-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

(بابا) رمضاني : حاميد اليوسفي

كان الناس في نهاية الستينات من القرن الماضي في المدينة العتيقة بمراكش عندما يحل شهر شعبان يبدؤون الاستعداد لصيام شهر رمضان ... تخرج النسوة في المساء لشراء التوابل والمكسرات والقطنيات... يُركّبن الأطفال على ظهورهن أو يسيرون الى جانبهن إذا كانوا قادرين على المشي و يحملن القُفّات والسِّلال في أياديهن للتبضُّع في الاسواق الشعبية ... لم تكن هناك متاجر عصرية كبرى مثل مرجان وكارفور وأسيما وغيرها ، يذهب اليها الناس لاقتناء حاجيات البيت من المواد الغذائية ... لم تكن هناك عربات لحمل المقتنيات تطوف بها النساء أو الازواج أو أطفالهم بين ممرات المتاجر ...  
شهر شعبان تخصصه النساء كذلك لإقامة حفلات شعبانة بين الفينة والأخرى في هذا البيت او ذاك ، فيغنين ويرقصن احتفالا بقدوم شهر رمضان ... كما يصمن اما طمعا في أجر او ردا لدين او لتدريب وتشجيع الفتيات والأطفال الذين حق عليهم الصيام لأول مرة ... وبعضهن خاصة اللواتي كن يعشن في اوساط ميسورة يبدأن تهيئ "التقيوتات" أي "البريوات والحلوة الشباكية وسليلو" ...
وفي نهاية شهر شعبان تصعد النساء فوق سطوح المنازل لرؤية الهلال ... وإذا أطلقن الزغاريد فاعلم انهن قد تمكن من رؤيته ...
اما الرجال فيخرجون الى أي ساحة واسعة قريبة من الحي تُمكن من رؤية الهلال .. وإذا كانت السماء ملبدة بالغيوم جلس الجميع يستمع للمذياع ، وينتظر الاخبار ، فيعرف ما هي الدول التي اذاعت نبأ رؤية الهلال وستصوم غدا ...
نحن الاطفال كنا نسترق السمع من الكبار ، لكن بمجرد ما تدوي الزواكة (منبه تشغله البلدية في شهر رمضان يُصدر صوتا قويا يُسمع في جميع ارجاء المدينة القديمة) ثم النّفّار، نتأكد بان تباشير (بابا) رمضان قد لاحت ، فنخرج في جماعات نعدو و نشدو فرحين ونغني بأصوات عالية :
"بابا رمضاني بابا رمضاني   ***   عليك نبيع سروالي" ...
بيع السروال تعبير مجازي كان الاطفال يُرددونه دون معرفة واعية بمعناه و يترسخ في لا وعيهم كجزء من ثقافة شعبية تنتقل عبر الاجيال .. نزع السروال وبيعه عند الكبار قد يعرض عورة الانسان للعري ويمس بعِرضه  ويجرده من كرامته او رجولته .. وربما يعبر بشكل او بآخر عن مكانة شهر رمضان في وجدان الناس (بابا) ومستوى التضحية التي يستعد لها أرباب البيوت من خلال توفير الحد الادنى من اللوازم حتى يمر الصيام في هذا الشهر المبارك في أجواء دينية واجتماعية هادئة تثير الفرحة والبهجة داخل أرجاء كل بيت ، حتى ولو تم ذلك على حساب بيع الانسان لسرواله ...
حركة غير عادية في الازقة  ... الكبار يتبادلون التباريك ... ازدحام كبير أمام متاجر المواد الغذائية ..
بعد صلاة المغرب تختنق الحمامات التقليدية بالزبناء وتشتغل الى وقت متأخر من الليل ...
المدخنون لا يَسْلمون من شغب الاطفال وسخريتهم التي تجمع بين المكر والبراءة : 
  والكيافة جمعوا شقوفكم  ***  بابا رمضان جايكم
كنا صغارا ... نجري في المساء ونلهو ونردد بصوت جماعي :
"تيريرا تيريرا  *** هذا عام الحريرة " ...
الحريرة (الحامضة) أشهر وجبة تتفنن النساء في طبخها في شهر رمضان .. وهي وجبة يومية ورئيسية لا تكاد تخلو منها مائدة في هذا الشهر العظيم ،  تتركب من الدقيق والقطنيات مثل العدس والحمص و(الشعرية) والطماطم مطحونة والبصل والكزبرة (القزبر) و البقدونس (المعدنوس) والتوابل التي تضفي عليها نكهة خاصة ، وتلتهم جزءا مهما من ميزانية البيت ...
النساء يذهبن الى المطبخ لتهييئ وجبة السحور ... بعد عجن البغرير او المطلوع (البطبوط) ينمن لبعض الوقت في انتظار أن يخمر...
كنا نتناول العشاء  بعد عودة الرجال من صلاة التراويح ثم نركن الى النوم ، حتى يوقظنا النّفّار ...
النفار له قصة خاصة في مراكش ... يقول البعض بان (لالة) عودة السعدية ام المنصور الذهبي فطرت بشكل متعمد في رمضان و يقول آخرون  بأنها كانت في لحظة (وَحْم) .. المهم أنها كفّرت عن ذلك بان وهبت كل ما تملك الى النفافرية مقابل ان يوقظوا الناس للسحور وان يَدْعوا لها بالرحمة والغفران ... ومنذ ذلك الحين كان النفافرية يعزفون  نغما يتجاوب ايقاعه مع عبارات من قبيل :
"عودة كْلات رمضان ***  بالخوخ والرمان*** اغفر ليها يا رحمان "

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا