عمر شبانة : يمكن للمرء، وربما يجب عليه، عندما يصطدم تفكيره بالواقع، تغيير هذه الأفكار، بين فترة وفترة، وخصوصًا عندما تهترئ، وعندما يكتشف أنها لم تعد كافية
لفهم العالم المتغيّر، وما يجري فيه من تحوّلات، سلبية وإيجابية، تتمّ بوتيرة عالية ومتسارعة جدّا. فالأفكار تبلى، وتبلى معها سلوكيّات ارتبطت بها وانبثقت عنها. وكلّما كبرنا، فإنّنا نتغيّر. لا خوف في ذلك، لكن على الكائن ألا يغيّر مبادئه وأخلاقه، خصوصًا المتعلقة باحترام الحرية والعدالة والمساواة، وبمواجهة الطغيان والفساد والجريمة. هذه واحدة من الخلاصات التي نستطيع استخلاصها من حوارات مطوّلة يضمّها كتاب "نفي المنفى" لصقر أبو فخر الذي يسرد جوانب واسعة من تجربة المفكر عزمي بشارة السياسية والنضالية والفكرية. ولهذا، سوف تركّز هذه القراءة للكتاب على مواقف بشارة حيال الملف الساخن، وهو الملفّ السوريّ بتفرّعاته وتعقيداته.
وابتداء، هذا واحد من الكتب والحوارات التي تحفر "خطابَها" ومقولاتِها عميقًا في العقل والوجدان، قبل أن تستقر في ذاكرة قارئها، لتفعل فيه ضمن منطق وديناميّة وفاعلية كبيرة وعميقة. فقد استطاع الباحث والصحافيّ القدير صقر أبو فخر، بتعاون واستجابة ورحابة صدر، من عزمي بشارة، أن يقدّما للقارئ العربيّ وجبة ثقافيّة، فكرية وسياسيّة واجتماعية، على صعيدَي التجربة التنظيريّة والتجربة النضاليّة المعيشة، هي وجبة جديرة بالاحترام والتقدير، لما تنطوي عليه من عمق وصراحة ووضوح وبساطة في آن. وربّما كان من أبرز محاور هذا الحوار، حديث بشارة عن جيله، الجيل الذي ولد بعد النكبة، ونشأ سياسيًا في سبعينيات القرن الماضي، وحاول بعد مرور نحو ثلاثة عقود على النكبة أن يكون صريحًا في مواجهة ذلك التاريخ ونقده، وأن يفتح هذا الورم لمعالجة الذاكرة الملتهبة والانتهاء منها. وبالنسبة إليه، فإن "رفض الظلم ومظاهره، ورفض النفاق الاجتماعي والممارسة الفكرية والعملية في رفض هذه الظواهر هي عملية شطب لهذه الغربة، ونفي لهذا المنفى يحتاج إليه كل شخص مثلي كالهواء كي يتنفَّس".
الكتاب (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 367 صفحة قطع كبير)، الذي وقع في ثلاثة عشر فصلًا، يُظهر، ابتداء، مميّزات الباحث والصحافيّ أبو فخر وقدراته العالية في "نبش" المسكوت عنه، من خلال ثقافة واطلاع وتجارب تمنحه المقدرة على تقديم المتميّز، وهو ما سبق وعرفناه في كتب أبو فخر التي سبقت هذا الكتاب، حين حاور عددًا من كبار المفكّرين العرب؛ صادق جلال العظم في "حوار بلا ضفاف" و"الهرطوقيّ الحكيم: حوار مع كمال الصليبي"، وغيرهما.
يعود أبو فخر، إذن، إلى هذا النوع من التأليف، ليعرض عددًا من الملفّات الساخنة والسِجاليّة، ذات الطابع النظريّ منها، أو ذات السمة الواقعيّة والراهنة، وذلك مع مفكّر ومناضل حمل ويحمل مشروعًا فكريًّا/ سياسيّا ذا أبعاد عدّة، سواء اتّفقنا أو اختلفنا معه، في هذا الجانب أو ذاك، فهو مفكّر ناضل واعتُقل واضطُرّته ظروف "أمنيّة" للخروج إلى المنفى، ليواصل رسالته ومشروعه. وهو هنا، وبهذه الصورة التي تظهر في الكتاب، ينفي منفاه الاضطراريّ.
