-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

منع رواية “جريمة في رام الله” للكاتب الفلسطيني عبّاد يحيى

أثار قرار النائب العام الفلسطيني منع رواية “جريمة في رام الله” للكاتب الفلسطيني عبّاد يحيى، وتوقيف موزعها فؤاد العكليك من مكتبة دار الرعاة في رام الله ردود فعل كثيرة، تناول أغلبها الجانب الثقافي، لكن السطور التالية تتناول الجانب القانوني في الموضوع.
تعتبر حرية الرأي والتعبير إرثا إنسانيا، كما أن الرقابة عليها ظاهرة عالمية أيضا. هما ظاهرتان متضادتان، لكل منهما أهدافها، وحججها ومن يدافع عنها. لكن، إلى أي حد يمكن أن تصل حرية التعبير (وسائل الإعلام هي مكبرات الصوت لها)، وعند أي حد يجب أن تتوقف؟ هذه هي المعضلة من فلسطين حتى الولايات المتحدة!
وقبل الدخول في الأساس (من ناحية قانونية)، فإن قرار مصادرة رواية وتوقيف الكاتب والموزّع يعطي إشارة سلبية للمجتمعات الدولية أن الفلسطينيين لا يحترمون المعايير الدولية لحرية الرأي والتعبير. ولهذا من المبكّر أن يستحقوا أن تكون لهم دولة كاملة السيادة. ومن ناحية قانونية، فإن قرار النائب العام مصادرة الرواية ليس نهائياً، فالقرار النهائي للمحكمة المختصة التي قد تحكم بالسماح بتوزيع الرواية، وذلك بحسب المواد المتعلقة بالموضوع في قانون المطبوعات الفلسطيني.
قانون المطبوعات الفلسطيني
وقد لا يعرف كثيرون أن أول قرار أصدره المرحوم ياسر عرفات قبيل دخوله أريحا، كان القرار رقم (1) لسنة 1994، والذي جرى نشره في الجريدة الرسمية “الوقائع الفلسطينية”، وفيما يلي نصه:
رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، بناء على قرار اللجنة التنفيذية وبناءً على الصلاحيات المخوّلة له. يقرّر ما يلي:-
مادة 1: يستمر العمل بالقوانين والأنظمة والأوامر التي كانت سارية المفعول قبل تاريخ  5/6/1967 في الأراضي الفلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة) حتى يتم توحيدها.
ولهذا السبب، يتم تطبيق قانون العقوبات الأردني، كما كان نصه قبل حرب يونيو/ حزيران 1967، أما التعديلات التي أُجريت على القانون الأردني فلا يتم تطبيقها في الضفة الغربية. وفي غزة، يتم تطبيق قانون العقوبات الفلسطيني (قانون الانتداب البريطاني) لعام 1936، وهو بالمناسبة أكثر حمايةً للحريات العامة من نظيره الأردني. وهذا مجرد مثال واحد على فوضى القواعد القانونية في فلسطين، وثنائية الضفة وغزة وحركتي فتح وحماس!
ومن القوانين المبكّرة التي أصدرها عرفات بمرسوم قانون المطبوعات الفلسطيني لعام 1995، وهو نسخة طبق الأصل عن قانون المطبوعات اليمني (وليس الأردني كما يعتقد كثيرون خطأ). ومع أن القانون اليمني لا يتضمّن عقوبات سالبة للحرية، إلا أن القانون الفلسطيني أضاف عقوبة الحبس للقانون.
وبالعودة إلى السبب الرئيسي الذي استند إليه النائب العام في الضفة الغربية بمصادرة رواية “جريمة في رام الله” للكاتب الفلسطيني عبّاد يحيى، وتوقيف موزعها. تنص المادة 19من القانون الأساسي الفلسطيني (الدستور): لا مساس بحرية الرأي، ولكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غير ذلك من وسائل التعبير أو الفن مع مراعاة أحكام القانون. كما تنص المادة 27
1- تأسيس الصحف وسائر وسائل الإعلام حق للجميع يكفله هذا القانون الأساسي وتخضع مصادر تمويلها لرقابة القانون.
2- حرية وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة وحرية الطباعة والنشر والتوزيع والبث، وحرية العاملين فيها، مكفولة وفقا لهذا القانون الأساسي والقوانين ذات العلاقة.
