محمد علي صالح للشرق الأوسط : في عام 1964، صدر كتاب «انتحار الغرب» الشهير، لمؤلفه جيمس بيرنهام، وذكر أن الديمقراطية تواجه 3 أخطار:
الشيوعية (وقوة الاتحاد السوفياتي في ذلك الوقت)، وعدم حرص دول العالم الثالث عليها (أو الجري وراء شعار «الاشتراكية»)، وإهمال الأميركيين لها (بعد تأكيد قوتها بعد الحرب العالمية الثانية ضد النازية والفاشية).
وفي الشهر الماضي، صدر كتاب بالعنوان نفسه، كتبه جونا غولدبيرغ، ويذكر أن الديمقراطية الأميركية تحديداً تواجه 4 أخطار: القبلية، والشعوبية، والوطنية، وسياسات الهوية.
كان مؤلف الكتاب الأول شيوعياً (في ثلاثينات القرن الماضي)، ثم صار ليبرالياً، ثم أخذ يتبنى طروحات اليمين. غير أن مؤلف الكتاب الثاني يميني «معتق»، ومن بين كتبه: «الفاشية الليبرالية» و«تسلط الشعارات: كيف يكذب الليبراليون في حرب الأفكار».
هكذا، في جانب، خاف يساري من «انتحار الغرب»، وقال إن جشع وظلم الرأسمالية يمكن أن يقود إلى ذلك. وفي جانب، خاف يميني من «انتحار الغرب»، وقال إن سقوط الرأسمالية يمكن أن يقود إلى ذلك.
لم ينكر غولدبيرغ (اليميني) ما سماه بيرنهام (اليساري) «عقدة ذنب الغرب»، وكرر ذكر تناقضات حادة في تاريخ الغرب، منها: الاعتماد على القوة العسكرية، وتفضيل المصالح على المبادئ، والاستعلاء على شعوب العالم الثالث، وقبل ذلك استعمارها. لكن غولدبيرغ قال إن التناقض الأهم هو في أعماق الغربيين أنفسهم.
كيف ذلك؟ إنهم - حسب رأيه - غير قادرين على استيعاب النجاحات التي حققوها خلال مئات السنين: بداية بالإصلاح الديني، ثم الهوية الوطنية، ثم الثورة الصناعية، ثم التنوير، ثم التوسعات الاقتصادية والعسكرية، ثم الحكم الديمقراطي، ثم الانتصار على الأعداء (الشيوعية والنازية).
يقول: «ها نحن نستمتع بالحياة كما لم يستمع بها ناس في تاريخ البشرية. أسسنا حضارة عملاقة، وحققنا إنجازات علمية، واتجهنا نحو الحرية، وأصبحنا قادرين على حماية أنفسنا (القوة العسكرية)، وأسسنا أنظمة دستورية، تعتمد على القانون والنظام والتأدب، وأخلصنا في شيئين هامين: العمل الجاد، والترفيه الجاد».
ويسرد في نهاية الكتاب قائمة طويلة عبر 27 صفحة عن «إنجازات الغرب الرأسمالي»، مثل: ثروة أكثر، وتعليم أكثر، وأمراض أقل، وجهل أقل، وزيادة القدرة على الإنتاج الزراعي، وزيادة أعمار الناس، والاقتراب من علاج حاسم لمرض السرطان.
لماذا حدث هذا؟
يقول: «وضعت الرأسمالية نظاماً لم يشهد العالم مثيلاً له، فهي لم تعطِ الناس حرية أن يبدعوا وينتجوا ويثروا فقط، ولكن أيضاً حرية الاستمتاع بكل ذلك». ويستعمل المؤلف كلمة «ميراكيل» (معجزة) في وصف هذه الإنجازات الرأسمالية، بل يضع الكلمة مكان كلمة «رأسمالية».