"في نفي المنفى"، كتاب يعيد فيه صقر أبو فخر تقديم "صورة" غير مألوفة للمثقف والمفكر والمناضل المرتبط كل الارتباط بقضيته ومبادئه وأخلاقه التي يعتبرها "رأسمال" المثقف. هي صورة ذات أبعاد متعددة ومتداخلة، والأهمّ أنّ جوانبها وأبعادها شديدةُ الانسجام. فمن البعد القوميّ اليساريّ لشخصية مناضل فلسطينيّ، نشأ وترعرع في ظلّ احتلال عنصريّ، يسعى إلى محو الهوية الوطنيّة والقوميّة للفلسطينيّ الذي بقي في أرضه بعد نكبة 1948، إلى البعد الفكريّ لهذه الشخصية، لمفكّر يسعى إلى "نحت" المفاهيم التي تصلح لقراءة الحالة الفلسطينيّة، في مواجهة "الحالة" الصهيونية الإسرائيليّة واليهوديّة، وانتقالا إلى البعد الحزبيّ، ثم البعد البرلمانيّ (النضال عبر عضويّة الكنيست، قبل الاستقالة منه مع تجربة المنفى)، وصولا إلى العلاقة مع زعماء أو حكّام عرب، لغايات ترتبط بمشروعه النضالي والثقافي في آن، سواء تعلّق الأمر بالرئيسين السوريّين (الأسد الأب والابن)، أم بالعلاقة مع المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، وهذه الأخيرة ممثلة في حزب الله، وما آل إليه الموقف منه، بعد دخول الحزب إلى سورية للدفاع عن نظام الأسد، وهو ما سنتوقف عنده مليّا، كونه الملفّ الراهن والساخن.
ملامح وتفاصيل كثيرة في هذه الصورة، يصعب تلخيصها أو اختزالها، يجدها قارئ هذا الكتاب على نحو شديد السطوع والنصوع، ما بين "السيرة العاصفة"، و"التنظير" لظاهرة هنا، أو التفكيك الفكري أو السياسيّ لظاهرة هناك، أو سرد لحوادث ووقائع دمغت حياة هذا المفكّر. وذلك كلّه في سلاسة يتداخل فيها السياسيّ بالإنسانيّ، والوطنيّ القوميّ بالأمميّ، والإسلاميّ بالعلمانيّ، والحرية والديمقراطية في مواجهة الدكتاتوريّات والأنظمة الفاشية ذات الطابع الأمنيّ، المنخورة بالفساد والقمع.. ما يعني أننا حيال كتاب يتناول قضايا التاريخ القريب، والراهن القائم، في ما يتعلق بحياتنا الفكرية والمعيشية أيضًا.. من دون أن تغيب عنه الجوانب الإنسانية الحميمة، وأبرزها تلك الرغبة في العودة إلى "ترشيحا" لقضاء ما تبقى من العمر.
ولكن، ما الذي دفع صقر أبو فخر إلى محاورة عزمي بشارة وإصدار الحوار في كتاب مستقل، يقول أبو فخر "هو محبتي له أولاً، ثم مكانته الفكرية والسياسية التي لا يجادل فيها أحد حتى لو اختلف مع مواقفه السياسية. ثم إن تجربته السياسية والنضالية والفكرية، في حد ذاتها، تشكل دافعاً عميقاً لإجراء حوار مسهب معه.. وكأنه أحد مفكري عصر النهضة الأوروبية، وهذا صحيح برأينا بسبب أفكاره التنويرية والتجديدية، ولكن أيضًا بسبب دوره ونشاطه السياسي المباشر، ويبدو أن ذلك عرضه إلى ظلم وتشويه، خصوصا في السنوات الأخيرة بسبب مواقفه.
