والسبب كتابته لمقال رأي.. نعتبر ما جاء به ليس جديدا..
لكن الموقع السلفي "هوية بريس" أصدر ضد هذا المقال حكما نافذا باتا لا يقبل الطعن أو المراجعة بأنه يتضمن إساءة خطيرة إلى رسول الإسلام، وأن صاحبه يستحق الطرد من رحمة الله لأنه تجرأ على أقدس المقدسات في الإسلام.. ولم يكلف هذا الموقع نفسه عناء التحقق مما كتبه "لقمش" ولا دراسة حيثيات القضية التي يتحدث عنها، ولا مراجعة المقالات المتسلسلة السابقة، وكان المفروض وضع المقال الأخير، الذي يحمل رقم 15، في السياق العام للحديث..
اجتزأ الموقع السلفي من كلام "لقمش" ما اعتبره حججا دامغة تثبت الإدانة، فأصدر قراره بصفة استعجالية بتكفير المتهم، ولم يبق أمام القضاة إلا تنفيذ منطوق الحكم وقطع رقبة المدعى عليه.. وكان يكفي لقضاة التكفير، ودعاة الفتنة، وحراس السلفية الجدد، أن يرجعوا إلى مقالات الكاتب السابقة للتأكد من دعاوى الإساءة إلى الرسول والتحقق منها قبل إصدار أي رأي أو حكم في الموضوع..
الخلاصات التي توصل إليها "لقمش" في مقاله رقم 15، سبقتها مقالات أوردت سلسلة من الأحاديث النبوية المتضمنة في "الصحاح"، وهي أحاديث تروي وقائع عن زواج الرسول وكيفية تعامله مع أزواجه، وهي مرويات ـ وغيرها كثير ـ تسيء إلى الرسول وتقدمه في صورة لا تليق به صلى الله عليه وسلم، خصوصا الجانب المتعلق منها بالفراش..
وتضمن المقال أيضا أحاديث سياسية في فضل معاوية وبني أمية، وهي من دون شك مأثورات موضوعة، تشرعن للظلم والملك العضوض، وتؤسس لـ"إسلام سياسي" قائم على استغلال الدين، وهو المرجع الفكري الأول في نظرنا لـ"الحركات الإسلامية" في عصرنا الحديث..
فالمشكل ليس فيما كتبه "لقمش" ولكن المشكل فيما رواه البخاري ومسلم وغيرهما، الذين نقلوا أحاديث عن أشخاص كذبوا على رسول الله، وفسحوا بذلك المجال للطعن فيه والتنقيص من قدره الشريف.. ولم يكن صاحب المقال هو أول من يثير هذه القضية، فقد سبقه إلى الموضوع محققون نبهوا إلى معضلة وضع الحديث، خصوصا المتعلق بالبعد "السياسي" في الإسلام..
وقد توصل "لقمش" إلى خلاصات هامة جدا، وقد سبق أن أشرنا إليها في مقالات منشورة، حينما قال إن "الإسلام السياسي لم يتمكن من التحول إلى قوة سياسة فاعلة إلا من خلال تقنية وضع الأحاديث والتي كانت في حد ذاتها أول إساءة للرسول (ص) وللرسالة ككل).. وتحدث أيضا عن "تسييس تام وخطير للسيرة من أجل خدمة أهداف محددة"..
لقد أورد الكاتب مجموعة من الأحاديث النبوية في مقالات سابقة نشرت بجريدة "آخر ساعة"، ليصل في مقاله رقم 15 إلى خلاصة نهائية، وهي التي بموجبها أصدر كتبة "هوية بريس" حكم التكفير في حق "لقمش"، وكانت الفقرة كالتالي: (بالنهاية.. يتم الحديث عن حقائق نبوة بطريقة تفيد من خلال سردها أن الرسول (ص) الذي كان نبيا ورسولا وراعيا لانتشار دين من الله كان كل همه هو النساء...). ولا يمكن لمقال مكتوب أن يستهل بـ"بالنهاية"، مما يفيد أن هناك كلاما قبل هذا، مهّد لما سيأتي بعده من استنتاجات، وهو الأمر الذي لم ينتبه إليه الموقع السلفي..
سرد الكاتب فقط ما جاء في "الأحاديث النبوية" المشبوهة، ليصل في النهاية إلى خلاصات، رأى أنها تسيء إلى الرسول وتخدم "الإسلام السياسي" من وجهة نظره.. وتوصل في مقاله رقم 15 إلى حقيقة نعتبرها في غاية الأهمية وهي قوله: (ما الذي فعلته السياسة في الدين هنا؟... لقد اختلقت دينا جديدا....اختلقت سلسلة من المقدسات لا زلنا نعتقد أنها من عمق الدين فيما الحقيقة أنها جزء من "فقه سياسي")..
ونبصم على هذا الاستنتاج بالعشرة.. كيف ذلك؟
عندما بعث الله نبي الإسلام وكلفه بتبليغ الرسالة ـ وهي القرآن الكريم ـ وجد في طريقه قوى محافظة لا ترغب في التغيير ولا تريد التضحية بمصالحها السياسية والاقتصادية، فتصدت للدعوة الجديدة بكل الوسائل، لكن في نهاية المطاف أذعنت مكرهة للقوة السياسية الصاعدة.. فلم تجد حيلة للاستمرار داخل النظام الجديد سوى إظهار الإسلام وإخفاء العداء، وهي الحالة التي يسميها القرآن الكريم بـ"النفاق"..
