-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

قراءة في قصيدة " شهر أيلول " للشاعر العراقي إبراهيم الماس .

محمود جمعة :
شهرُ أيلول عند إبراهيم شِعراً .
قراءة في قصيدة  " شهر أيلول " للشاعر العراقي إبراهيم الماس   .
* * *
الشِعرُ إذا آمنّا بأنه حالةٌ طبيعية إزاءَ فعلٍ حياتيّ / طبيعيّ / إنسانيّ / خاصّ أو نوعيٍّ ، فقد أسأنا فهمَ اللّغزِ الكوني ، والذي تدورُ حوله آلاتُ العقل والمعرفة بحثاً وتدقيقاً ، فحصاً وكشفاُ ، لكنّه ( الشعر ) أعلى من ذلك بكثيرٍ ممن يتصوّرون أنّ الشعرَ حالةٌ شعورية تتفرّع عنها ما ذكرتُ من حالاتٍ أعلاه ، قد يكونُ أشبه بعملية تقطير الضوء في ظلمة ! ، وربّما يكونُ الشعرُ رحلةً نحو أماكن فيها قصائدُ خالدة ، وما على الشاعر إلا أنْ يُحضرها إلى الوجود ، وهذا لا يُؤتى إلا لشاعرٍ عرِفَ من الأسرارِ قدرَ ما يجهلُ .. ، فكلُّ شيءٍ في الكونِ قصيدةٌ جاهزةٌ ، جاهزة للأخذ والاعتبار ! ، لكنّا نسألك أيها الشاعر : ما موقفُك أنت ؟ ، أتحبُّ أن تكون سارقاً ؟! ، تذكّر جيداً بأنّ جلوسك إلى كهْفٍ هو عملية سرقةِ وقتٍ زمنيّ تجرّأتَ بها على غيرِك إنْ لم تؤثّثْ هذا الوقت المُستقطع / المسروق بجماليات المخفي ، هذا ما يميّزُك عن غيرِك لا أكثر ، وقد يكونُ فعلُك هذا موقفَك من الموتِ بحسب تعبير الراحل عمر الطالب .
أنت حزينٌ ..
هذا ما يحدث في أيلول ..
الفعل الشعري الكامنُ في الذات الباحثة عن كوّة ضوء لا يخضع لتخطيط مُتعمّد من قبل الشاعر ، إنّما يُتركُ بتقديرٍ شعريّ لاتخاذ النسقِ الطبيعي ، حيث يُقدّم ( الكتابةَ ) لوحةً على شلالٍ وديعٍ ، تتغيّر مجرياتُها وفق انثيال الماء .. ، هذه الحرفية هي التي تجعل من النصّ الأدبي نصّاً شعرياً ، فالممارسة الكتابيّة وحدها لا تكفي ، وأيلول موضوعةُ الوجدِ للشاعر أثناء خصوصيةٍ نوعيّةٍ عاشها الشاعر ، لا موسم لحزنِ الشاعر ، لكنّ إرادة الكلّ وإطلاق الجزء يكشفُ عن نوعية الوجع ، ألا وهو كتابة نصّ يُساهم في الضوء / أيّ ضوء من شأنه أنْ يكمل عمليّة نقل الصخور / ممارسة الفن .
لا مجد ولا تمائمُ جنّ !
أنت وحيدٌ أكثر ..
من ألذّ حالات الشاعر مرارةً هي كتابةُ الموقف ! ، فثورةُ الوهج الشعري / الصوفي / الطبيعي / اللوني / بمفهومها العام تعني : كتابة الموقف بأدوات ناقصة ، فماذا أراد ( الماسُ ) أنْ يكتبَ ؟! .
الشاعرُ شبيهٌ بمصنعٍ كبيرٍ ، تتعدّدُ وحداتُ إنتاجه كمّاً ونوعاً ، كلّها تعملُ وفق نسقٍ مُرهقٍ ، اكتشافٌ وتحليلٌ ، تدويرٌ وتخليقٌ ، وبعدها : تمرُّ الكفّ على الجبين لتخرج الجملةُ الشعريةُ ! ، ( أنت وحيدٌ أكثر ) : فأنت أيها الشاعر : نصفُ رجل / نصف امرأة / نصفُ وردةٍ / نصفُ نخلة / نصفُ يتيم / نصفُ فقير / نصفُ غني / نصفُ مَلِكٍ / نصفُ نبيّ / نصفُ شيطان / أنت نصفٌ من كلِّ شيءٍ .
جئتَ مثل كوكبٍ
من سقوف الصّيفِ ..
ووقعتَ في شَرَكِ المياهِ
في بحيراتِ القصور المهجورة !
الرحلةُ نحو اللامألوف معرفياً من اختصاص الشاعر ! ، وهنا ثمّة أسئلةٌ يطرحها الشاعرُ عبر ذاتٍ خفية لا تظهرُ إلا بتفتيت الضوءِ الذي يلدُ النصوص ، هذه أسئلة تُطرح كي لا يُجابَ عليها :
1
ـ أنتَ وحيدٌ أكثر ؟؟
ــ ربما لأنك رأيتها تبكي ! .
2
ـ جئتَ مثل كوكبٍ من سقوف الصيف ؟! .
ــ نعم ، ثمة ( شَرَكٌ ) للمياه ، لا يصطادُ إلا الشعراء ! .
من قميصك الذي 
هجره اللونُ تتطايرُ :
هل رأيتم نانار خلف
الشباك الخفيض تغسل
الأواني ..
أخذوا من يديها سبع أنهار
وكانت حبيبتي !
تتطايرُ .. فينهارُ
حفيفُ الحقول تحت
رعب النجوم !!
وتتلاطم أرواحُ الغرقى في القلعة :
حارسةُ النهر !
لِمَ تُنشدُ للأحجار في
المنابع السعيدة ؟
لِمَ تمدح النبتة
في الليل
وتؤاخي بين البشر ؟!
يبقى هاجسُ العشق حنيناً أزلياً في ذات الشاعر مهما بلغ من قوة الكشف والفيض شعرياً ، ذلك أنّ في الوجود ممكناتٍ كثيرةً ، قد تُسعفُ أو لا تسعفُ الجاني لحظة الكتابة ، وهنا ثمة توفيق ممتعٌ بين الماديّ والمعنويّ ؛ لأنه مَنحَ الجملة الشعرية نسقاً آخر يغايرُ الاعتراف والتباكي وجلد الذات ، فهو هنا فرحٌ بحزنه إذْ يرى فقدان الأنهار السبعة وهي تُصادرُ من امرأة بعد حينٍ يكتشف أنّها حبيبتُه ! ؛عبر توازٍ لغويّ بين جملتي ( حفيف الحقول ، رعب النجوم ) ، وهذا الاتساق منحَ اللغةَ مجالاً أكبر في توظيف المعنى ، ذلك أن الحفيف لا ينهارُ ، والأرواحُ لا تتلاطمُ ... إلا بوجودِ دافع الموقف /الكتابة ، بعد حينٍ يتأكد وهو يبحث عن موقفٍ أنّ بحثه عن الموقف موقفٌ ، وهذا لا يحدث في غير الشعر ، تماماً إنه كـ( الانشاد للأحجار في المنابع السعيدة / مدح النبتة / المؤاخاةُ بين البشر ) ! .
إنّ تحوّل المكان في الشعر منتهى ما تطمحُ إليه القصيدة الحديثة بحسب تعبير د. حمد الدوخي ، وقد بُني هذا التحوّل في النصّ هذا وفق ثنائية العرض والتقديم ، عرض السبب ، وتقديم النتيجة ، وهي الموقف الذي يحلمُ به الشاعرُ منذ أوّل الرحلة حتى حلول التعبِ ، وكأنّه وضع خطوطاً بيانية رصف عبرَها ما يطمحُ إليه في تحقيق ولادة جملةٍ شعريةٍ تليق بـ ( حقول الذرة / الكتب / النظرة / فزع القنفذ / الشجر الجافل / أيلول ) ، ثم نأى بعيداً عن التقرير : (( لا تقل شيئاً عن الرعشة .. )) ، ليكشف عن تمثالٍ يتجلى بصورةِ شاعر / شاعرٍ يتجلى بصورة تهشيم الحياة كون الريح ترسمُ كثيراً من الحياة ، موضّحاً تناقضَ استمرار الحياة / سرِّها القائمُ على ثنائيّة : تهشيم / رسم  .
والنتيجة شعريّاً قد تلتزمُ أولا تلتزمُ بالتخطيط النفسي ، إلا أنّ نسقَ الألفاظ وتناغمها أدّى تلاحُماً روحيّاً نفسياً في صياغة الجملة الشعرية ، ذلك أنّ اللغة على امتداد المسافة النفسيّة للنصّ لم تعلُ على الشعر ، ولا الشعرُ علا اللغةَ ، إن هذا نصّ جاذبٌ للانفتاح على نصوص أخرى إذا أخذناه جملة جملةً بمعزلٍ عن خريطته عبر الصورة التي أفضت إلى صورة أخرى أنتجتْ مشهداً سينمائياً شعرياً ، وأنوّه إلى أنّ بعض القراءات أصغرُ من الشعر ، لكنها تبقى محاولاتٍ تنتظم السيرَ جوار المنتج الجديد تخليقاً للنص
.
شهر أيلول / إبراهيم الماس .
* * *
أنت حزينٌ ..
هذا ما يحدث في أيلول   .
لا سلام في قلبكَ ، لا مجد ولا تمائمُ جنّ  !
أنت وحيدٌ أكثر .
.
رأيتَها تبكي ..
فجئتَ مثل كوكبٍ من سقوفِ الصّيف
ووقعتَ في شَرَكِ المياهِ في بُحيراتِ القصورِ المهجورة .
.
من قميصِكَ الّذي يجردُ ، تتطاير :
هل رأيتم " نانارَ " خلف الشبّاك الخفيض
تغسل الأواني
أخذوا من يديها سبعَ أنهار
وكانت حبيبتي !
.
تتطاير ..
يتقشّر لحاءُ الشهورِ
فينهارُ حفيفُ الحقولِ تحت رعبِ النجوم
وتتلاطم أرواحُ الغرْقَى في القلعةِ : حارسةُ النَّهر !
.
تدسُّ في جيبِ الهواءِ :
يا ابن آدم ..
لِمَ تنشدُ للأحجارِ في المنابعِ السعيدةِ
لِمَ تمدحُ النّبْتةَ في الليّلِ
وتُآخي بين البشر !؟
.
في الشطآن ، في حقولِ الذرةِ ، في الكُتبِ ، في النظرةِ ،
في فزعِ القنفذِ يعبرُ شارعَ الإسفلتِ ، في الشجرِ الجافلِ ،
في أيلول ..
لا تقلْ شيئاً عن الرعشةِ ، هاك ..
انْظرْ مثل تمثالٍ مُهشّم
مثل فزّاعةٍ حجريّةٍ رَسَمَتها الريحُ
انْظرْ بعينينِ واجِمَتينِ أعلى ..
إلى قُرى النّملِ الذهبيّ وهيَ تقيمُ أعراسَها
في خشبِ الليالي العتيق !
ـــــــــــــــــــــــــ
* نانار : آلهة القمر في العراق القديم .


عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا