حصلت في بحر الأسبوع الماضي في المغرب خمسة مؤشرات تعطي صورة عن الاحتقان الاجتماعي، ودرجة وعي السلطة السياسية بمخاطره، والجدية التي تطبع تصرفها في التعاطي معه.
أول هذه المؤشرات، هو الخروج الإعلامي للمدير العام لشركة سنطرال دانون، الذي كشف حجم الضرر الذي ألحقته المقاطعة بشركته، والقرارات التي ستتخذها تفاعلا مع هذه المتغيرات، إذ لم يكتف المدير العام بالاعتراف بأثر هذه المقاطعة، ولكنه تحدث عن فعل اجتماعي غير معهود، ولم يسبق للشركة أن واجهت تحديا مثله، كما اعتراف بفشل كل الحملات التواصلية التي قامت بها شركته لاحتواء تداعياته، مع ممارسة قدر كبير من الضغط على الحكومة، من خلال اتخاذ قرار تخفيض نسبة التوريد من تعاونيات جمع الحليب بـ 30 في المائة، وتسريح عدد مهم من العمال الذين لم يتجاوز عقدهم مع الشركة ستة أشهر حسب تصريحه.
ثاني هذه المؤشرات، هو خروج وزير الحكامة والشؤون العامة السيد لحسن الداودي، بقرار جريء، يحاول امتصاص الغضب الشعبي حول ارتفاع أسعار المحروقات، وكذا تداعيات تقرير اللجنة الاستطلاعية حول هذه الأسعار الذي كشف الاحتكار البشع الذي تمارسه شركات المحروقات لتحقيق أرباح خيالية على حساب القدرة الشرائية للمواطنين، إذ ساير الوزير بعض توصيات هذه اللجنة، وقررت الحكومة تبعا لذلك أن تصدر مرسوما يسقف أسعار المحروقات، ويقيد مساحة المناورة الربحية للشركات.
ثالث هذه المؤشرات، هو تداعي الأغلبية الحكومية للاجتماع بعد خلافات طويلة، وطرح المسألة الاجتماعية للنقاش، وفي عمقها حماية القدرة الشرائية للمواطنين، وإعادة إحياء ملف الحوار الاجتماعي مع النقابات، ورمي الكرة في ملعبها بخصوص توقيع الاتفاق والإعراب عن قدر كبير من المرونة لتوقيع هذا الاتفاق، ومحاولة تبشير الجمهور باستعداد الحكومة بالرفع من الأجور. وضمن نفس المؤشر يمكن أن نقرأ مذكرة حزب الاستقلال إلى رئيس الحكومة بتعديل قانون المالية والتنصيص ضمن هذا التعديل على الزيادة في الأجور.
رابع هذه المؤشرات، وهو انطلاق حملة مقاطعة جديدة تستهدف مهرجان موازين على خلفية الأموال الضخمة التي ترصد للفنانين الأجانب على حساب مستوى العيش المتدني الذي تعيشه عدد واسع من الأسر المغربية
أما المؤشر الخامس ذو التجلي السياسي، فتمثل في ترسيم نهاية دور إلياس العماري في قيادة حزب الأصالة والمعاصرة، مع ظهور توتر في العلاقة بين مكوني فريق الأحرار بالبرلمان، وامتعاض الاتحاد الدستوري من هيمنة الأحرار على الفريق البرلماني المشترك.
في المشهد العام، تبدو قضية شركة سنطرال دانون وخروجها الإعلامي جزئيا، فالشركة المتضررة من وقع المقاطعة الشعبية، تستعمل ورقة الفلاحين والعمال للضغط على الدولة للتدخل لإنقاذها، ويبدو أنها استعملت هذه الورقة مبكرا، وتفاعلت معها الحكومة إيجابا في السابق، لما خرجت بخطاب تصعيدي تهديدي للمقاطعين، واستندت إلى حجة أن المتضرر الأكبر من المقاطعة سيكون الفلاحين، وأن الشركة لا تجني ربحا أكبر من 20 سنتيما في اللتر الواحد.
