-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

من المطبعة إلى الواتساب.. هل يعيد التاريخ نفسه؟ أحمد ابن الصديق

بعد بضعة شهور من اليوم، وبالضبط يوم 31 أكتوبر 2017 ستحل ذكرى مرور خمسمائة عام على حدث غير وجه التاريخ وهو انطلاق حركة الإصلاح الديني في
أوروبا التي أشعل شرارتها الراهب المسيحي الألماني مارتن لوثر والتي أدت إلى نشأة الكنيسة البروتستانتية.
ففي مثل ذلك اليوم من عام 1517 أقدم لوثر على التعبير بحرية عن اعتراضه على بيع الكنيسة لصكوك الغفران بغية جمع الأموال اللازمة لإعادة بناء كاتدرائية القديس بطرس في روما، فعلق على باب كنيسته الصغيرة في بلدة فيتنبرغ رسالته الشهيرة المؤلفة من خمس وتسعين نقطة تتعلق أغلبها بلاهوت التحرير وسلطة البابا في الحل من "العقاب الزمني للخطيئة"، وعندما رفض التراجع عن نقاطه الخمس وتسعين ورفض الرضوخ لضغوطات البابا ليون العاشر والإمبراطورية الرومانية المقدسة ممثلة بالإمبراطور شارل الخامس تعرض للنفي والإدانة وتهمة الهرطقة في كتاباته والخروج عن القوانين المرعيّة في  الإمبراطوريّة.
كانت أبرز مقومات فكر لوثر اللاهوتي هي أنّ الحصول على الخلاص أو غفران الخطايا هو نعمة من الله من خلال الإيمان بيسوع المسيح، وبالتالي ليس من شروط نيل الغفران القيام بأي عمل تكفيري أو خيري من قبيل شراء صكوك الجنة؛ وثانيًا رفضه «السلطة التعليمية» في الكنيسة الكاثوليكية والتي تمنح البابا القول الفصل فيما يتعلق بتفسير الكتاب المقدس فاعتبر أنّ لكل إمرئ الحق في التفسير وأن الكتاب هو المصدر الوحيد للمعرفة المختصة بأمور الإيمان؛ كما عارض سلطة الكهنوت التي يمارسونها على الناس، وسمح للقسيسين بالزواج. وقدّم لوثر أيضًا ترجمة خاصة به للكتاب المقدس بلغته المحليّة بدلاً من اللغة اللاتينيّة التي كانت اللغة الوحيدة التي سمحت الكنيسة الرومانية باستخدامها لقراءة الكتاب المقدس، ما أثر بشكل كبير على الكنيسة وعلى الثقافة الألمانيّة عمومًا، حيث عزز الإصدار من إشعاع مفردات اللغة الألمانيّة كما ألّف لوثر عددًا كبيرًا من التراتيل الدينيّة التي أثرت في تطور فن الترنيم في الكنائس.
لقد كان أسلوب لوثر لا يخلو من تحد في طريقة طرحه لأسئلته وخاصة عندما يتناول مسألة المال في سؤاله السادس والثمانين حيث كتب يسأل: "لماذا يريد البابا بناء كاتدرائية القديس بطرس في روما من مال الفقراء، بدلاً من ماله أو مال الفاتيكان الخاص؟" وبهذا يكون قد أثار مسألة استغلال السلطة الدينية والسلطة على العموم لجمع المال وهي مسألة قديمة جديدة لازالت مطروحة إلى يوم الناس هذا وبالخصوص في البلدان التي تئن تحت أنظمة حكم غير ديمقراطي يعشش فيها الفساد.
لقد أصبح التلاعب بالدين تجارة رابحة لدى المسلمين وخاصة منذ استفحال الخطاب الوهابي الذي يعد الناس بسرعة الدخول على الجنة إن هم انقادوا له وأسلموا له أنفسهم وتخلوا عن حريتهم وعقولهم التي وهبهم الله.
قبل هذه الأحداث بنصف قرن تقريبا، في عام 1447 كان مواطن ألماني آخر هو يوهان غوتنبرغ قد حقق للإنسانية إنجازا رائعا لكونه اخترع آلة الطباعة الحديثة بتطوير قوالب الحروف التي توضع بجوار بعضها البعض ثم يوضع فوقها الورق ثم يضغط عليه فتكون المطبوعة.
ويكاد يجمع المؤرخون والدارسون لتلك الحقبة على الدور الريادي الذي لعبته الطباعة في انتشار أفكار الإصلاح الديني لأن البروتستانتية كانت أول حركة فكرية عرفت كيف تستفيد من الإمكانات الهائلة التي تتيحها آلة الطباعة كوسيلة جديدة للتواصل ونقل الأفكار بين الناس ومخاطبة الوجدان والشعور قبل العقل وتغيير الذهنيات وخاصة في البلدان الأنجلوسكسونية التي اعتنقت المذهب الجديد بسرعة وانسلخت عن الكنيسة الأم الكاثوليكية، وهو ما اعترف به لوثر نفسه عندما وصف الطباعة بنفسه قائلا "إنها أكبر نعمة يتجلى من خلالها الفضل الإلهي الذي يسمح بتداول الإنجيل بسهولة" وأنها -أي المطبعة- "آخر شرارة توقد قبل انطفاء شعلة الكون". كان ذلك في بداية عصر النهضة الأوروبية وقبل قرون الأنوار التي سبقت الثورة الفرنسية وما رافقها من سجال فكري والذي لعبت فيه المطبعة أيضا دورا محوريا.
ما هي العلاقة بالعصرالحاضر؟
اليوم يعيش العالم ظاهرتين اثنتين تشبهان في حجمهما التاريخي حجم الإصلاح المسيحي واختراع المطبعة:
أما على الصعيد التقني فنحن نعيش عصر التكنولوجية التواصلية بامتياز، منذ بروز الإنترنيت ثم شبكات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وأخيرا اكتساح الهواتف النقالة الجوالة التي أصبح كل واحد منا يستعملها آناء الليل وأطراف النهار للتواصل والحديث مع الآخرين والقراءة ومشاهدة الشرائط والقنوات التلفازية والبحث عن المعلومات في محركات البحث والترجمة الفورية وتقاسم النصوص والصور والمقالات والتدوينات والتعاليق ورسائل الواتساب ...  هذه هي الظاهرة الثانية التي تضاهي أو ربما تفوق في تأثيرها على حياة الناس وعلى الحضارة الإنسانية ظاهرة اختراع المطبعة في وقتها..
أما الظاهرة الأولى التي توازي الإصلاح الديني الذي عرفته الكنيسة المسيحية ابتداء من القرن السادس عشر الميلادي فهي الحاجة الملحة لإصلاح الخطاب الديني لدى المسلمين، والخطاب الديني لا يعني المصدر الأول الذي هو القرآن الكريم بل كل ما نسجته أيادي وأقلام عدد كبير من الناس يدّعون فهم النصوص الدينية وحدهم من قرآن وأحاديث نبوية ويقومون بتأويلها كما يشاؤون حسب أهوائهم ورغباتهم لتصبح تلك التأويلات مبررة للجهل وللقتل والتدمير وترهيب الناس في مشارق الأرض ومغاربها والإفساد في الأرض أو تصبح عونا على استفحال الظلم والفساد والحكم السيئ غير الراشد، وتمنع الناس في بلدان الاستبداد مما أبدعه العقل البشري من أدوات وآليات للحكم القويم ومن ديمقراطية واحترام لحقوق الناس وحرياتهم  والكف عن سرقة أموال الشعوب...
لقد أصبح التلاعب بالدين تجارة رابحة لدى المسلمين وخاصة منذ استفحال الخطاب الوهابي الذي يعد الناس بسرعة الدخول على الجنة إن هم انقادوا له وأسلموا له أنفسهم وتخلوا عن حريتهم وعقولهم التي وهبهم الله. فتولدت الكوارث من تنظيم القاعدة ثم داعش وغيرهما وأصبح التكفير رياضة وطنية وتناسلت الأحزاب والتنظيمات التي تستولي على عقول الشباب إما لتدفعهم إلى اقتراف الجرائم النكراء أو لتجعل منهم بهائم في حظيرة السلاطين يستغلونها كما يشاؤون.

فهل يعيد التاريخ نفسه وتصبح التكنولوجيا أداة تحرر وتحرير ويلعب الفيسبوك والواتساب لدى المسلمين الدور الذي لعبته الطباعة في العالم المسيحي ذات يوم؟

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا