قد لايختلف اختطاف الصحفية افراح شوقي عن اختطاف العديد من الصحفيين حول العالم ، ومنه العراق . لكن القضية ليست هنا !
الخطير في العراق اليوم ، وفي قضية افراح شوقي هو غياب هذا الضمير الذي كانت تمثله افراح لصالح شيء اسمه الفوضى . ولعل السؤال الأهم الذي يمكن ان نوجهه لرئيس الوزراء ، علام يموت في هذه اللحظات شباب العراق في معركة نينوى ؟! والجواب واضح : تحرير نينوى وبقية العراق من تنظيم ارهابي مجرم اسمه داعش عاث في الارض فساداً ، وكل شرعيته انه يمتلك سلاحاً وفكراً ظلامياً يريد فرضه على الناس بقوة هذا السلاح ..
في وسط بغداد لم تستطع تأمين صحفية كتبت راياً ، كما لم نستطع حماية صحفية شهيدة قامت داعش بقتلها لانها قالت راياً مخالفاً . عذرك في الحالة الاخيرة انك لاتمتلك سلطة لان داعش هي صاحبة السلطة هناك ، فما العذر في قضية افراح شوقي ؟!
اذا كنّا عاجزين عن حماية مواطنة ، ناهيك عن كونها صحفية تهتم بالشان العام ، فما ضرورة الدولة ؟!
بعد احتلال بغداد عام ٢٠٠٣ خلت الشوارع من السلطة ومن الدولة ومن الشرطة ومن اي شكل من أشكال القهر السلطوي الشرعي وغير الشرعي ؛ ولم تكن المليشيات قد ظهرت بعد .. قامت احدى الجامعات الپولونية حسبما اذكر بإيفاد عدد من الباحثين الى العراق لدراسة الحالة والاجابة عن سؤال حيّرهم : كيف يسيّر الناس احوالهم من دون سلطة ؟! كانت القوات الامريكية نادرة الظهور في الشوارع باستثناء بعض الدوريات السريعة التي سرعان ماكانت تختفي من الشوارع ، لكن الحياة كانت تسير وكان الناس يتعاملون فيما بينهم بالحسنى باستثناء بعض الاساءات الفردية التي سرعان ما كان الناس ينبرون لمعالجتها ووادها في مهدها ، لان روح القانون وحياة التمدن كانت ماتزال حية .. سار الحال على ذلك حتى الإعلان عن تشكيل سلطة الائتلاف المؤقتة .. منذ تلك اللحظة بدات المشاكل واهمها قضية آمن الناس وبدء غياب هيبة القانون ؛ ليس باعتباره قهراً يتم فرضه على الناس ، بل لانه قيمة حضرية يدرك الناس ان أمنهم فيه .
قضية افراح ليست قضية اختطاف إنسان بل قضية اختطاف ضمير التمدن الذي يؤشر الخطأ ويقرع الناقوس عند ظهور الخطر ، خطر التسيب الذي اصبح عنوان الحياة في البلد الذي شهد ولادة اعظم اكتشاف في تاريخ البشرية وهو حياة التمدن قبل اكثر من سبعة آلاف سنة ، واهم عناوين حياة التمدن هو القانون وفرض الجزاء على من يخرق القانون .
اختطاف افراح مؤشر على ان البلد على مفترق طريق ونقطة اللاعودة في ان يعود الى واقعه كدولة او ان يستحيل الى هيئة من العصابات المارقة . سمِّوها ما شئتم ، الفيصل بينها وبين الدولة هو الضمير الذي مثلته افراح .