مما يلفت نظري في العلاقات الاجتماعية طريقة الإفصاح عن الملاحظات العابرة، وتقييم الناس لبعضهم سطحيا في ظواهر تختلف إختلافا جذريا في المجتمعات العربية
عن أي مكان متحضر، وتمثل عسرة في طريق التواصل والتفاهم والمشاركة علي المستوي العمل والحياة.. فقد تربي وإحاط بالكثير سلوكيات الإنتقاد اللاذع والمستمر، وإظهار العيوب، وحسد الميزات، وتجريح الأخر.
فطوال الوقت ننظر خارجنا نبحث عن مزحة وسخرية، وقد نحمل نحن نفس المفارقة، ولكن لا نري ذلك طوال الوقت، وقد يتطور فننقد الأخر ولا نتقبل النقد. نعيق حركة الأخرين ويعوقوا حركتنا .. وفي صورة مكملة أري البعض يفضل التجاهل فعندما نكره الإنتقاد والنقد اللاذع أو نعاني منه بشده. تتوقف ملاحظاتنا تماما فلم نعد نري، أو نري ولا نتكلم، أو نسمع ولا نردد، فلا نريد أن ينتقدنا أحد، ونبادر بعدم نقده، والإمتناع نهائيا عن إبداء أي ملاحظة من أي نوع. فينقطع جزء كبير من التواصل.
أما المجتمعات الأفضل حالا فتلاحظ المجاملات البسيطة وكلمات الإعجاب جزء لا يتجزء من ثقافتهم. تقع في توازن ومنطقية وتطفي جوا من البهجة في التواصل وروح طيبة في العمل، وفي توقف تام عن سرد العيوب، أو تفنيد الإنبهار، وعمومية تحمل مضمون لطيف، وتجد كل شخص يسعي لتحسين مظهره، ويحافظ علي تناسقه مع المناسبة والمكان كلاما وزيا دون إستفزاز ولا إستهتار. فمراعاة مشاعر الأخرين أمر هام، وثقافة الإعتذار محببة، فلا أحد يتعدي علي حرية الأخر في إطار من الذوق العام.
حديثي منصب عن التعارف السطحي أما العلاقات الاجتماعية التي مفترض أنها تتسم بالود، والتفاهم، والترابط، فإن دخل تصيد الأخطاء، والرصد، والمراقبة، وإستخدامهم للتجريح، فهذا مؤشر علي بداية ضياع التفاهم، والتشارك، وأخيرا الإحترام .. ولكن يبقي النقد برقيه ووعيه أداة مهمة في العلاقات القريبة خاصة، وفي الشأن العام ايضا، فنحن نحتاج له موقظ ومنبه الغفلة، والإنشغال، والإهمال، ولكن يجب ان يكون بحذر خصوصا لمن لم يتربوا عليه.
أما عن الشخصيات العامة فذلك حديث أخر عن بعض صور الصحافة والإعلام والفنون التمثيلية الملوثة. عن صناعة النجوم والسبق، والمبالغة والتضخيم ان أرادوا إستحسانا، والإنحطاط والفضائح إن أرادوا إساءة. وذلك يجب أن يكون نسبة في المجمل، فمحصلتها أبعد ما تكون عن الرقي والحرية وتضلل وتحط من السلوك الجمعي تقليدا ومحاكاة و رغبة في سيادة لنمط مبتذل. ولا يخفي علي أحد تأثير الاعلام والفن في حياة الشعوب.
وأعود لمجتمعاتنا التي نري فيها المجاملة مبالغ فيها، وتصل لدرجة النفاق المجتمعي، وخصوصا لو كان الغرض منها تمرير مصالح، أو إنتهازية، وتسلق لسلطة ما.. في حين أن التقدير لمستحقيه يغيب عنا نبخس حقهم، ومكانتهم فيصعب علينا الوصول للنخبة الحقيقية، والمثل الأعلي.
التصيد.. التجريح.. الإهمال.. التجاهل.. التسلق.. غياب التقدير.. كلها سلوكيات مرفوضة، ولا تعبر عن مجتمع صحي. تحتاج أن نعي أبعادها، ونقاومها إجتماعيا ونفسيا، لنتخلص من خوف غير مبرر، وشك في غير موضعه، وثقة هشة، وتجبر، وغرور اعمي.. كل ذلك من تأثير ملاحظات تقال بطريقة غير مناسبة. تغير النفوس فلا تعود كما كانت قبلها..
وتبقي المجاملة والتقدير ثقافة خاصة بالإنسان المتزن وبالشعوب والمجتمعات الراقية والمتحضرة ..