نحو مفاهيم وعلاقات جديدة
في هذا الكتاب، يعيد بشارة التأكيد على المفاهيم التي سبق أن "نحتها" هو، ونجدها مبثوثة في كتبه السابقة، وفيها يؤكد على خطابه ومقولاته ذاتها، سواء في ما يتعلق بالدولة العبرية، وتفكيكه لطبيعتها، أو في ما يخصّ المجتمع الفلسطيني في مكوّناته كلّها، أكانت تحت حكم الاحتلال، أو في أراضي السلطة- أوسلو، أو في أماكن اللجوء والشتات. ولعلّه أوّل من نحت مفهوم "دولة المواطنين" و"دولة لجميع مواطنيها"، وكذلك "علاقة الدين بالديمقراطية والعلم والحداثة"، وغيرها ممّا يعيد تأكيده في الحوار، وممّا يرسّخ صورة "المثقّف النقديّ" في موازاة، وإلى جانب "المثقّف العضويّ" كما عرفناه عند غرامشي، الذي يبدو بشارة متأثّرًا به في بعض الجوانب من دراسته، العلميّة والأكاديميّة. هنا وقفة لاستعادة بعض المواقف التي يقدّمها هذا الحوار.
وبشارة هنا، معنيّ بحوار جادّ ومعمّق، ليس فقط في الردّ على أسئلة المُحاوِر، بل بتقديم إجاباته وتوضيح مواقفه بالنسبة للكثير من الأسئلة التي يطرحها "الشارع العربيّ"، سياسيّا وثقافيّا. وهكذا، فالكتاب، إلى جانب كتب بشارة السابقة، التنظيرية والتطبيقية، يشكّل مرجعًا مهمّا للقضايا الأساسية التي تشغل الإنسان العربيّ عمومًا، والفلسطينيّ على وجه الخصوص، وربّما "عرب 48" على وجه أشدّ خصوصيّة، لكنّ ما يميز هذا الكتاب، هو حيويّة الراهن وسجالاته فيه.
لا نجد هنا الكثير من الشأن الشخصيّ لبشارة، حتّى وهو يعرض نضالاته "قبل المنفى"، وصولًا إلى حديثه عن مشروعه الفكريّ والثقافيّ المدعوم "قَطَريًّا"، إذ يبدو غير معنيّ بالردّ على اتّهامات، والدخول في مهاترات "لا أنصت إلى الاتهامات"، يقول، بل هو مهجوس بتقديم صورة لطبيعة علاقته بدولة قطر، هي علاقة مثقّف مستقلّ بأهل السلطة، وليؤكّد أنّه ليس "مستشارًا.. لأمير قطر"، كما يُشاع. وأكثر من ذلك "أنا لست خبيرًا. بل صاحب تخصّص ومثقف نقدي عمومي في آن"، ويوضح كيف استقرّت به الحال أخيرًا في قطر "تمكّنت من تأسيس مركز بحوث، وحصلت على الدعم اللازم لذلك، فضلًا عن حرية العمل والتفكير والدعم، لتأسيس مركز بحوث يُعنى بالقضايا الاجتماعية والسياسية والنظرية للأمة العربية. قطر لم تفكّر في إنشاء مركز للبحوث من هذا النوع. وهذه الفكرة أتيت بها أنا شخصيًا للشيخ تميم بن حمد حين كان وليًا للعهد، واستغرقت المناقشات أكثر من عام، إلى أن تحقق هذا الدعم، وهو مشروع عربي لإقامة مركز للبحوث حظي بدعم دولة قطر، وليس مشروعًا قطريًا أُنفذه أنا"، وهو ما يجعله يفخر أن "حرية البحث العلمي والدعم غير المشروط قد توافر في بلد عربي، من دون شكر وإشادات ومدائح، ولم يطلب أحد منا ذلك".
العلاقة مع سورية وقيادتها
في ما يتّصل بالعلاقة مع حكّام سورية، قبل الثورة وفي أثنائها وإلى الآن، وهذا من أبرز الملفّات الساخنة في هذا الحوار، يوضح بشارة أنها علاقة تقوم على التعاون في مجالات دعم المقاومة، من جهة، ومن جهة ثانية فهي تُعنى بما يفيد قضية الأهل في فلسطين المحتلة، خصوصا حين تتعلّق الأمور بالتواصل بين اللاجئين الفلسطينيّين في سورية وأهاليهم الباقين في فلسطين، من خلال رحلات كان يقوم على تنظيمها هو وأصدقاء ورفاق آخرون في "التجمع الديمقراطي".
وفي هذا الإطار، وكما يعلم كل من تابع مسيرة عزمي بشارة في تعريف فلسطينيي 1948 إلى العالم العربي، أنه دور كان مشهودا، وآثاره تتخطى كثيراً الجانب الإنساني، أي إعادة وصل ما انقطع بين الأخ وأخيه وأخته على جانبي الحدود. وجوهر هذا الأمر، بالنسبة إليه، هو إعادة التأكيد على العمق العربي للفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال الإسرائيلي، وفتح مسارب لهؤلاء نحو بلادهم العربية، وخصوصاً سورية. وذلك كله خلافاً، بل نقيضاً للتطبيع، وفي مسار طويل من المواجهة مع الدولة الإسرائيلية، وطريقة متجددة في بلورة الهوية العربية للفلسطينيين.
لذلك، فهو حين كان يلتقي القيادة السورية، الرئيس ونوّابه، كانت العلاقة تنطوي على الندّية والتبادلية، وتتلخّص في تقديمه رؤيته إلى كيفية دعم المقاومة، وتوضيحه رؤية الكيان الصهيوني لعملية السلام، يقول "ساهمت في شرح ما تبيّته إسرائيل، وفي تصليب موقف القادة السوريين الذين أقروا بذلك". لكن هذا لم يكن يمنعه من رؤية الفساد وقمع الحريات، والإشارة إليها كلّما كان ذلك ممكنا. ولمعرفته بعمق طبقة الفساد، ولرؤيته تغوّل النظام وولوغه في دم الشعب، سارع لإعلان وقوفه مع الثورة منذ بدايتها. وفي هذا يقول ما يفسّر موقفه المناوئ للنظام "دائمًا أقول إن المبادئ التي جعلتني أناصر المقاومة في لبنان، وحكمًا في فلسطين، هي نفسها التي جعلتني أتقاطع مع سورية، ثم مع الشعب السوري ضد الطغيان، أي إن الموقف من مقاومة الاحتلال ومقاومة الظلم هو نفسه".
وهو في هذا السياق يقدّم قراءة معمّقة لطبيعة النظام السوريّ الحاكم، ولطبيعة المجتمع السوريّ ككلّ "فالفساد ليس الاستثناء، بل كان القاعدة في سورية. فهو وسيلة إثراء الكبار وترجمة نفوذهم إلى ثروة، أو تحويل الجاه إلى مال على حد تعبير ابن خلدون. كما أن الفساد وسيلة لتوزيع الثروة عند صغار الموظفين، وهو أداة المواطنين لتسيير المعاملات وشقّ طريق الحياة اليومية".
ولعلّ بشارة، كما يبدو في هذا الحوار، من أكثر من قدّموا قراءة دقيقة في بنية المجتمع السوري، خصوصًا لجهة الفارق بين حقيقة هذه البنية، ومدى انصهار الفئات المكوّنة لها، وبين ما يُشيعه الإعلام عنها، يقول "كنت أعتقد أن سورية تجاوزت الطائفة والطائفية، وفوجئت حين اكتشفت العكس عند فئات سكانية واسعة غير مسيّسة. فالانصهار الوطني لم يكن عميقًا. هنا لا أتحدث عن الانصهار بين الطوائف فحسب، بل بين المحافظات والمناطق المختلفة. لقد ساهم ضعف الانصهار الوطني على مستوى المحافظات، وبين مركز المحافظة وريفها، في ضعف الانصهار على مستوى الطوائف، خصوصًا إذا تركز بعض الطوائف في محافظات بعينها. نحن أمام إخفاق كارثي في التشكل الوطني على مستوى سورية، أو ما يسمى بعملية بناء الأمة. والأسوأ أنه جرى تنفير الناس من الأيديولوجيا القومية العربية لأنها أيديولوجيا النظام الحاكم، مع أن العروبة هي الوحيدة التي يمكن أن تجمع دير الزور ودرعا وحلب وحماة والسلمية واللاذقية والسويداء ودمشق".