3- تحظر الرقابة على وسائل الإعلام، ولا يجوز إنذارها أو وقفها أو مصادرتها أو إلغاؤها أو فرض قيود عليها إلا وفقا للقانون وبموجب حكم قضائي.
وتوضح المادة السابقة أن مصادرة الرواية، على فرض مخالفتها القانون، لا تكون إلا وبموجب حكم قضائي. أي حُكم من المحكمة المختصة، وليس بقرار من النائب العام.
وتنص المادة 7 من قانون المطبوعات الفلسطيني:
أ‌- على المطبوعات أن تمتنع عن نشر ما يتعارض مع مبادئ الحرية والمسؤولية الوطنية وحقوق الإنسان واحترام الحقيقة، وأن تعتبر حرية الفكر والرأي والتعبير والاطلاع حقاً للمواطنين، كما هي حق لها.
ب- يجب أن لا تتضمن المطبوعات الدورية الموجهة إلى الأطفال والمراهقين أية صور أو قصص أو أخبار تخلّ بالأخلاق والقيم والتقاليد الفلسطينية.
وتنص المادة 1 من القانون يكون للكلمات والعبارات التالية حيثما وردت في هذا القانون المعاني المخصصة لها أدناه ما لم تدل القرينة على غير ذلك… المطبوعة: كل وسيلة نشر دونت فيها الكلمات أو الأشكال بالحروف أو الصور أو الرسوم أو بالضغط أو الحفر. المطبوعة الدورية: المطبوعة الصحافية والمتخصصة بكل أنواعها، والتي تصدر على فترات منتظمة.
وتنص المادة 37 من القانون نفسه: أ- يحظر على المطبوعة أن تنشر ما يلي: الأخبار والتقارير والرسائل والمقالات والصور المنافية للأخلاق والآداب العامة.
المادة 42: أ- تقوم المحكمة المختصة بالنظر في جميع المخالفات التي ترتكب خلافاً لأحكام هذا القانون، ويتولى النائب العام التحقيق فيها، وذلك وفقاً للصلاحيات والإجراءات المنصوص عليها في القوانين الجزائية المعمول بها.
ب- تقام دعوى الحق العام في جرائم المطبوعات الدورية المنصوص عليها في هذا القانون على رئيس التحرير المسؤول للمطبوعة، وعلى كاتب المقال، كفاعلين أصليين، ويكون مالك المطبوعة الصحافية مسؤولاً بالتضامن معهما عن الحقوق الشخصية الناجمة عن تلك الجرائم، وفي نفقات المحاكمة، ولا يترتب عليه أي مسؤولية جزائية، إلا إذا ثبت اشتراكه أو تدخله الفعلي في الجريمة.
ج- تقام دعوى الحق العام في جرائم المطبوعات غير الدورية المنصوص عليها في هذا القانون على مؤلفها، كفاعل أصلي، وعلى ناشرها كشريك له، وإذا لم يكن مؤلف المطبوعة أو الناشر معروفاً فيلاحق مالك المطبعة.
د- يعتبر أصحاب المطابع والمكتبات ودور النشر والتوزيع مسؤولين بالتضامن عن الحقوق الشخصية ونفقات المحاكمة التي يحكم بها على مستخدميهم في قضايا المطبوعات التي تنطبق عليها أحكام هذا القانون.
المادة 47: كل من يخالف أحكام المادة 37 من هذا القانون، بالإضافة إلى أية عقوبة أخرى منصوص عليها، يجوز للسلطة المختصة بقرار إداري ضبط ومصادرة جميع نسخ المطبوعة الصادرة في ذلك اليوم، وللمحكمة أن تأمر بتعطيل صدور المطبوعة تعطيلاً مؤقتاً، ولمدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر.
قانون الطفل الفلسطيني.. والآداب العامة
يتبين هنا أن المحظورات المنصوص عليها في القانون جاءت استثناءً على أصل الحق، ولا يجوز التوسع فيها، ويجب تفسير الآداب العامة “ضمن أضيق الحدود”. أما ما قيل إن الرواية تخالف قانون الطفل الفلسطيني رقم 7 لسنة 2004، فلا يوجد في القانون نصٌّ يتيح مصادرة الرواية موضوع المقال بقرار من النائب العام أو غيره، فتنص المادة 33 من القانون
  1. للطفل الحق في طلب جميع أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها وإذاعتها بما لا يتعارض مع النظام العام والآداب العامة.
كما تنص المادة 36: يحظر نشر أو عرض أو تداول أو حيازة أية مصنفات مطبوعة أو مرئية أو مسموعة تخاطب غرائز الطفل الدنيا، أو تزيّن له السلوكيات المخالفة للنظام العام والآداب العامة، أو يكون من شأنها تشجيعه على الانحراف.
وفي ضوء المواد السابقة، يتبين أنه لا يجوز، ابتداءً، توقيف الكاتب، ولا موزع الرواية، لأنها مطبوع غير دوري. أما المصادرة فمحل المخاطب بها هو المطبوعة الدورية (أي الصحيفة) وليس غير الدورية (الكتاب الرواية).
وبالعودة إلى مفهوم الأخلاق والآداب العامة، من المسلم به، فقهاً وقضاءً، أن حرية التعبير، ومنها حرية الصحافة والتعبير الفني، (كالكتابة القصصية والروائية والشعر) حرية مطلقة، إنما يجوز فرض تقييدات عليها حماية للآداب العامة. وإن كان لا يوجد تعريف جامع مانع للآداب العامة إلا أنه من المتفق عليه، فقهاً وقضاء، أن الآداب العامة تتغير في المكان والزمان. لكن، يبقى لكل مجتمع آدابه وفضائله التي يحرص على حمايتها حماية للمجتمع ككل.
ويقول القاضي الكويتي، الدكتور أحمـد عبدالله المقلد: “مع أن المشرع لم يعرف ماهية الآداب العامة، بل اكتفى بالنص على معاقبة كل من نشر (أو أجاز نشر) ما من شأنه المساس بها من دون أن يضع حصراً لذلك، ومن ثم يُناط بقاضي الموضوع تفسير المقصود بعبارة الآداب العامة، مستهدياً بالأعراف السائدة في المجتمع، وهي أعراف، بطبيعة الحال، لا تبقى ثابتةً على الدوام، وإنما تتغير من زمن إلى آخر، والعبرة في ذلك هي بالنظر إلى أفراد المجتمع، وليس بالنظر إلى ما يسود لدى فئةٍ قليلةٍ متزمتة، تبالغ في تصويرها فكرة الآداب العامة، أو لدى فئة قليلة منحرفة تسرف وإتيان المنكر والمستهجن من الأفعال”. (انظر: ورقة العمل المقدمة من القاضي الدكتور أحمـد عبدالله المقلد بشأن اجتماع الخبراء حول الأحكام القضائية الخاصة بحرية الراي والتعبير والحض علي الكراهية المنعقدة في بيروت بتاريخ 2-3 ديسمبر/ كانون الأول لعام 20155).
وبما أن وزن البيّنة يعود إلى قاضي الموضوع، فليس للادعاء العام صلاحية وزن البيّنة وإصدار قرار العقاب، لأن ذلك من صلاحيات قاضي الدعوى الذي لا يحكم بمعرفته وتعريفه الشخصي للآداب العامة، إنما يستمع للخبراء والشهود من أوسط الناس، وليس “المتزمتين”، ثم ينظر إلى أيهما كانت الغلبة في نفس الكاتب؛ خدش الآداب العامة أم تحقيق مصلحة عامة، وما هو مدى صراحة الإسنادات الخادشة للآداب العامة. ولا يجوز أخذ كلمة من هنا وجملة من هناك لإلصاق مخالفة الآداب العامة بكاتب الرواية، فالمقال يؤخذ ككل وليس مجتزأً. وانتهج القضاء، في تفسيره المقالات، بالأسلوب المجمل للمقال، من دون الوقوف على جزيئاته، فالمقال كل لا يتجزأ في منظور القضاء، ولا يجوز تفسير سوء نية الناقد بالاستناد إلى بعض الجمل دون كل المقال، فالمقال يفسر في مجمله.
وهذه الأعمال القضائية هي من صلاحيات القاضي، وليست من صلاحيات النيابة العامة.
معايير دولية
وتجيز المعايير الدولية فرض تقييدات على التعبير، إذا كان موجهاً للأطفال وفي أماكن معينة. ومثالاً على ذلك، أيدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حظر معرض تصوير حول العري، بسبب أن المعرض أُقيم مقابل مدرسة للأطفال، ولم يتم منع الأطفال من دخول المعرض.
ويلاحظ أن القضاء يتسامح إلى قدر ما مع “التعبير الفني” Artistic expression، إذا كان أفراد الجمهور المستهدف بالغين، أما إذا كانت القصص مثلاً موجهة للأطفال والمراهقين، فيكون التسامح أقلّ، بل وقد يتم التشدّد هنا بسبب الخلل الذي قد تتركه مثل هذه القصص في نفوس القراء الصغار، ممن قد تقع القصة أو المجلة بين أيديهم، وخصوصاً المراهقين.
هدف العقاب على “خدش الآداب العامة” حماية الجمهور من كل اعتداء يقع عليه عن طريق العلانية.
أضف إلى ذلك أن فلسطين انضمت إلى العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (ضمن انضمامها إلى 14 اتفاقية دولية عام 2014). وتنص المادة 191من العهد
1- لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة.
2- لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين، دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع، أو في قالب فني، أو بأية وسيلة أخرى يختارها.
3- تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسؤوليات خاصة. وعلى ذلك، يجوز إخضاعها لبعض القيود، ولكن شريطة أن تكون محدّدة بنص القانون، وأن تكون ضرورية:
أ/ لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، ب/ لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
وتتيح الفقرة الثالثة إخضاع حرية التعبير لحماية الآداب العامة، لكن بشروط محدّدة، ولا تجيز فرض قيودٍ، إلا إذا كانت تخضع لهذه الشروط: فيجب أن تكون “محدّدة بنص القانون”، وألا تُفرَض إلا لأحد الأسباب الواردة في الفقرتين أ وب من الفقرة 3؛ وأن تكون متلائمة مع اختبارات صارمة تتعلق بالضرورة والتناسب..لا في القانون الذي يحدّد إطار القيود وحده، بل أيضًا في تطبيقه من جانب السلطات الإدارية والقضائية”.
ويعتبر التعليق العام رقم 34 General comment. أطول تعليق عام للجنة حقوق الإنسان المعنية بالرقابة على تطبيق العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. وصدر التعليق العام رقم 34 في الجلسة 102 للجنة حقوق الإنسان المنعقدة في الفترة 11-29/7/2011 في جنيف ليحل محل التعليق العام السابق رقم 10.
وصدر هذا التعليق، بعد ثلاثة لقاءات إقليمية لخبراء عقدت في أوروبا وأميركا اللاتينية وآسيا؛ حيث شارك كاتب هذه المطالعة في لقاء عقدته المفوضية السامية لحقوق الإنسان في تايلاند، وقدمت فيها مداخلة عن كيفية تحقيق التوازن بين المادتين 19 عن حرية التعبير و20 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية عن حظر أية دعوة للكراهية القومية والعنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف. وصاغ مسودة التعليق البروفيسور مايكل أفلاهيرتي في المفوضية السامية لحقوق الإنسان الذي كان رئيسا لمركز قانون حقوق الإنسان في جامعة نوتنغهام البريطانية (حفيد الكاتب الساخر الإيرلندي والشاعر أوسكار وايلد). وجاء في التعليق أن “حرية الرأي وحرية التعبير شرطان لا غنى عنهما لتحقيق النمو الكامل للفرد، وهما عنصران أساسيان من عناصر أي مجتمع. ويشكلان حجر الزاوية لكل مجتمعٍ تسوده الحرية والديمقراطية. وترتبط حرية الرأي ارتباطًا وثيقًا باعتبار أن حرية التعبير تتيح الأداة لتبادل الآراء وتطويرها”.
إضافة إلى كل ما سبق، في ظل ثورة تكنولوجيا الإعلام، لم تعد سياسة الحجب مجدية، وكما قال الروائي عبد الرحمن منيف إن منع كتاب هو أفضل دعاية له. والنقّاد هم أفضل من يقيِّمون الرواية، أو أي عمل أدبي. وفي التعديلات المقترحة على قانون المطبوعات الفلسطيني التي قدمها مركز تطوير الإعلام في جامعة بير زيت (وساهم كاتب المقال فيها) جرى اقتراح نقل ما يتعلق بالكتب إلى وزارة الثقافة، لأنها الأقدر على تقدير الموقف من غيرها.
هذا المحتوى نقلا عن موقع: العربي الجديد

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا