كم من مرة تم الإعلان فيها منذ 1883، نكاية أو حسرة،
عن موت ماركس؟ ومع ذلك، احتكاما إلى راهنية النشر، تبقى الإحالة على الإنتاج الفكري
لماركس حية بشكل لافت.
هذا ما يشهد عليه "قاموس ماركس المعاصر" الذي يحلل،
تحت إشراف جاك بيدي وأوستانس كوفاليس، طفرات العقود الأخيرة. إن كلمة "قاموس"
غير مناسبة، فليس الكتاب منظما حسب موالاة أبجدية من المقالات الموضوعاتية. يتعلق الأمر
حريا بضرب من النظرة الشمولية إلى "الأشكال العديدة التحت أرضية (...) التي عبرها
أذكت الإحالة على ماركس وما زالت تذكي المناقشات النظرية في العقود الأربعة الأخيرة".
هذه التحولات الموضوعاتية، المتناولة بالدرس في
الجزء الأول من المؤلف، هي كذلك من طبيعة جغرافية. فبينما ازدهرت الماركسية على الخصوص
في جنوب أوربا وأمريكا اللاتينية في ما بين الحرب العالمية الثانية ومنتصف العقد السبعيني،
فقد تحول مركز ثقلها بشكل مفاجئ نحو العالم الأنجلوسكسوني خلال العقدين المواليين.
نتجت عن دلك أشكال أصيلة من الماركسية، مثل الماركسية التحليلية التي يمحصها أليكس
كالينوكوس تحديدا، وكذلك الإشكاليات الابتداعية مثل "اشتراكية السوق" التي
ينكب عليها طوني أندرياني. سوف تكسب الماركسية هنا فرصة مواجهة سياقات اجتماعية سياسية
ثقافية جديدة و(فرصة) الإلمام يظواهر خرجت عادة من مجال تأملها مثل العنف العنصري والهيمنة
الذكورية والأزمة الإيكولوجية.
الجزء الثاني من المؤلف الذي جاء تحت عنوان Configurations (تشكلات) والأكثر أهمية بحسب حجمه، هو بدون شك الأكثر أصالة كذلك. إنه
يستكشف أوجه التلاقي بين الماركسية وغيرها، أو بعبارة أخرى السيرورة التي من خلالها
نفذت الإحالة على ماركس، بشكل ضمني ولاشعوري في الغالب الأعم، إلى سلسلة من الاتجاهات
النظرية والسياسية المعاصرة، وبالعكس كيف أن الاتجاهات إياها غذت وحركت الماركسية،
كما تمت مساءلة اللقاءات، النصدامية تارة والتنافذية طورا، بين الماركسية والإيكولوجيا،
الماكسية والنزعة النسوية، الماركسية ونزعة ما بعد الاستعمار، الماركسية ولاهوت التحرير،
إلخ..من المجموع المنبثق الفكرة (القائلة) بأن لا مظهر من تحولات العالم المعاصر غريب
عن الماركسية حتى ولو لم تكن دائما في الموقع الأفضل لتناولها. لقد بدا الإرث الماركسي
خصيبا وكأن ذلك كمقابل لهجران أي حلم أو كابوس بأرثودوكسية ما.
يبحث الجزء الثالث من المؤلف كيف أن الإحالة على
ماركس تخترق عددا كبيرا من الأعمال النظرية من بين الأكثر أهمية سواء انتسب أصحابها
إلى الماركسية بهذه الصفة أو تلك (مثل لوي ألتوسير وهنري لوفيفر) أو ابتعدوا عنها
(مثل ميشال فوكو وجيل دولوز وبيير بورديو.
يبقى اختيار الأعمال الغشوائي جليا، مطبوعا بنوع
من النزعة المركزية الأوربية. مقال واحد خصص لكاتب غير أوربي وهو الاقتصادي الياباني
كوزو أونو، في حين أننا ننتظر انفتاحا أكثر لأجل إدراك عالم - مآل فكر ماركس.
وهو يختتم ببيبليوغرافيا شاملة، وعلى الخصوص بجرد
لمجمل الدوريات والمجلات التي تقيم علاقة بالإنتاج الفكري لماركس عبر العالم، يؤدي
"قاموس ماركس المعاصر" هذا وظيفته كأداة عمل مفيدة لكل الذين ينوون الاستمرار
في فهم العالم المعاصر من أجل الوصول إلى تغييره في لينعم بالحرية.
عن لموند دبلوماتيك