سؤال متواتر يتردد كثيراً على ألسنة طلابنا الشباب والصحفيين: متى سيكون لدينا فلسفة عربية؟ وطرح السؤال بهذا المعنى يعبر عن أمور كثيرة.. أولها أن هناك رغبة فى أن يكون لدينا فلسفة. وهذه الرغبة تعنى أن هناك شعورا بالنقص، وبأن الفلسفة ليست حاضرة فى حياتنا بما فيه الكفاية، وأيضاً أننا لا نلاحظ أى اهتمام عالمى بما يُنتج فى ثقافتنا العربية المعاصرة تحت اسم الفلسفة. وإذا كانت الفلسفة لم تحقق تقدماً ملحوظاً ذا تأثير فى حياتنا المعاصرة فذلك لأنها تتعرض فى ثقافتنا العربية المعاصرة لمجموعة من الأحكام الشائعة التى لا تواجهها الفلسفة فى الثقافات الأخرى. من بين هذه الأحكام أننا لا نعرف الفائدة من الفلسفة بالضبط، فمن السهل أن نلمس الفائدة العملية من الكيمياء، الفيزياء وعلوم الكمبيوتر، لكنها لا تظهر لنا بوضوح فى حالة الفلسفة. والحكم الثانى أن الفلسفة قد تعارض الأديان وتؤدى إلى زعزعة العقائد. والحكم الثالث أنه حينما تحفل رسائلنا الفلسفية بأسماء مثل أفلاطون وأرسطو وديكارت وهيوم وكانط فإننا نسارع باتهامها بالتبعية وندعو إلى بلورة فلسفة عربية أصيلة مبتكرة فى مشكلاتها ومناهجها ومصطلحاتها لكى ننفى عنها شبهة التقليد. ولكن لو أمعنا النظر فى هذه التحفظات الرائجة لوجدنا أنها لا تقوم على أساس. ففيما يخص جدوى الفلسفة يمكن لنا أن نذكر أنها السبيل لتنظيم الفكر وتعلم النقد وتعزيز القدرة على تكوين الرأى والدفاع عنه بحجج علمية. وحتى لو تصور تالبعض أن هذه المهارات يمكن اكتسابها من طرق أخرى وعاد للشك فى جدوى الفلسفة فإنه يمكننا أن نطمئن أنفسنا لو نظرنا إلى العالم فيما حولنا ووجدنا أن جميع البلاد قد اتفقت على تدريس الفلسفة فى الثانوية العامة لطلابها، وفتحت أقساماً للفلسفة فى كليات الآداب كما أن كتب الفلاسفة القدماء يعاد نشرها وعرضها مرات ومرات فى سوق النشر وكل هذا دون إجبار من أحد. هذه الملاحظات تجعلنا نشعر بأن للفلسفة جدوى حتى وإن كنا لاندرك على وجه الدقة ماهى.
أما فيما يخص علاقة الفلسفة بالدين فعلينا أن نتذكر أن عصر انطلاق الفلسفة الكبير كان فى أثينا فى القرن الخامس قبل الميلاد، أى قبل ظهور المسيحية والإسلام وبالتالى فقد ظهرت الفلسفة لا لكى تؤيد الدين أو تعارضه لأنه لم يكن موجوداً. الفلسفة لها إذن وظيفة أخرى فهى خطاب عقلى موجه إلى عقول الآخرين يدور حول تساؤلات الإنسان عن العالم الذى يعيش فيه، ولم تزعم الفلسفة يوماً أنها أتت لخلاص النفوس ونجاتها بعد الموت، فهذه وظيفة الدين.تصحيح أن هناك من بين الفلاسفة من هم مؤمنون وغير مؤمنين، ويكفى أن نلقى نظرة على تاريخ الفلسفة الطويل لكى نلاحظ الوجود المشترك فى الفكر الإنسانى للفلسفة والدين معاً، فلم ينشأ أى منهما ليحل محل الآخر.
أما فيما يخص الحكم الثالث المتعلق بضرورة إيجاد فلسفة عربية أصيلة لا علاقة لها بفلسفة اليونان أو أوروبا، فهذا مطلب غريب. فنحن فى العادة نميز بين الحكمة والفلسفة، فالحكمة موجودة فى الشعر والأمثال الشعبية والأقوال المأثورة فى كل ثقافة، وهى كنوز ثمينة للإنسانية لكنها ليست فلسفة، لأن الفلسفة مرتبطة بطرح مشكلات معينة وتلتزم بمنهج يمكنها من الوصول إلى إجابات. وهذه الفلسفة فى كل بلاد العالم عبارة عن تصورات جديدة عن مشكلات أثارها فلاسفة سابقون. وكما أننا حينما نريد أن نقيم تاريخاً إنسانيا عاما للرياضيات فإننا ينبغى أن نبدأ بفيثاغورس وإقليدس ثم الخوارزمى وابن الهيثم وباسكال ونيوتن. وهكذا أيضاً تاريخ الفلسفة فى العالم يضم أرسطو وأفلاطون ثم الفارابى وابن سينا وديكارت وكانط وسارتر. ومن أراد أن ينسلخ عن هذا التاريخ لينشئ شيئاً جديداً مقطوع الصلة به فليفعل، ولكن لن يدخل إنتاجه فى إطار الفلسفة. ولاتوجد أمة تتشغل نفسها ببناء فلسفة أصيلة لا ذكر فيها لأسماء فلاسفة يونان أو غربيين إلا أمتنا العربية. ولكن هذا لا يعنى أن الفلسفة لدى شعب ما هى نسخة من الفلسفة لدى شعب آخر. فنحن نميز بين الفلسفة الألمانية المغرقة فى الميتافيزيقا والحافلة بالمصطلحات المجردة، والفلسفة الفرنسية ذات الطابع الأدبى والفلسفة الإنجليزية ذات الطابع العملى والدقة الرياضية فى التعبير. ورغم ذلك فإنها تتناول نفس إعلام الفلاسفة ونفس المشكلات التى طرحوها.