لكن ما يهم في خروج المدير العام للشركة، ليس هي الأوراق التي تستعملها شركته للدفاع عن مصالحها، ولكن، توصيفه للمقاطعة وأثرها بأن الشركة لم تعرف هذا التحدي من قبل، وهو توصيف يكشف إلى أي حد بلغ الاحتقان الاجتماعي في المغرب على خلفية تضرر القدرة الشرائية للمواطنين.
أما المؤشرات المندرجة ضمن فعل الحكومة، أو فعل الأغلبية، فيسير في الاتجاه نفسه، أي الإقرار بمخاطر الاحتقان الاجتماعي، والدرجة التي بلغها، مع الحاجة السريعة والفورية للتفاعل معها بقرارات مقنعة وقادرة على التهدئة، واستباق الزمن، قبل أن يغادر الاحتقان الاجتماعي طبيعته الاجتماعية، ويتحول إلى حالة نفسية هادرة كما حدث مع منتجات شركة سنطرال دانون التي قامت بكل ما يمكنها القيام به من أجل التصالح والتفاعل الإيجابي مع المقاطعة، لكنها انتهت في آخر المطاف إلى الإعلان عما يشبه الإفلاس. ولذلك، فتحريك ملف الحوار الاجتماعي، وكذا تسقيف أسعار المحروقات، فضلا عن قرارات سابقة، تمحورت حول مراقبة الأسعار في شهر رمضان، وإيقاع العقوبات الزجرية في حق المضاربين والمحتكرين فضلا عن محارب السلع المغشوشة، كل ذلك يصب في الاتجاه نفسه.
قد تبدو المؤشرات الثلاثة الأولى منسجمة، فهي في مجموعها، تعطي صورة عن حجم الاحتقان ودرجة الوعي به، والحاجة إلى التفاعل السريع معه قبل أن يتحول إلى مقدمات لربيع ديمقراطي جديد في المغرب.
لكن، بالنسبة إلى، الدعوة لمقاطعة مهرجان موازين، وكذا المتغيرات التي حدثت مؤخرا في الحقل السياسي، فتبدو مخرجاتها متناقضة ظاهريا. فإذا كان من المفهوم أن رجوع الأمين العام لحزب الأحرار إلى الوراء، يفيد فهم رسالة الجمهور بإمكانية التضحية ببعض الرموز التي تزاوج بين المال والسلطة وربما التضحية برهان سياسي، وإذا كان من المفهوم ايضا أن التخلص من قيادة البام السابقة (إلياس العماري) تندرج ضمن،ترتيب خارطة ما قبل انتخابات 2021، وإزاحة الأوراق الخاسرة التي تسببت في وقوع السيناريوهات غير المرغوب فيها، فإن إضافة المضمون السياسي للدعوة إلى مقاطعة موازين، يجمع العناوين التي شكلت بالأمس شعارات 20 فبراير.
لحد الآن، ليست لدينا معطيات دقيقة عن حجم التفاعل مع الدعوة لمقاطعة مهرجان موازين، ولم تظهر أيضا مؤشرات على فعل استباقي من جانب السلطة السياسية بهذا الخصوص، فما برز هو التعاطي السريع والفوري مع البعد الاجتماعي في الحراك، واستباق بعض الخطوات في، ترتيب الحقل السياسي، وهو ما، يعني بأن السلطات السياسية تدرك مخاطر التعالق الموجود بين الاجتماعي والسياسي، وتسعى بشكل سريع لتحييد الاجتماعي، ومنع، سيناريو تحوله إلى مضمون سياسي.
تقديري إلى اليوم، أن لدى السلطة السياسية إمكانية للنجاح في هذا السيناريو، خاصة وأن طبيعة الحراك ومستوياته لم تصل لدرجة إنتاج جواب سياسي، لكن، التأخر أو التعثر في معالجة القضية الاجتماعية، وعدم الإقدام على خطوات اجتماعية سريعة ومقنعة، يمكن أن يدفع الاحتقان الاجتماعي إلى التحول لطلب على جواب إصلاحي ديمقراطي ربما بسقف أعلى نسبيا من سقف حركة 20 فبراير.