لا ينكر المؤلف، وهو اليميني المعتق، دور الليبرالية، لكنه يركز على دعوتها للحرية الرأسمالية أكثر من تركيزه عليها كعقيدة شاملة تدعو أيضاً إلى الحرية الفردية والحرية الاجتماعية. ويقول في نغمة تصالحية: «تتحقق هذه المعجزة بسبب انتصار الرأسمالية والنظام الديمقراطي الذي يدعمها، والذي تدعمه هي أيضاً».
ما هو سر انتصار الرأسمالية هذه؟ يعزو المؤلف ذلك إلى عدة عوامل، ولكن ليس بيقين، فـ«ربما كان الفكر المسيحي (وليس بالضرورة الكنيسة)، وربما الثورة الصناعية، ثم الثورة التكنولوجية، وربما دور بريطانيا التاريخي (سماه ثورة الفيلسوف لوك)»، كما يقول.
ومن المفارقات أنه يرى أن الظروف التي كانت وراء نجاح الرأسمالية في الماضي، صارت تهددها في الحاضر. ويجمع هذه في 4 عوامل، كما أشرنا:
الأول: القبلية (في الماضي، كانت غزوات الفايكنغ، والتتار، والمغول، وغيرهم. وفي الحاضر، التجمعات العرقية، وما يسميها «سياسات العرق»).
الثاني: الشعوبية (في الماضي، كانت صراعات الألمان والسكسون والسلافيين وغيرهم. وفي الحاضر، تصويت الأميركيين للرئيس دونالد ترمب، رافع شعار «أميركا أولاً»).
الثالثة: الوطنية (في الماضي، كانت الحروب بين الدول الغربية الرأسمالية نفسها. وفي الحاضر، مرة أخرى: شعار «أميركا أولاً»).
الرابعة: التركيز على الهوية (في الماضي، كانت الهوية قبلية. وفي الحاضر، عادت من دون كلمة «قبيلة»؛ حلت محلها كلمات حضارية وحديثة، مثل: الإثنية).
وأخيراً، يحذر غولدبيرغ من أن هذه الأخطار لم تختفِ بعد نجاح الرأسمالية خلال مئات السنين الأخيرة، لكنها كانت تحت السطح (خصوصاً وسط الغربيين، ووسط الليبراليين أنفسهم بشكل أخص)، ويؤكد أنها يمكن أن تعود إلى السطح، وتكون سبب «انتحار الغرب»، وسبب فشل الرأسمالية والديمقراطية «اللتين يدعم بعضها بعضاً»، كما يقول.
وفي الشهر الماضي، صدر كتاب بالعنوان نفسه، كتبه جونا غولدبيرغ، ويذكر أن الديمقراطية الأميركية تحديداً تواجه 4 أخطار: القبلية، والشعوبية، والوطنية، وسياسات الهوية.
كان مؤلف الكتاب الأول شيوعياً (في ثلاثينات القرن الماضي)، ثم صار ليبرالياً، ثم أخذ يتبنى طروحات اليمين. غير أن مؤلف الكتاب الثاني يميني «معتق»، ومن بين كتبه: «الفاشية الليبرالية» و«تسلط الشعارات: كيف يكذب الليبراليون في حرب الأفكار».
هكذا، في جانب، خاف يساري من «انتحار الغرب»، وقال إن جشع وظلم الرأسمالية يمكن أن يقود إلى ذلك. وفي جانب، خاف يميني من «انتحار الغرب»، وقال إن سقوط الرأسمالية يمكن أن يقود إلى ذلك.
لم ينكر غولدبيرغ (اليميني) ما سماه بيرنهام (اليساري) «عقدة ذنب الغرب»، وكرر ذكر تناقضات حادة في تاريخ الغرب، منها: الاعتماد على القوة العسكرية، وتفضيل المصالح على المبادئ، والاستعلاء على شعوب العالم الثالث، وقبل ذلك استعمارها. لكن غولدبيرغ قال إن التناقض الأهم هو في أعماق الغربيين أنفسهم.
كيف ذلك؟ إنهم - حسب رأيه - غير قادرين على استيعاب النجاحات التي حققوها خلال مئات السنين: بداية بالإصلاح الديني، ثم الهوية الوطنية، ثم الثورة الصناعية، ثم التنوير، ثم التوسعات الاقتصادية والعسكرية، ثم الحكم الديمقراطي، ثم الانتصار على الأعداء (الشيوعية والنازية).