ونظل في موضوع موقف النظام السوريّ من المقاومة عمومًا، والفلسطينية خصوصًا كما يراه بشارة، والذي يبدو أنه كان موضوعًا مبدئيًا عند صناع القرار في سورية، بمعنى أن التكوين الفكري لهذه القيادة مؤسس على العداء لإسرائيل. لكن، وكما يوضح بشارة "لاعتباراتٍ سياسية، فإن الحفاظ على النظام يصبح الأساس، وتصبح قضية فلسطين أداةً في سبيل الحفاظ على النظام. كانوا دائمًا يقفون ضد أي حركةٍ مسلحةٍ مستقلة عنهم في الفضاء السوري – اللبناني..". فهو يرى أن حافظ الأسد كان يعتقد أنه هو وحده الذي يفترض أن يُمسك بخيوط قضية فلسطين.
حزب الله و"الغائية"
واتّصالا بهذا السياق، وكما يراجع بشارة موقفه من النظام السوريّ، يُجري مراجعة نقدية لاذعة وموضوعيّة لمواقف حزب الله، بل لبنيته الطائفية التي لم تكن ظاهرة تماما، لكن المؤشرات عليها باتت تتكشف بالتدريج، حتى اتّضحت في دور الحزب في مواجة وقمع الثورة الشعبية السورية. وحتّى بالعودة إلى تاريخ الحزب، وعلاقته مع المقاومة الفلسطينية، ومع القوى التقدمية اللبنانية، يتمظهر دوره منذ تأسيسه بوصفه "أداة" إيرانية في المنطقة العربية.
وابتداء يعتقد بشارة أن حزب الله لم يكن يعمل من أجل فلسطين وقضيّتها، فالحوادث القاطعة تثبت أن "قضية فلسطين عند كثيرين كانت أداةً ووسيلة وليست هدفًا وغاية". وأن فلسطين "ليست بوصلةً ولا غايةً هنا، ولا هي الأساس. فالمحدد الرئيس للمواقف هو السلطة والنفوذ والطائفة وغيرها. إذا وقفتَ معهم في هذه القضايا تصبح وطنيًا، حتى لو كنت عميلًا لإسرائيل. وإذا اختلفتَ معهم في شأنها تصبح خائنًا، حتى لو كنت مقاومًا للاحتلال".
وإلى ذلك، يبدي بشارة انزعاجه أيضًا من التعامل مع الفلسطينيين في لبنان، لبنان الذي ما يزال حزب الله قوّة أساسية فيه، وفي جنوبه هي الأساس. ويطرح بشارة مجموعة الأسئلة الأساسية "لو كانت قضية فلسطين "مقدّسة"، أو أنها هدف في ذاتها، فلِمَ يُعامل الفلسطينيون في مخيمات جنوب لبنان بهذه الطريقة؟ ولِمَ لا يُدمج الفلسطينيون في مقاومة الاحتلال ما دامت المقاومة وُجدت من أجل فلسطين؟ إذا كانت فلسطين هي الهدف، فلِمَ تكون المقاومة مقصورة على اللبنانيين وحدهم، وعلى طائفةٍ واحدة؟ ولماذا لم تنشأ مقاومة لبنانية - فلسطينية؟ هذه الأسئلة وغيرها تؤكد منطق "الأداتية"، أي استخدام قضية فلسطين أداةً لتعزيز الحضور الطائفي والسياسي لفئةٍ لبنانيةٍ من دون الفئات الأخرى، ولبلورة وعي وتسليح طائفيين، ثم يُستخدم ذلك كله للتأثير في السياسة اللبنانية، وتعظيم وزن هذه الطائفة في السياسة اللبنانية".