-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

الإسلاميون والسلطة : د . هالة مصطفى

الديقراطية كما نعرفها الآن هي نتاج للخبرة الغربية فكرا وممارسة ارتبطت بتحقيق درجة عالية من التحديث والتقدم الاقتصادي ونضال مدني طويل من اجل تكريس قيم
الحرية والتنوير والعقلانية حتي أصبح التنوع والتعددية والتعايش السلمي بين مختلف الاتجاهات والتيارات والتوافق علي العناصر المشتركة التي تقوم عليها الدولة القومية الحديثة جزءا اصيلا من الثقافة العامة للمجتمعات الأوروبية.
لذلك جاء انتصار الديمقراطية كنظام تتويجا لهذا النضال و الثقافة التي رسخها, أي أن مباديء وقيم الديمقراطية كانت سابقة و ليست لاحقة علي اجراءاتها ووسائلها من انتخابات و تداول سلمي للسلطة وتنظيم للسلطات الثلاث وغيرها, ومن ثم كانت الثورات الديمقراطية في التاريخ الغربي هي ثورات في الأفكار قبل أن تتحول الي ثورات جماهيرية. ولا يعني ذلك ان التاريخ العربي الاسلامي قديمه وحديثه- كان بعيدا تماما عما يعرف بالثورات الفكرية, فقد شهدت الساحة الثقافية العديد من المدارس الفكرية سواء الليبرالية أو اليسارية أو الاسلامية التي قدمت مساهمات رائدة و قيمة- كل في مجاله- لتطوير البيئة التقليدية و المضي بها نحو ثقافة عصرية أكثر استيعابا للحضارة الحديثة والتي تعد الديمقراطية جزءا لا يتجزأ منها. ولكن بقيت اغلب هذه المساهمات إما غير مكتملة او مجهضة, كما اخفقت محاولات التحديث لتدخل المجتمعات العربية في مراحل الجمود والاستبداد السياسي حتي جاءت ثورات الربيع العربي لتعيد إحياء حلم الديمقراطية الضائع ولكن دون مرتكزات فكرية.
فالليبرالية بمبادئها المعروفة عن الحرية والديمقراطية تم تشويهها عمدا وربطها بالتغريب حتي تأمن السلطة من افكارها, وتراجع اليسار بعد هزيمة الاتحاد السوفيتي, وتحولت المدارس الفكرية الاسلامية الاصلاحية الي حركات سياسية و تنظيمات انتصرت للسياسة علي حساب التجديد الفكري الذي ساد منذ اوائل القرن التاسع عشر وحتي منتصف العشرينيات من القرن الماضي. مع وصول احد اهم الحركات السياسية الاسلامية الي الحكم( ممثلة في جماعة الاخوان المسلمين) تزداد التحديات المفروضة أمام هذا التحول, صحيح أن الجماعة صمدت أمام أزمات وصعوبات كثيرة منذ نشأتها في1928 وحتي انهيار نظام مبارك, الا أن وجودها في طليعة القوي المعارضة لعقود طويلة دفع عنها مخاطر الوجود في السلطة, التي تضع من يعتليها تحت مجهر كاشف يستوجب المحاسبة والمساءلة وفق الأداء والانجاز وايضا مدي التزامه بقواعد الديمقراطية وقيمها وليس فقط وسائلها وآلياتها, وهو مايعد المأزق الحقيقي الذي تواجهه الآن, فالحركة الاسلامية عموما استفادت من فشل عملية التحديث, ومن تراجع المدارس الفكرية الأخري, وأيضا من بيئة وثقافة تقليدية ظلت مهيمنة علي المجتمع الذي وجد في الشعارات الدينية بديلا عما يعانيه من قهر وظلم وفقر. ولكن الوضع اختلف الآن, فالمجتمع من ناحيته بات يتطلع للحرية والعدل والديمقراطية و الجماعة من ناحيتها بدأت مرحلة التمكين فصدامها المتكرر مع السلطة خلف هواجس امنية وانعدام للثقة في أجهزة الدولة وصراع كامن مع القوي والتيارات السياسية الأخري كان طبيعيا ان يطفو علي السطح الآن ويدخل الجماعة في صراعات متشعبة قد لاتحسم قريبا, لأن القضية لم تعد مجرد قضية التحول الديمقراطي وانما باتت تتعلق بتدعيم السلطة والتمكن منها.
 فقد نجح الاخوان في تقديم انفسهم كبديل للسلطة القديمة وفي اقامة حزب سياسي وفي الاحتكام الي صناديق الانتخابات و لكنهم يواجهون مشكلات أخري ربما لم يحسبوا لها حسابا لأنها تدخل في اطار منظومتهم الايديولوجية التي لم تشهد تطويرا مماثلا لحركتهم السياسية. فرغم حديثهم المبكر عن الالتزام بقواعد الدولة المدنية والمواطنة وما تقتضيه من ضمان للحريات المدنية العامة منها والفردية, إلا أن الأمور صارت علي عكس ما أعلنوه, فشعارات مثل الشرعية والشريعة, واعتماد مرجعية دينية في اكثر من نص من نصوص الدستور المقر مؤخرا, واستمرار استخدام المساجد كمنابر سياسية وغيرها من المظاهر التي تبتعد عن قواعد الدولة المدنية الحديثة وتفتح الباب لتأسيس دولة ثيوقراطية أي توظف الدين سياسيا وتحوله الي سلطة تستبد وتعصف بالحريات لابد وأن تزيد من عوامل عدم الاستقرار.
إذن السعي الي تدعيم السلطة وإعادة انتاج هوية الدولة بات العنوان الأبرز في هذه المرحلة وهو ما دعا البعض الي الاعتقاد بان مصر تتجه نحو النموذج الايراني بنظام حرسه الثوري بل وعقدت مقارنات بين ما يعرف بنظام ولاية الفقيه وما سمي بـ ولاية المرشد وبغض النظر عن هذا الجدل الدائر, فان ما يهم التأكيد عليه هو ما بات يثيره المشروع السياسي الاسلامي في الحكم من مخاوف, فهو لم يعد مثل تركيا ولا مثل ماليزيا التي تعد من أبرز النماذج الاسلامية الناجحة وهو نموذج ينسب الي تجربة مهاتير محمد رئيس وزرائها(1981-2003) والتي حولت ماليزيا من أفقر دول العالم الي واحدة من أبرز الدول النامية والصناعية الصاعدة, فمشروعه لم يكن مشروعا ايديولوجيا اسلاميا بالمعني المغلق أو التقليدي الذي يدخل البلاد في صراعات عقيمة حول الديني والعلماني, و المذهبي, والطائفي المعروفة عموما بصراعات الهوية علي الرغم من ان التركيبة السكانية لماليزيا تزخر بمختلف الأعراق والقوميات والديانات حيث يشكل المسلمون الغالبية( حوالي60%) الي جانب المسيحيين والبوذيين والهندوس, ومع ذلك نجحت في وضع دستور توافقي يحترم المرجعيات المختلفة دون نفي احداها للأخري أو محاولة فرض مرجعية ايديولوجية أحادية. وبتجاوز مثل هذه الصراعات استطاعت ماليزيا أن تتبني مشروعها للنهوض السياسي و الاقتصادي وتضمن ثقافة تعددية تقوم علي التنوع والتسامح وتحتفظ أيضا بكونها نموذجا لتجربة اسلامية ناجحة.
 ان هذا يعني ان اخضاع الايديولوجية لمتطلبات الديمقراطية والحرية والتنمية ليس مستحيلا, ولكنه ما زال غائبا عن الحالة المصرية الآن

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا