من يقرأ اليوم مقابلة المراقب العام الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين مع الزميلة “الغد”، ومن قرأ بالأمس مبررات تيار “زمزم” للخروج من رحم الجماعة، يدرك تمام الإدراك،
أن عباءة الجماعة باتت ضيقة للغاية على أبنائها، تنظيمياً وفكرياً، وأنها لم تعد تلك المظلة الواسعة القادرة على احتواء الجميع تحت ظلالها … مشكلة الجماعة، الأهم والأخطر، أنها ما زالت تعيش “حالة إنكار” برغم الانشقاقات المتناسلة عن صفوفها، وبقيادة رموز وشخصيات، يصعب الطعن بصدقيتها، أو التشكيك بمقاصدها، أو اتهامها ما ليس منها أو فيها.
سالم الفلاحات تحدث عن إحساس باليأس بعد سقوط سلسلة من المبادرات الإصلاحية، ما دفعه رفقة مجموعة من القيادات والكوادر للبحث عن مخرج في “الشراكة والإنقاذ”، كحزب قيد التأسيس … لكنه أوضح أن ثمة من رموز الجماعة وقادتها التاريخيين فضلاً عن “مجموعات شبابية”، من يحتفظ بأفكار “الشراكة والإنقاذ” ذاتها، بل وقاد اجتماعاتها في مراحل مبكرة، لكنه آثر التريث وعدم الانضمام إلى ركب الحزب الجديد.
سالم الفلاحات، نيابة عن “الشراكة والإنقاذ”، ومن قبل تيار “زمزم” يعبران عمّا يمكن تسميته بتيار “الإسلامي المدني – الديمقراطي”، الذي شرعنا في الحديث عنه والرهان على فرص انبثاقه، منذ المؤتمر الأول الذي نظمناها تحت العنوان ذاته، قبل أزيد من عشر سنوات … بيد أنهم بالطبع، لا يختزلون هذا التيار بمجملة، فهناك من ينتمي لذات المدرسة، في الجماعة الأم، وفي غيرها من الجماعات والمجاميع والأحزاب التي تنتمي للمرجعية ذاتها.
ظننا، وظن آخرون، أن “زمزم” ستكون خاتمة مطاف الأزمة الداخلية في الجماعة الأم، حتى داهمتنا “جمعية الجماعة” ومن بعدها تيار الحكماء الذي تبلور مؤخراً في “الشراكة والإنقاذ”، ولا أظن أن الجماعة تقترب من خاتمة مطاف أزمتها الداخلية، وليس مستبعداً أن تتوالى عمليات النزف والتفريخ، فكثير من الأصوات التي تشاطر “زمزم” و”الشراكة والإنقاذ” أفكارهما، ما زالت تتفاعل داخل الجماعة، ومن دون أن تتوفر لها المنابر والمنصات وآليات العمل والتغيير من الداخل، فمن المؤكد أنها ستغرد ذات يوم قد لا يكون بعيداً، خارج سرب الجماعة.
ثمة أزمة تنظيمية، تتعلق ببنية الحزب والجماعة الداخلية، المحمّلة بثقافة بائدة قائمة على “السمع والطاعة” … مثل هذه الثقافة، وترجماتها “الحزبية- التنظيمية”، لم تعد تنتمي لعالم اليوم، والحركة الإسلامية في الأردن كما في غيره من الأقطار العربية، مهددة بالانقسام والتشظي، ومواجهة ذات المصائر التي انتهت إليها تيارات يسارية وقومية وازنة من قبل، أن لم تهتد إلى إصلاح حقيقي وذي مغزى لحياتها الداخلية وقوانينها الحزبية، وإن لم تنجح في إيجاد آليات تكفل إدارة الاختلاف والتنوع بداخلها، وتعيد توزيع السلطة والصلاحيات، بدلاً عن مركزتها في يد “المراقب العام” أو قلة من القيادات النافذة.
وثمة أزمة فكرية – سياسية، تعتصر هذه الجماعات، عبر عنها الشيخ الفلاحات بقوله إنه لم يكن مطلوباً من عبد اللطيف أبو قورة أو حسن البنا، التفكير لمائة أو مائتي عام قادمين … فلكل زمان، دولة ورجال، والمجتمعات التي أنجبت قادة ومفكرين بحجم هؤلاء، يمكنها أن تنجب مثلهم وأقدر منهم في عصر العولمة وثورة المعلومات والاتصالات، لكأني بالرجل يريد أن يخرج من شرنقة “الجمود” أو “التحجر النصّي” الذي يهيمن عادة على الأحزاب العقائدية عامة، والدينية بخاصة.
وهو لفت بخاصة، إلى “مقاومة” الحركات الإيديولوجية، الدينية بخاصة، لرياح التغيير والتجديد والتحديث، وميلها للنظر بريبة واتهامية لكل الأصوات المجددة، وتفضيلها “إبقاء القديم على قدمه” … لكأنني سمعت مثل هذا الكلام من قبل، زمن سطوة الأحزاب اليسارية والقومية، التي أظهرت في حينه، ما تظهره الأحزاب الإسلامية اليوم، من نزعة مناهضة للتغيير والتحديث، مع أنها بخلاف الإسلاميين، لطالما فاخرت بأنها أحزاب “الديالكتيك المادي”، دع عنك “سطوة المقدس” في خطاب الحركات الدينية، وتعلقها “اليقيني- الغيبي” بالنصوص، التي قيل في وصفها بأنها رمادية، بينما شجرة الحياة مورقة ودائمة الاخضرار.
سينجح الفلاحات وصحبه في مسعاهم لتشكيل حزب جديد، سيما وأن القانون الجديد للأحزاب، يسّر عملية التشكيل والتأليف، لكن السؤال الأهم: هل سينجح القوم، في تقديم حزب بـ “قيمة مضافة” للخريطة السياسية – الحزبية الأردنية”؟ … هي سينجحون في تقديم خطاب جديد مغاير، قادر على استقطاب شريحة وازنة من الأردنيين؟ … أم أنهم سيضيفون رقماً جديداً إلى “كشف” الأحزاب السياسية المسجلة لدى وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية؟
ثم، كيف ستكون علاقة الحزب الجديد بالجماعة الأم، وبزملائهم من “تيار الحكماء” الذين ما زالوا في داخلها؟ … وكيف ستكون علاقتهم مع “زمزم” الذي يشتركون معه، التجربة ذاتها والمعاناة ذاتها، وتقريباً الخطاب ذاته، هل نتوقع أن يشرع الفريقان في إدارة حوار من أجل الوحدة والاندماج، أم أن الحزب السياسي، ما أن يترخص حتى يصبح كياناً قائماً بذاته، إلى ما شاء الله؟
هل يمكن أن يشكل الحزب الجديد، مع بعض الأحزاب المحافظة، ذات المرجعية الإسلامية، والمبشرة بفكرة الدولة المدنية و”الهوية الوطنية” والحزب البرامجي، غير العقائدي، والمواطنة المتساوية، نواة لتيار سياسي مدني محافظ، مقابل التيار المدني الديمقراطي (العلماني)، والتيار الديني المحافظ، والتيار العشائري المحافظ أيضاً؟
أسئلة وتساؤلات، مثيرة للاهتمام والمتابعة، في قادمات الأيام وما سيصاحبها من سجالات سياسية وفكرية وحزبية، أرى أنها صحية تماماً، وتعبر عن اقتراب التجربة الحزبية الأردنية من ولوج مرحلة جديدة، أكثر نضجاً وغنى.
أن عباءة الجماعة باتت ضيقة للغاية على أبنائها، تنظيمياً وفكرياً، وأنها لم تعد تلك المظلة الواسعة القادرة على احتواء الجميع تحت ظلالها … مشكلة الجماعة، الأهم والأخطر، أنها ما زالت تعيش “حالة إنكار” برغم الانشقاقات المتناسلة عن صفوفها، وبقيادة رموز وشخصيات، يصعب الطعن بصدقيتها، أو التشكيك بمقاصدها، أو اتهامها ما ليس منها أو فيها.
سالم الفلاحات تحدث عن إحساس باليأس بعد سقوط سلسلة من المبادرات الإصلاحية، ما دفعه رفقة مجموعة من القيادات والكوادر للبحث عن مخرج في “الشراكة والإنقاذ”، كحزب قيد التأسيس … لكنه أوضح أن ثمة من رموز الجماعة وقادتها التاريخيين فضلاً عن “مجموعات شبابية”، من يحتفظ بأفكار “الشراكة والإنقاذ” ذاتها، بل وقاد اجتماعاتها في مراحل مبكرة، لكنه آثر التريث وعدم الانضمام إلى ركب الحزب الجديد.
سالم الفلاحات، نيابة عن “الشراكة والإنقاذ”، ومن قبل تيار “زمزم” يعبران عمّا يمكن تسميته بتيار “الإسلامي المدني – الديمقراطي”، الذي شرعنا في الحديث عنه والرهان على فرص انبثاقه، منذ المؤتمر الأول الذي نظمناها تحت العنوان ذاته، قبل أزيد من عشر سنوات … بيد أنهم بالطبع، لا يختزلون هذا التيار بمجملة، فهناك من ينتمي لذات المدرسة، في الجماعة الأم، وفي غيرها من الجماعات والمجاميع والأحزاب التي تنتمي للمرجعية ذاتها.
ظننا، وظن آخرون، أن “زمزم” ستكون خاتمة مطاف الأزمة الداخلية في الجماعة الأم، حتى داهمتنا “جمعية الجماعة” ومن بعدها تيار الحكماء الذي تبلور مؤخراً في “الشراكة والإنقاذ”، ولا أظن أن الجماعة تقترب من خاتمة مطاف أزمتها الداخلية، وليس مستبعداً أن تتوالى عمليات النزف والتفريخ، فكثير من الأصوات التي تشاطر “زمزم” و”الشراكة والإنقاذ” أفكارهما، ما زالت تتفاعل داخل الجماعة، ومن دون أن تتوفر لها المنابر والمنصات وآليات العمل والتغيير من الداخل، فمن المؤكد أنها ستغرد ذات يوم قد لا يكون بعيداً، خارج سرب الجماعة.
ثمة أزمة تنظيمية، تتعلق ببنية الحزب والجماعة الداخلية، المحمّلة بثقافة بائدة قائمة على “السمع والطاعة” … مثل هذه الثقافة، وترجماتها “الحزبية- التنظيمية”، لم تعد تنتمي لعالم اليوم، والحركة الإسلامية في الأردن كما في غيره من الأقطار العربية، مهددة بالانقسام والتشظي، ومواجهة ذات المصائر التي انتهت إليها تيارات يسارية وقومية وازنة من قبل، أن لم تهتد إلى إصلاح حقيقي وذي مغزى لحياتها الداخلية وقوانينها الحزبية، وإن لم تنجح في إيجاد آليات تكفل إدارة الاختلاف والتنوع بداخلها، وتعيد توزيع السلطة والصلاحيات، بدلاً عن مركزتها في يد “المراقب العام” أو قلة من القيادات النافذة.
وثمة أزمة فكرية – سياسية، تعتصر هذه الجماعات، عبر عنها الشيخ الفلاحات بقوله إنه لم يكن مطلوباً من عبد اللطيف أبو قورة أو حسن البنا، التفكير لمائة أو مائتي عام قادمين … فلكل زمان، دولة ورجال، والمجتمعات التي أنجبت قادة ومفكرين بحجم هؤلاء، يمكنها أن تنجب مثلهم وأقدر منهم في عصر العولمة وثورة المعلومات والاتصالات، لكأني بالرجل يريد أن يخرج من شرنقة “الجمود” أو “التحجر النصّي” الذي يهيمن عادة على الأحزاب العقائدية عامة، والدينية بخاصة.
وهو لفت بخاصة، إلى “مقاومة” الحركات الإيديولوجية، الدينية بخاصة، لرياح التغيير والتجديد والتحديث، وميلها للنظر بريبة واتهامية لكل الأصوات المجددة، وتفضيلها “إبقاء القديم على قدمه” … لكأنني سمعت مثل هذا الكلام من قبل، زمن سطوة الأحزاب اليسارية والقومية، التي أظهرت في حينه، ما تظهره الأحزاب الإسلامية اليوم، من نزعة مناهضة للتغيير والتحديث، مع أنها بخلاف الإسلاميين، لطالما فاخرت بأنها أحزاب “الديالكتيك المادي”، دع عنك “سطوة المقدس” في خطاب الحركات الدينية، وتعلقها “اليقيني- الغيبي” بالنصوص، التي قيل في وصفها بأنها رمادية، بينما شجرة الحياة مورقة ودائمة الاخضرار.
سينجح الفلاحات وصحبه في مسعاهم لتشكيل حزب جديد، سيما وأن القانون الجديد للأحزاب، يسّر عملية التشكيل والتأليف، لكن السؤال الأهم: هل سينجح القوم، في تقديم حزب بـ “قيمة مضافة” للخريطة السياسية – الحزبية الأردنية”؟ … هي سينجحون في تقديم خطاب جديد مغاير، قادر على استقطاب شريحة وازنة من الأردنيين؟ … أم أنهم سيضيفون رقماً جديداً إلى “كشف” الأحزاب السياسية المسجلة لدى وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية؟
ثم، كيف ستكون علاقة الحزب الجديد بالجماعة الأم، وبزملائهم من “تيار الحكماء” الذين ما زالوا في داخلها؟ … وكيف ستكون علاقتهم مع “زمزم” الذي يشتركون معه، التجربة ذاتها والمعاناة ذاتها، وتقريباً الخطاب ذاته، هل نتوقع أن يشرع الفريقان في إدارة حوار من أجل الوحدة والاندماج، أم أن الحزب السياسي، ما أن يترخص حتى يصبح كياناً قائماً بذاته، إلى ما شاء الله؟
هل يمكن أن يشكل الحزب الجديد، مع بعض الأحزاب المحافظة، ذات المرجعية الإسلامية، والمبشرة بفكرة الدولة المدنية و”الهوية الوطنية” والحزب البرامجي، غير العقائدي، والمواطنة المتساوية، نواة لتيار سياسي مدني محافظ، مقابل التيار المدني الديمقراطي (العلماني)، والتيار الديني المحافظ، والتيار العشائري المحافظ أيضاً؟
أسئلة وتساؤلات، مثيرة للاهتمام والمتابعة، في قادمات الأيام وما سيصاحبها من سجالات سياسية وفكرية وحزبية، أرى أنها صحية تماماً، وتعبر عن اقتراب التجربة الحزبية الأردنية من ولوج مرحلة جديدة، أكثر نضجاً وغنى.