أول هذه المؤشرات، هو الخروج الإعلامي للمدير العام لشركة سنطرال دانون، الذي كشف حجم الضرر الذي ألحقته المقاطعة بشركته، والقرارات التي ستتخذها تفاعلا مع هذه المتغيرات، إذ لم يكتف المدير العام بالاعتراف بأثر هذه المقاطعة، ولكنه تحدث عن فعل اجتماعي غير معهود، ولم يسبق للشركة أن واجهت تحديا مثله، كما اعتراف بفشل كل الحملات التواصلية التي قامت بها شركته لاحتواء تداعياته، مع ممارسة قدر كبير من الضغط على الحكومة، من خلال اتخاذ قرار تخفيض نسبة التوريد من تعاونيات جمع الحليب بـ 30 في المائة، وتسريح عدد مهم من العمال الذين لم يتجاوز عقدهم مع الشركة ستة أشهر حسب تصريحه.
ثاني هذه المؤشرات، هو خروج وزير الحكامة والشؤون العامة السيد لحسن الداودي، بقرار جريء، يحاول امتصاص الغضب الشعبي حول ارتفاع أسعار المحروقات، وكذا تداعيات تقرير اللجنة الاستطلاعية حول هذه الأسعار الذي كشف الاحتكار البشع الذي تمارسه شركات المحروقات لتحقيق أرباح خيالية على حساب القدرة الشرائية للمواطنين، إذ ساير الوزير بعض توصيات هذه اللجنة، وقررت الحكومة تبعا لذلك أن تصدر مرسوما يسقف أسعار المحروقات، ويقيد مساحة المناورة الربحية للشركات.
ثالث هذه المؤشرات، هو تداعي الأغلبية الحكومية للاجتماع بعد خلافات طويلة، وطرح المسألة الاجتماعية للنقاش، وفي عمقها حماية القدرة الشرائية للمواطنين، وإعادة إحياء ملف الحوار الاجتماعي مع النقابات، ورمي الكرة في ملعبها بخصوص توقيع الاتفاق والإعراب عن قدر كبير من المرونة لتوقيع هذا الاتفاق، ومحاولة تبشير الجمهور باستعداد الحكومة بالرفع من الأجور. وضمن نفس المؤشر يمكن أن نقرأ مذكرة حزب الاستقلال إلى رئيس الحكومة بتعديل قانون المالية والتنصيص ضمن هذا التعديل على الزيادة في الأجور.
رابع هذه المؤشرات، وهو انطلاق حملة مقاطعة جديدة تستهدف مهرجان موازين على خلفية الأموال الضخمة التي ترصد للفنانين الأجانب على حساب مستوى العيش المتدني الذي تعيشه عدد واسع من الأسر المغربية
أما المؤشر الخامس ذو التجلي السياسي، فتمثل في ترسيم نهاية دور إلياس العماري في قيادة حزب الأصالة والمعاصرة، مع ظهور توتر في العلاقة بين مكوني فريق الأحرار بالبرلمان، وامتعاض الاتحاد الدستوري من هيمنة الأحرار على الفريق البرلماني المشترك.
في المشهد العام، تبدو قضية شركة سنطرال دانون وخروجها الإعلامي جزئيا، فالشركة المتضررة من وقع المقاطعة الشعبية، تستعمل ورقة الفلاحين والعمال للضغط على الدولة للتدخل لإنقاذها، ويبدو أنها استعملت هذه الورقة مبكرا، وتفاعلت معها الحكومة إيجابا في السابق، لما خرجت بخطاب تصعيدي تهديدي للمقاطعين، واستندت إلى حجة أن المتضرر الأكبر من المقاطعة سيكون الفلاحين، وأن الشركة لا تجني ربحا أكبر من 20 سنتيما في اللتر الواحد.
لكن ما يهم في خروج المدير العام للشركة، ليس هي الأوراق التي تستعملها شركته للدفاع عن مصالحها، ولكن، توصيفه للمقاطعة وأثرها بأن الشركة لم تعرف هذا التحدي من قبل، وهو توصيف يكشف إلى أي حد بلغ الاحتقان الاجتماعي في المغرب على خلفية تضرر القدرة الشرائية للمواطنين.
أما المؤشرات المندرجة ضمن فعل الحكومة، أو فعل الأغلبية، فيسير في الاتجاه نفسه، أي الإقرار بمخاطر الاحتقان الاجتماعي، والدرجة التي بلغها، مع الحاجة السريعة والفورية للتفاعل معها بقرارات مقنعة وقادرة على التهدئة، واستباق الزمن، قبل أن يغادر الاحتقان الاجتماعي طبيعته الاجتماعية، ويتحول إلى حالة نفسية هادرة كما حدث مع منتجات شركة سنطرال دانون التي قامت بكل ما يمكنها القيام به من أجل التصالح والتفاعل الإيجابي مع المقاطعة، لكنها انتهت في آخر المطاف إلى الإعلان عما يشبه الإفلاس. ولذلك، فتحريك ملف الحوار الاجتماعي، وكذا تسقيف أسعار المحروقات، فضلا عن قرارات سابقة، تمحورت حول مراقبة الأسعار في شهر رمضان، وإيقاع العقوبات الزجرية في حق المضاربين والمحتكرين فضلا عن محارب السلع المغشوشة، كل ذلك يصب في الاتجاه نفسه.
قد تبدو المؤشرات الثلاثة الأولى منسجمة، فهي في مجموعها، تعطي صورة عن حجم الاحتقان ودرجة الوعي به، والحاجة إلى التفاعل السريع معه قبل أن يتحول إلى مقدمات لربيع ديمقراطي جديد في المغرب.
لكن، بالنسبة إلى، الدعوة لمقاطعة مهرجان موازين، وكذا المتغيرات التي حدثت مؤخرا في الحقل السياسي، فتبدو مخرجاتها متناقضة ظاهريا. فإذا كان من المفهوم أن رجوع الأمين العام لحزب الأحرار إلى الوراء، يفيد فهم رسالة الجمهور بإمكانية التضحية ببعض الرموز التي تزاوج بين المال والسلطة وربما التضحية برهان سياسي، وإذا كان من المفهوم ايضا أن التخلص من قيادة البام السابقة (إلياس العماري) تندرج ضمن،ترتيب خارطة ما قبل انتخابات 2021، وإزاحة الأوراق الخاسرة التي تسببت في وقوع السيناريوهات غير المرغوب فيها، فإن إضافة المضمون السياسي للدعوة إلى مقاطعة موازين، يجمع العناوين التي شكلت بالأمس شعارات 20 فبراير.
لحد الآن، ليست لدينا معطيات دقيقة عن حجم التفاعل مع الدعوة لمقاطعة مهرجان موازين، ولم تظهر أيضا مؤشرات على فعل استباقي من جانب السلطة السياسية بهذا الخصوص، فما برز هو التعاطي السريع والفوري مع البعد الاجتماعي في الحراك، واستباق بعض الخطوات في، ترتيب الحقل السياسي، وهو ما، يعني بأن السلطات السياسية تدرك مخاطر التعالق الموجود بين الاجتماعي والسياسي، وتسعى بشكل سريع لتحييد الاجتماعي، ومنع، سيناريو تحوله إلى مضمون سياسي.
تقديري إلى اليوم، أن لدى السلطة السياسية إمكانية للنجاح في هذا السيناريو، خاصة وأن طبيعة الحراك ومستوياته لم تصل لدرجة إنتاج جواب سياسي، لكن، التأخر أو التعثر في معالجة القضية الاجتماعية، وعدم الإقدام على خطوات اجتماعية سريعة ومقنعة، يمكن أن يدفع الاحتقان الاجتماعي إلى التحول لطلب على جواب إصلاحي ديمقراطي ربما بسقف أعلى نسبيا من سقف حركة 20 فبراير.
٭ كاتب وباحث مغربي
عن القدس العربي