حزب "المنافقون" تشكل داخل رحم دولة الإسلام، وبقي يشتغل في السر، وكان يضم غالبية "الصحابة"، الذي يأكلون ويشربون ويصلون مع نبي الإسلام، الذي كان يتزعم حزبا سياسيا من المؤمنين الخالصين، ويرأس في الوقت نفسه دولة مدنية ينتمي إليها الجميع (المؤمنون والمنافقون واليهود في وقت من الأوقات والطلقاء فيما بعد).. السلطة الزمنية اكتسبها ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن طريق البيعة وهي شكل من أشكال الوصول إلى الحكم.. أما ولايته الدينية فكانت بواسطة الوحي المنزل.. لذلك فالدين من الله والحكم من الشعب..
السؤال الخطير هو أين ذهب الحزب السري المناوئ بعد وفاة الرسول؟ أكيد أنه ذاب وسط جموع "المسلمين"/المواطنين، لكن هل تخلى عن "نفاقه" ومشروعه السياسي السابق؟ بالطبع لا.. سيستمر حزب "المنافقين"، لكن هذه المرة مكيفا مع الظروف الطارئة، ومتسلحا بوسائل جديدة، هدفه الدائم هو الاستيلاء على السلطة السياسية التي ضاعت منه في زمن النبوة..
ولأن الحزب السري لم يكن بمقدوره الطعن في القرآن الكريم، فقد التجأ إلى دسّ الحديث، مستغلا عدم توثيقه في العهد النبوي، فوضع آلاف الأحاديث تشرعن وجوده، وتزيل عن أتباعه صفة "النفاق" التي ألصقت بهم، وتعطيهم الأهلية لممارسة الحكم، وكل ذلك بعد الطعن في الرسول والكذب عليه، وتصويره في مقام لا يليق به، وهو ما أشار إليه "القمش" في مقاله الأخير، وهي إشارة بسيطة جدا في مشروع سياسي كبير..
هذا الحزب تمكن من بناء دولة جديدة، استرجع فيها مجده القديم، وكان أصفياؤه في حاجة إلى ترسانة قوية من الأحاديث النبوية المؤسسة لحكمهم الجديد، وقد تولى هذه المهمة رواة الأحاديث وعلماء وفقهاء السلطة وأصحاب "التأويل"، والشعراء والأدباء، وهكذا تم إنشاء ما يسميه البعض بـ"إسلام الحديث"، حيث أنتج لنا دولا مستبدة تحكم باسم "دين الله".. و"إسلام التراث" هو ذاته الذي أنتج لنا أيضا "الدواعش" و"السلفية"، وهو المنبع الذي ينهل منه "الإسلام السياسي" المعاصر عموما..
وفي مقابل ذلك، توارى إلى الخلف "إسلام القرآن"، وبدأ في التخلي عن مواقعه مباشرة بعد وفاة الرسول، إلا أنه فقد السيطرة بشكل نهائي على زمام الحكم، خاصة بعد استشهاد علي كرم الله وجهه، والقضاء بعد ذلك على كل مطمح لدى آل بيته في استئناف مهمتهم الدينية وعملهم السياسي...
رسولنا الكريم لا يحتاج إلى من يدافع عنه، خاصة إذا كان ذلك بوسائل التكفير واللعن واللمز.. انظروا إلى مكانته عليه السلام في "إسلام القرآن"، حيث كرمه القرآن ووضعه منزلة عالية ومنحه الشرف العظيم والدرجة الرفيعة: (وإنك لعلى خلق عظيم)، (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم)، (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).. فبأي حديث بعده يؤمنون؟؟
إذا كنتم فعلا تريدون نصرة رسولكم والدفاع عن حرمته شمروا على سواعدكم ـ يا حراس التراث ـ وحرروا أحاديث نبيكم من الترهات والخزعبلات والخرافات والأساطير، فهي الإساءة الحقيقية إليه، وهي التي تشوش على عقول الناس وتدينهم..
نعتقد أن "الإسلاميين" بشتى تصانيفهم ينتعشون كثيرا في مثل هذه المعارك الوهمية، المتعلقة بالهوية والدين والمرأة... وينتظرون فرصا مثل هذه ليسترجعوا بعضا من لياقتهم، وليرصوا الصفوف من جديد في كل "غزوة" من غزواتهم العنترية..
ولا يخفى على أحد أن من وراء إثارة هذه المعارك غنائم سياسية واصطفافات عقدية، فلقد تاجروا من قبل بفلسطين والمرأة واللغة... وهم الآن يستغلون حب الناس لنبيهم الكريم ليدخلوا باسمه سوق المضاربة السياسية.. ألا بئس ما يصنعون..

إشارات:
1 ـ إذا قرأت المقال رقم 15 لعبد الكريم لقمش مفصولا عن سابقيه تبدو إلى القارئ الإساءة إلى الرسول.. لكن إذا قٌرئ في سياق ما سبقه يتضح العكس.. (صاحب المقال نشر بيان حقيقة بموقع هسبريس يؤكد على هذه الملاحظة)
2 ـ قولنا إن الكاتب مظلوم من قبل "حراس السلفية" لا يعني أننا نتفق معه في كل ما كتب.. أكيد أننا نختلف معه في المنطلقات والمآلات..
3 ـ اللهم صل على محمد وعلى آله الأطهار في الأولين والآخرين.. وارزقنا هذا العام زيارته وشرف السلام عليه..

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا