-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

حرية الثقافة وثقافة الحرية علي حسين عبيد

من بداهة القول أن الأجواء المتحررة تحفز الإنسان على الإبداع كونها توفر له حرية الرأي والتفكير وتكفل له الوسائل المنتجة للثقافة الفاعلة، وهذا ما سيقود الى صناعة
مجتمع متطور تنطوي أنشطته العملية والفكرية على منظومات قابلة للتنامي في ظل تعاضد متواصل بين حرية الثقافة وثقافة الحرية. لهذا ستكون الحرية التي تؤسس لمنظومة ثقافية متطورة، عرضة للمصادرة والتدمير كونها المنتِج الأهم للمجتمع (المثقف) الواعي والقادر على انتزاع حقوقه في حالة تعرضها للتجاوز، وطالما أن الحرية هي المؤازر الأقوى لإنتاج الثقافة المتعافية وهذه بدورها ستكون المغذي الدائم لشيوع الأنماط المتحررة في الفكر والرأي والنشاط الحياتي عموما، فإن مثل هذه الحرية ستكون هدفا للمصادرة. وهنا يُطرح التساؤل التالي: من هو الذي يستهدف الحرية ولماذا؟ إن الحرية كما هو متفق عليه حق من حقوق الإنسان، ثبتته الأديان والسنن والقوانين الوضعية وغيرها كما نص على ذلك القانون العالمي المعروف لحقوق الإنسان، بيد أن الحرية في الغالب لا تُعطى بل تُنتزع، حيث الغريزة البشرية تدفع الإنسان للتسلط على الآخر بشتى السبل والوسائل، وأينما تضعف محددات هذه الغريزة المتسلطة يتضاءل دور الحرية، وبغياب الحرية أو ضعفها تتراجع الثقافة إلى مستويات أدنى ما يؤدي إلى نشوء مجتمع (غير مثقف) تسهل قيادته من لدن السياسي الفرد الذي ينطوي على نفس سلطوي شامل. 
وبهذا سنصل إلى أن الحرية غالبا ما تكون عرضة للمصادرة من لدن السياسيين (السلطويين) كونها تشكل عائقا أمام تحقيق أهدافهم المتمثلة بالاستحواذ على السلطة من خلال التجهيل المتعمَد للمجتمع وإضعافه لكي تسهل مهمة قيادته وفقا لمصالحهم ومنافعهم الفردية، وحين تكون الحرية هدفا للسياسيين فإن الثقافة بدورها ستكون الهدف المرادف، بمعنى أن جدلية العلاقة بين قطبيّ الثقافة والحرية ستملي على السياسي (المتسلط) استهداف الحرية التي ستقود بدورها إلى تهميش الثقافة وإقصائها وتعطيل دورها جوهريا واللجوء إلى تفعيلة القشور الثقافية التي لا تعدو كونها شكل فارغ من المحتوى الأصيل الفاعل. وهكذا نستطيع أن نفهم سبب استقتال السياسي (المريض) وبطانته من اجل الإبقاء على المجتمع غائصا في أوحال الجهل والتخلف والمرض، واستماتة السياسي (المعقَّد) وحاشيته لمصادرة الحريات أيا كان نوعها فردية كانت او جماعية، فسلب الحريات تعني بالضرورة إبعاد الثقافة وتحييد دورها وتجميد الوعي الجمعي ونشر المسار المستكين بين شرائح وأفراد المجتمع ودفعه إلى الانشغال بأمراضه والغوص في عوالم الخرافة وآفات الجهل كي يتسنى (للقادة المرضى) البقاء على قمم عروشهم من دون تهديد أو ضغوط، في حين ستنعكس الحالة تماما مع المجتمع المتحرر الذي سيكون مثقفا بالضرورة وسيكون قويا واعيا بالنتيجة. لهذا لن يكون من المستغرَب أن يؤدي تقويض الحرية الى نشر الجهالة التي ستُشكّل وتجوْهر الشعوب المتخلفة، ولهذا أيضا نرى ملامح الرعب التي يعيشها القادة الأحاديون حين تلوح بوادر الحرية في الأفق، فأينما وُجدت الحرية غاب الطغيان والعكس يصح تماما، وأينما توافرت الأجواء المتحررة نهضت الثقافة وتعاضدت مع الشعوب وفتحت لها آفاق الحياة على مصاريعها.
وهكذا تبدو جدلية الحرية والثقافة محركا دافعا لتطور المجتمعات وتشذيب السياسيين من أخطائهم، ولعلنا لا نأتي بجديد حين نطالب المعنيين (مفكرين ومصلحين ومثقفين وادباء وغيرهم) على الضرورة القصوى للمحافظة على الأجواء المتحررة التي نعيشها وأبعادها عن خطر السياسيين السلطويين، وذلك من خلال دعم الثقافة وتطوير مساراتها بما يدفعها لتعضيد الأجواء المتحررة التي تتيح لنا طرح افكارنا ورؤانا وبرامجنا النظرية والتطبيقية وفقا للمصلحة العامة، وبعيدا عن الهيمنة الفردية للقائد او السياسي الذي لا يعدوا كونه موظفا تنفيذيا يتقاضى راتبا محددا عن اتعابه لا أكثر.

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا