د. أحمد جوهري : صدر للباحث أحمد سَتِّي المختص في السيكولوجيا المرضية عند المهاجرين كتاب باللغة الفرنسية يؤسس علما جديدا في مجال السيكولوجيا يحمل عنوان :
NAISSANCE DE LA PSYONIQUE
Introduction à la psychologie du non-équilibre
يهتم أحمد سَتِّي في هذا الكتاب بتطبيق نظريات التعقيد(les théories de la complexité) في ميدان السيكولوجيا السريرية. فبعد المقاربة البيولوجية-الطاقية و المقاربة النسقية للنفس، تسعى مقاربته الجديدة إلى تطبيق نظرية »الفوضى الخلاقة « -ذائعة الصيت- في ميدان السيكولوجيا، وهو ما قاده إلى صياغة علم جديد سماه : سيكولوجيا اللاتوازن، اسم استلهمه من عالم الفيزياء الشهير Ilya PRIGOGINE الذي أبدع في ستينيات القرن العشرين علما جديدا أطلق عليه اسم فيزياء اللاتوازنLa physique du non-équilibre .
وقد كتب له المقدمة المحلل النفسي الإيطالي Mario Pigazzini الذي تنبأ لسيكولوجيا اللاتوازن بمستقبل زاهر. أما عالم النفس النمساوي و رئيس معهد البحث المتعاضد والسيكولوجيا العلاجية The Institute for Synergetics and Psychotherapy Research” الأستاذ كونتر شيبك SCHIEPEK Günter فقد رأى أن الكتاب يساهم في تأسيس سيكولوجيا القرن الحادي و العشرين و تنبأ للسيونكا (سيكولوجيا اللاتوازن) بمستقبل كبير.
تعد سيكولوجيا اللاتوازن فرعا جديدا من فروع السيكولوجيا يهتم بدراسة حالات » الفوضى النفسية« التي تظهر بعيدا عن التوازن بعد انتقال زمكاني غير رجعي للشخص. إذ يفترض الكاتب أن النفس يمكن أن تُدرس -كما في الفيزياء- في واحدة من هذه الحالات الثلاث : التوازن، أو قربَ التوازن أو بعيدا عن التوازن. وهذه الحالة الثالثة هي التي تبدو فيها ظاهرة جديدة تسمى الشعث النفسي (نختار لفظ الشعث بدلا من لفظ فوضي الذي يستعمله آخرون مقابل اللفظ الأجنبي chaos) ، وتكتسب فيها النفس خصائص جديدة كما تَلِجُ نظاما جديدا من العمل. و نظرا للعديد من الاعتبارات التي تأخذها كل مقاربة على حدة مثل طبيعة الاضطرابات النفسية )العصاب، أو الذهان ، أو الشعث النفسي) ، ومفهوم السببية ( الخطية linéaire ، ودوران العلة و المعلول circulaire، و اللاخطية non-linéaire)، يرى المؤلف أن سيكولوجيا اللاتوازن ستأتي مباشرة بعد التحليل النفسي الفرويدي و السيكولوجيا النسقية التي وضع أسسها الأنثروبولوجي بتيسونGregory Bateson .
في الفصل الأول من الكتاب يسعى أحمد سَتِّي إلى رسم الحدود بين التحليل النفسي و السيكولوجيا النسقية و علم السيونيكا اعتمادا على مجموعة من المعايير. فقد نشأ العلمان الأول والثاني بالتتالي من دراسات العُصاب و الذهان ثم نشأت سيكولوجيا اللاتوازن من الشعث النفسي، و يقدم الكاتب في هذا الفصل نظرة تاريخية تساعد على توضيح عملية تَحَوُّل أنموذج(paradigme) كل واحد من هذه العلوم وموضوع دراستها ومناهج بحثها.
أما الفصل الثاني فخصصه لمفهوم الأزمة في السيكولوجيا، إذ حدد فيه تيارا سماه تيارالأزْمِيَّة ( le courant crisologique ) الذي تعد سيكولوجيا اللاتوازن امتدادا له. ولتوضيح مفهوم الأزمة الغامض قام بمقارنته بمفاهيم قريبة إليه نسبيا (كالنزاعle conflit ، والكارثة la catastrophe، وغيرها) ثم ميز بين مختلف التصورات التي يحيل عليها هذا المفهوم وأدمج تصورا ثالثا عن الأزمة في السيكولوجيا هو الوحيد الذي يمكنه أن ينتبه إلى ما يسميه بالتنظيم الذاتي النفسي(l’auto-organisation psychique.)
أما الفصل الثالث فخصصه لنظرية التنظيم الذاتي (self-organization) وتطبيقاتها المحتملة في ميدان السيكولوجيا المرضية. فإذا كان مفهوم النمو أساسيا بالنسبة للتحليل النفسي، ومفهوم الضبط أساسيا بالنسبة للسيكولوجيا النسقية فإن مفهوم التنظيم -الذاتي أساسي لسيكولوجيا اللاتوازن لأن هذه العملية التي تكمن في إعادة بناء النظام النفسي لا تبدأ إلا بعيدا عن التوازن.
و في الفصل الرابع يفصل الكاتب الحديث عن تيار الأزمية في السيكولوجيا قبل أن يعتمد في الفصل الخامس الى معطيات سريريه نابعة من سيكولوجيا مرضية عند المهاجرين يبين الطريقة َالتي تدعم بها هذه المعطيات السريرية فرضياته.
أما الفصل السادس فقد خصصه لتطبيقات نظرية الشعث في السيكولوجيا المرضية و العلاج النفسي و خلص فيه إلى أن نظرية الشعث (la théorie du chaos) لم تكن هي العلاج الذي انتظره معالجو النفس وأن الأمل المعقود عليها لتجديد السيكولوجيا المرضية قد خاب. وبعد إبراز هذا الفشل النسبي اقترح في الفصل السابع مقاربة جديدة تحاول ربط علوم التعقيد و الشعث بالسيكولوجيا المرضية. ولهذا الغرض رأى أنه يجب على سيكولوجيا اللاتوازن مثل جميع الفروع العلمية المبنية أن تبين أساسها الإبستمولوجي بتوضيحها للأنموذج الذي تحيل عليه ومجال بحثها ومنهج مقاربتها. كما وقف في هذا الفصل على إشكالية العلاج النفسي و أكد فيه أنه لا يقترح دليلا مدرسيا ولا وصفة جاهزة لعلاج الشُّعاث) و هو المصطلح العربي الذي نقترحه مقابل المصطلح الفرنسي psychaose الذي أضافه أحمد سَتِّي الى معجم الطب النفسي) بل يكتفي بفتح طرق الاستكشاف للمعالجين المهتمين بالأمراض النفسية العابرة. (Les psychopathologies transitoire)
أما الفصل الأخير فيواجه فيه المؤلف بين التحليل النفسي و سيكولوجيا اللاتوازن على مستويات عدة. و هنا يمكن ان نتحدث عن قلب للفرودية كما هو متعارف عليها. فإذا كان فرويد يرى في الماضي السبب لكل الاضطرابات النفسية فإن أحمد سَتِّي يبرهن -و ربما للمرة الأولى في تاريخ علم النفس- على ان سبب حدوث الشعث النفسي يوجد في المستقبل. و انطلاقا من من هذه الفرضية –الغريبة شيئا– ما يضيف الى مفهومي الشعور و اللاشعور بنية ثالثة أطلق عليها اسم الشعور المتعالي .Le Transconscient :
يبقى ان أشير الى أن الكتاب هدية من أحمد إلى حبيبة العمر “سمراء اليوسفية” التى تعرف عليها أواخر السبعينات حين كان طالبا بجامعة محمد الخامس بمدينة الرباط و هي تلميذة بثانوية أم البنين بحي مابيلا الجميل. و كان لقاؤهما بالمصادفة في شارع علال بن عبد الله، بعد فراق دام أكثر من ثلاثين سنة، وهو الأثر البالغ الذي دفعه إلى نشر الكتاب. كما أشير إلى أن الترجمة العربية لهذا الكتاب ستصدر قريبا بحول الله.
« Non-equilibrium psychology » أول علم حديث يكتب باسم مغربي-عربي. لذلك و بعد مدرسة فيينا التي أسسها سيغموند فرويد و تلامذته و مدرسة بالو-آلطو الأمريكية الشهيرة(L’école de Palo-Alto) أنشأ أحمد سَتّي »”مدرسة الرباط للأبحاث النفسية «، وهو أول مركز لدراسة السيكولوجيا اللاخطية نتمنى أن يجد كل الدعم حتى يكون له الإشعاع العالمي الذي يستحقه.
Ecole de Rabat
« Centre d’étude des non-linéarités psychiques »
للمزيد من المعلومات حول هذه المدرسة و كيفية الالتحاق بها او الإطلاع على الكتاب و تحميل