نحاول في نص دراستنا هذه، توضيح أبعاد العلاقة الوثيقة بين كل من الفلسفة والبلاغة بالاستناد على التحليل ألحجاجي. ففي الوقت الذي تتجه فيه البلاغة نحو دعم وتعزيز
آراء معينة على حساب آراء أخرى منافسة لها، تنشغل الفلسفة التي كانت تعد في الأصل أم العلوم، في البحث عن الحقائق الموضوعية المجردة. ومنذ اللحظة التي عقد فيها الفيلسوف اليوناني بارمنيدس -عبر قصائده الشهيرة- تعارضا بين طريق يرعاه العقل الإلهي في الوصول إلى حقيقة مطلقة غير نافدة الصلاحية؛ وطريق يستند إلى الرأي العام ويفتقر بالضرورة لخاصية الثبات ولا يمنح ضمانا كافيا في معرفة الحقيقة المطلقة، دخل الفلاسفة ومعلموا البلاغة في حالة من النزاع والتنافس الشديد. ولم يتوانَ الفيلسوف السفسطائي غورغياس عن المواجهة والرد عبر ثالوث حجاجي سعى فيه إلى توضيح التناقض المتضمن عليه العلاقة نفسها بين المبادئ الأساسية في المنطق الشكلاني وهي: الوجود l’Être والمعرفة connaissance والتواصل communication. وذلك من خلال تأكيده على أن الوجود غير موجود، فلا وجود سوى للكلام parole. وإذا كان الوجود موجودا فيستحيل تمييزه، لأننا لا نستطيع إدراك وتمييز إلا ما يُقال من الكلام فحسب. وإذا استطعنا الوصول إلى معرفة الوجود، فهي معرفة غير قابلة للتواصل التداولي، لأننا لا نتواصل إلا بالكلام. ومن هنا، تأتي أهمية البلاغة واستعمال تقنياتها الحجاجية بما تتضمن عليه وما تتركه من مؤثرات سيكولوجية على إرادة المتلقي بهدف كسب تأييده للقضية موضوع النقاش. وعلى نحو مماثل، أوضح غورغياس على أن كل موضوع يحتمل شكلين متناقضين من الخطاب Διssοί λόγοι [بمعنى أن مفهوم الصلاحية validité لأي كلمة وقابليتها على إنتاج معانٍ جديدة تستند على معرفة المعنى المسبق المحدد لها، وما يتضمنه من قيمة أخلاقية واجتماعية في آن. وهذا ما يمنح أي إنسان -بمعزل عن المنطق التراتبي وتصنيفاته الشكلانية للجنس البشري- ألحقّ في النقاش والحوار ومساءلة الأشياء وإبداء رأيه حول القضايا الجدلية dialectiques التي تحتمل الصواب والخطأ. وهذا ما يستدعي بالطبع التأكيد على ضرورة أن يتعلم كل إنسان التقنيات الحجاجية البلاغية]. بعبارة أخرى، رفض غورغياس فكرة وجود حقيقة أحادية vérité unique ومطلقة، فكل شيء في العالم هو موضوع قابل للجدل والنقاش، طالما كان في الإمكان الدفاع عن أي قضية كانت من خلال بيان النقاط التي تعود لصالحها أو ضدها. من هنا، ينبغي إعادة الاعتبار إلى عالِم البلاغة/ومُعلِم كيفية تشكيل الرأي والتعبير عنه.
تتمة من المصدر
آراء معينة على حساب آراء أخرى منافسة لها، تنشغل الفلسفة التي كانت تعد في الأصل أم العلوم، في البحث عن الحقائق الموضوعية المجردة. ومنذ اللحظة التي عقد فيها الفيلسوف اليوناني بارمنيدس -عبر قصائده الشهيرة- تعارضا بين طريق يرعاه العقل الإلهي في الوصول إلى حقيقة مطلقة غير نافدة الصلاحية؛ وطريق يستند إلى الرأي العام ويفتقر بالضرورة لخاصية الثبات ولا يمنح ضمانا كافيا في معرفة الحقيقة المطلقة، دخل الفلاسفة ومعلموا البلاغة في حالة من النزاع والتنافس الشديد. ولم يتوانَ الفيلسوف السفسطائي غورغياس عن المواجهة والرد عبر ثالوث حجاجي سعى فيه إلى توضيح التناقض المتضمن عليه العلاقة نفسها بين المبادئ الأساسية في المنطق الشكلاني وهي: الوجود l’Être والمعرفة connaissance والتواصل communication. وذلك من خلال تأكيده على أن الوجود غير موجود، فلا وجود سوى للكلام parole. وإذا كان الوجود موجودا فيستحيل تمييزه، لأننا لا نستطيع إدراك وتمييز إلا ما يُقال من الكلام فحسب. وإذا استطعنا الوصول إلى معرفة الوجود، فهي معرفة غير قابلة للتواصل التداولي، لأننا لا نتواصل إلا بالكلام. ومن هنا، تأتي أهمية البلاغة واستعمال تقنياتها الحجاجية بما تتضمن عليه وما تتركه من مؤثرات سيكولوجية على إرادة المتلقي بهدف كسب تأييده للقضية موضوع النقاش. وعلى نحو مماثل، أوضح غورغياس على أن كل موضوع يحتمل شكلين متناقضين من الخطاب Διssοί λόγοι [بمعنى أن مفهوم الصلاحية validité لأي كلمة وقابليتها على إنتاج معانٍ جديدة تستند على معرفة المعنى المسبق المحدد لها، وما يتضمنه من قيمة أخلاقية واجتماعية في آن. وهذا ما يمنح أي إنسان -بمعزل عن المنطق التراتبي وتصنيفاته الشكلانية للجنس البشري- ألحقّ في النقاش والحوار ومساءلة الأشياء وإبداء رأيه حول القضايا الجدلية dialectiques التي تحتمل الصواب والخطأ. وهذا ما يستدعي بالطبع التأكيد على ضرورة أن يتعلم كل إنسان التقنيات الحجاجية البلاغية]. بعبارة أخرى، رفض غورغياس فكرة وجود حقيقة أحادية vérité unique ومطلقة، فكل شيء في العالم هو موضوع قابل للجدل والنقاش، طالما كان في الإمكان الدفاع عن أي قضية كانت من خلال بيان النقاط التي تعود لصالحها أو ضدها. من هنا، ينبغي إعادة الاعتبار إلى عالِم البلاغة/ومُعلِم كيفية تشكيل الرأي والتعبير عنه.
تتمة من المصدر