ترى بماذا ستتميز فلسفتنا العربية إن وجدت؟ لا نعرف، ولكن ينبغى أن نعى أمرين: أولهما أن الفلسفة تزدهر دائماً مع ازدهار إنتاج العلم وخصوصاً فى مجال الرياضيات، وثانياً أن الفلسفة تقتضى إتاحة حرية التفكير والتعبير. وعندما يتحقق هذا الشرطان سوف نتمكن من تقديم إسهامنا العربى فى الفلسفة المعاصرة.
أما فيما يخص علاقة الفلسفة بالدين فعلينا أن نتذكر أن عصر انطلاق الفلسفة الكبير كان فى أثينا فى القرن الخامس قبل الميلاد، أى قبل ظهور المسيحية والإسلام وبالتالى فقد ظهرت الفلسفة لا لكى تؤيد الدين أو تعارضه لأنه لم يكن موجوداً. الفلسفة لها إذن وظيفة أخرى فهى خطاب عقلى موجه إلى عقول الآخرين يدور حول تساؤلات الإنسان عن العالم الذى يعيش فيه، ولم تزعم الفلسفة يوماً أنها أتت لخلاص النفوس ونجاتها بعد الموت، فهذه وظيفة الدين.تصحيح أن هناك من بين الفلاسفة من هم مؤمنون وغير مؤمنين، ويكفى أن نلقى نظرة على تاريخ الفلسفة الطويل لكى نلاحظ الوجود المشترك فى الفكر الإنسانى للفلسفة والدين معاً، فلم ينشأ أى منهما ليحل محل الآخر.
أما فيما يخص الحكم الثالث المتعلق بضرورة إيجاد فلسفة عربية أصيلة لا علاقة لها بفلسفة اليونان أو أوروبا، فهذا مطلب غريب. فنحن فى العادة نميز بين الحكمة والفلسفة، فالحكمة موجودة فى الشعر والأمثال الشعبية والأقوال المأثورة فى كل ثقافة، وهى كنوز ثمينة للإنسانية لكنها ليست فلسفة، لأن الفلسفة مرتبطة بطرح مشكلات معينة وتلتزم بمنهج يمكنها من الوصول إلى إجابات. وهذه الفلسفة فى كل بلاد العالم عبارة عن تصورات جديدة عن مشكلات أثارها فلاسفة سابقون. وكما أننا حينما نريد أن نقيم تاريخاً إنسانيا عاما للرياضيات فإننا ينبغى أن نبدأ بفيثاغورس وإقليدس ثم الخوارزمى وابن الهيثم وباسكال ونيوتن. وهكذا أيضاً تاريخ الفلسفة فى العالم يضم أرسطو وأفلاطون ثم الفارابى وابن سينا وديكارت وكانط وسارتر. ومن أراد أن ينسلخ عن هذا التاريخ لينشئ شيئاً جديداً مقطوع الصلة به فليفعل، ولكن لن يدخل إنتاجه فى إطار الفلسفة. ولاتوجد أمة تتشغل نفسها ببناء فلسفة أصيلة لا ذكر فيها لأسماء فلاسفة يونان أو غربيين إلا أمتنا العربية. ولكن هذا لا يعنى أن الفلسفة لدى شعب ما هى نسخة من الفلسفة لدى شعب آخر. فنحن نميز بين الفلسفة الألمانية المغرقة فى الميتافيزيقا والحافلة بالمصطلحات المجردة، والفلسفة الفرنسية ذات الطابع الأدبى والفلسفة الإنجليزية ذات الطابع العملى والدقة الرياضية فى التعبير. ورغم ذلك فإنها تتناول نفس إعلام الفلاسفة ونفس المشكلات التى طرحوها.
ترى بماذا ستتميز فلسفتنا العربية إن وجدت؟ لا نعرف، ولكن ينبغى أن نعى أمرين: أولهما أن الفلسفة تزدهر دائماً مع ازدهار إنتاج العلم وخصوصاً فى مجال الرياضيات، وثانياً أن الفلسفة تقتضى إتاحة حرية التفكير والتعبير. وعندما يتحقق هذا الشرطان سوف نتمكن من تقديم إسهامنا العربى فى الفلسفة المعاصرة.