صدر للدكتور محمد الداهي مؤخرا، كتاب
بعنوان القلق البيداغوجي (المدخل الثقافي للنهوض بالمدرسة المغربية) (منشورات فكر،
258 ص)، وهو الكتاب الذي «ينطلق
من حالة القلق التي تنتاب المدرس قبل الدرس وبعده،
حرصا على أداء الواجب الوطني المهني بالفاعلية المطلوبة واستجلاب المردودية
المنشودة، كما حددها الداهي في غلاف الكتاب، مشيرا عينة من المداخل الممكنة، ومنها
المدخل الثقافي المدخل الثقافي لملاءمته في تحسين الخدمات التربوية وتعزيز المناهج
بالمعارف والمهارات المناسبة والحرص على جودة التكوينين الأساس والمستمر، وتقليص
فوارق التحصيل بين المتعلمين، وحفزهم على قراءة مختلف الدعامات المكتوبة والسمعية
–البصرية بطريقة منهجية وتيسير اندماجهم السوسيوثقافي. وفي هذا الصدد،
شدد الراحل عبد الله الأشقر (مدير مركز المفتشين سابقا) على المدخل الثقافي للكتاب
منوها بإبعاده ومغازيه "حاول المؤلف أن يكون شموليا ما أمكن. وأبان عن قدرة
متميزة للإحاطة ببعض القضايا التي تهم تدريسية اللغة العربية(...) أن يزاوج بإتقان
بين التنظير والتطبيق، وأن يجسد قلقه ( وهو قلق مشروع) البيداغوجي بأسئلة ثقافية..
وبذلك يكون قد فتح نافذة من نوافذ الإصلاح التربوي.. وهي النافذة الثقافية
التي تراهن على تفادي "المقاربة التقنوية" واستحضار البعد الثقافي
والمعرفي في تطوير المناهج التعليمية، وتحسين مؤهلات المتعلم، وصقل مواهبه، وتطوير
قدراته، وتنمية شخصيته".
الكتاب بمراهنته على دور المجال
الثقافي بالمنظومة التربوية ببلادنا – يكتب الباحث ابراهيم الباعمراني - يساهم في تدعيم مؤهلات المتعلم
وجعله مواطنا فاعلا ومؤثرا في محيطه الاجتماعي والثقافي ,كما أن تنوع مواضيعه
وإحاطته بقضايا أدبية وتربوية يجعله سندا للفاعل التربوي الممارس في سياق يعرف
حركية إصلاحية تجددية للمنظومة التربوية .وبدون شك ستتعزز به الساحة التربوية خاصة
وأن مؤلفه د. محمد الداهي له خبرة في مجال التدريس وأبان من خلال مؤلفاته الأدبية
والنقدية والتربوية والعلمية ومساهمته في التأليف المدرسي على سعة اطلاعه
واستيعابه للوضعيات التعليمية ذات الصلة بمنهاج اللغة العربية. وفي السياق نفسه
بين د. سعيد يقطين ملاءمة الكتاب بالنظر إلى المنظور الذي اختاره د. محمد الداهي
لمد الجسور بين المدرسة ومحيطها الثقافي، وتنمية الكفاية الثقافية للمتعلمين
والطلبة حتى يسايروا الوتيرة السريعة للمعرفة، ويندمجوا في مجتمع المعرفة . وبين
الراحل أحمد فرشوخ في الكلمة التي كتبها قبل وفاته أن الكتاب يمثل مساهمة ملموسة
في الحقلين البيداغوجي والعلمي لتجريب مختلف المداخل الممكنة للنهوض بالمدرسة
المغربية، ويجسد أيضا مطمح صاحبه، بحكم تجربته ومراسه، للتفكير في صيغ لتعزيز
العمل الجماعي ( الفريق التربوي) سعيا إلى إعداد مشاريع بيداغوجية خاصة بالمؤسسة
وبالمادة وبالمتعلم، وتقويم المردودية والحصيلة لتدارك مكامن الخلل والقصور.
. يوضح الكاتب دواعي تأليف الكتاب بما يلي: «أن المدرسين جلهم يعيشون
قلقا مضاعفا بالنظر إلى الظروف التي يشتغلون فيها وإن كانت كل المشاريع الإصلاحية
ترهص بحل هذه المشاكل فإنها مع مرور الوقت لم نزدد إلا تفاقما واستفحالا. أضحى
هذا القلق ملازما لهم قبل الدرس وأثناءه وبعده تطلعا إلى تحسين المستوى التعليمي
العام .لم يصب معظمهم بالإحباط وإنما حضهم على مضاعفة الجهود لو توافرت الشروط
المناسبة لو..لو.. قد تستهوينا مثل هذه العبارات المصدرة بحرف امتناع لامتناع . لكن ما نتحسر عليه هو مرور الوقت دون أن يتحقق الرهان الأساس الذي
«يتمثل في تمكين المدرسة من الاضطلاع الأمثل بمختلف وظائفها في تكامل وتعاضد» وهو
ما يزيد من قلقنا كمدرسين .إنه قلق مشروع يحفز على العمل الدؤوب وتذليل المصاعب
والمعوقات والبحث عن أنجع السيناريوهات للرقي بالعلاقات التربوية والممارسات
التعليمية الى المستوى المنشود.