يقول: «ها نحن نستمتع بالحياة كما لم يستمع بها ناس في تاريخ البشرية. أسسنا حضارة عملاقة، وحققنا إنجازات علمية، واتجهنا نحو الحرية، وأصبحنا قادرين على حماية أنفسنا (القوة العسكرية)، وأسسنا أنظمة دستورية، تعتمد على القانون والنظام والتأدب، وأخلصنا في شيئين هامين: العمل الجاد، والترفيه الجاد».
ويسرد في نهاية الكتاب قائمة طويلة عبر 27 صفحة عن «إنجازات الغرب الرأسمالي»، مثل: ثروة أكثر، وتعليم أكثر، وأمراض أقل، وجهل أقل، وزيادة القدرة على الإنتاج الزراعي، وزيادة أعمار الناس، والاقتراب من علاج حاسم لمرض السرطان.
لماذا حدث هذا؟
يقول: «وضعت الرأسمالية نظاماً لم يشهد العالم مثيلاً له، فهي لم تعطِ الناس حرية أن يبدعوا وينتجوا ويثروا فقط، ولكن أيضاً حرية الاستمتاع بكل ذلك». ويستعمل المؤلف كلمة «ميراكيل» (معجزة) في وصف هذه الإنجازات الرأسمالية، بل يضع الكلمة مكان كلمة «رأسمالية».
لا ينكر المؤلف، وهو اليميني المعتق، دور الليبرالية، لكنه يركز على دعوتها للحرية الرأسمالية أكثر من تركيزه عليها كعقيدة شاملة تدعو أيضاً إلى الحرية الفردية والحرية الاجتماعية. ويقول في نغمة تصالحية: «تتحقق هذه المعجزة بسبب انتصار الرأسمالية والنظام الديمقراطي الذي يدعمها، والذي تدعمه هي أيضاً».
ما هو سر انتصار الرأسمالية هذه؟ يعزو المؤلف ذلك إلى عدة عوامل، ولكن ليس بيقين، فـ«ربما كان الفكر المسيحي (وليس بالضرورة الكنيسة)، وربما الثورة الصناعية، ثم الثورة التكنولوجية، وربما دور بريطانيا التاريخي (سماه ثورة الفيلسوف لوك)»، كما يقول.
ومن المفارقات أنه يرى أن الظروف التي كانت وراء نجاح الرأسمالية في الماضي، صارت تهددها في الحاضر. ويجمع هذه في 4 عوامل، كما أشرنا:
الأول: القبلية (في الماضي، كانت غزوات الفايكنغ، والتتار، والمغول، وغيرهم. وفي الحاضر، التجمعات العرقية، وما يسميها «سياسات العرق»).
الثاني: الشعوبية (في الماضي، كانت صراعات الألمان والسكسون والسلافيين وغيرهم. وفي الحاضر، تصويت الأميركيين للرئيس دونالد ترمب، رافع شعار «أميركا أولاً»).
الثالثة: الوطنية (في الماضي، كانت الحروب بين الدول الغربية الرأسمالية نفسها. وفي الحاضر، مرة أخرى: شعار «أميركا أولاً»).
الرابعة: التركيز على الهوية (في الماضي، كانت الهوية قبلية. وفي الحاضر، عادت من دون كلمة «قبيلة»؛ حلت محلها كلمات حضارية وحديثة، مثل: الإثنية).
وأخيراً، يحذر غولدبيرغ من أن هذه الأخطار لم تختفِ بعد نجاح الرأسمالية خلال مئات السنين الأخيرة، لكنها كانت تحت السطح (خصوصاً وسط الغربيين، ووسط الليبراليين أنفسهم بشكل أخص)، ويؤكد أنها يمكن أن تعود إلى السطح، وتكون سبب «انتحار الغرب»، وسبب فشل الرأسمالية والديمقراطية «اللتين يدعم بعضها بعضاً»، كما يقول.