يتضمن كتاب "الأغنية الشعبية في مصر" لمؤلفته د. ياسمين فراج مقاربة نقدية تحليلية وسيسيولوجية للأغنية الشعبية في مصر، مدعومة باستبيانات لآراء الجمهور، فالأغنية
الشعبية هي التي تنبع من أزقة وحارات وضواحي ونجوع وقرى مصر؛ لتعكس منظومة القيم السائدة لمنتجي هذه النوعية من الأغنيات وجمهورها. كما أن تطور الأغنية الشعبية يُفصح عن تغيُّر منظومة القيم المجتمعية في كل من الحِقب الزمنية التي أنتجت فيها.
وقد شهدت مصر في عصرها الحديث والمعاصر أحداثًا جِسامًا وتغيرات ثقافية أثرت على المجتمع المصري تأثيرًا كبيرًا بالسلب أو بالإيجاب، وبسبب تلك الأحداث الجِسام التي شهدها المجتمع المصري أو الهيمنة الثقافية التي فرضها علينا العالم الغربي أو كلاهما معًا، فقد تغيَّر شكل ومضمون ومفهوم الأغنية الشعبية وتغيَّر جمهورها.
ومن خلال دراسة الأغنية الشعبية يمكن أن نضع أيدينا على ماهية ومشكلات الشرائح المجتمعية المُنتجة والمُتلقية لها؛ لنضعها نصب أعين المسؤولين وأولي الأمر. فقد سبق وأكد أرسطو على أهمية الفن لسياسات الدول بقوله: "إن الفن يمكن أن يُعَد سياسة لو قُدِّرت أهميته تقديرًا سديدًا"، وهنا تكمن أهمية البحث العلمي في مجال الفنون.
وتعتبر الكاتبة أن علاقة الفن بالمجتمع علاقة تبادلية، فدائمًا ما تؤثر الأحداث الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المبدعين أو العاملين بالحقل الفني، وكذلك تؤثر الفنون في مشاعر وأحاسيس أفراد المجتمع خصوصًا الموسيقى والغناء.
ويبحث الكتاب في التغيرات التي طرأت على المجتمع من خلال الأغنية الشعبية المصرية، فهي دراسة خاصة تنتمي إلى علم الاجتماع الموسيقي اعتمدت فيها المؤلفة على منهج السيميولوجيا الاجتماعية، "وهي محاولة منهجية لسحب السيميولوجيا، بما هي دراسة لحياة العلامات إلى الحقل الاجتماعي والموسيقي، لربطهم منهجيًا ضمن مجال معرفي واحد".
إن السيميولوجيا الاجتماعية يمكن أن يكون فهمها أرحب لأفق العلامة، فتنسحب أيضًا على التعبيرات الاجتماعية والثقافية في تنوعها. الحركة – مثلاً – علامة اجتماعية تحتاج إلى قراءة وتأويل، وكذلك النظام السياسي والممارسات الاحتفالية والدينية وعلاقات القرابة يمكن أن تستبطن أنظمة من العلامات التي يفترض تكوينها. توجد علامات خفية لا يمكن إدراكها في التعبيرات اللغوية فقط، بل أيضًا في مختلف الأشكال الاجتماعية الأخرى، كالموضة والرقص والغناء – وغيرها.
تهتم هذه الدراسة بالأغنية الشعبية التي تنتجها شرائح الطبقة المتوسطة وما دونها وهي تلك الشرائح المجتمعية التي تكون قوة ضاغطة على أي نظام سياسي، فهم أغلبية تعداد سكان مصر والقوة الضاربة في الانتفاضات والثورات، وتلك الأغنيات التي ينتجها أبناء الطبقات الوسطى والأدنى منها تعبر عن واقعهم وأحاسيسهم، ومن خلال دراستها يمكن وضع أيدينا على مشكلات هذه الشرائح.
وترى الكاتبة أن الغناء الشعبي تأثر بثلاث فترات زمنية وقعت فيها أحداث سياسية جِسام في مصر، وهي كالتالي: في الفترة من 23 يوليو/تموز 1952 إلى هزيمة 1967، في فترة ما بعد هزيمة يونيو/حزيران 1967 إلى انتصارات أكتوبر/تشرين الأول 1973 وما بعدها، في الفترة من اندلاع انتفاضة 25 يناير/كانون الثاني 2011 وما بعدها.
لذا تعتبر أن التغيرات التي طرأت على مفهوم، وشكل ومضمون الأغنية الشعبية المصرية منذَ 23 يوليو/تموز 1952 وحتى عام 2015. وهذا يطرح سؤاله عن القيم الاجتماعية التي روجت لها الأغنيات الشعبية بعد الأحداث السياسية الجِسام في تاريخ مصر الحديث والمعاصر. أيضا السؤال حول التغيرات التي طرأت على البنية الموسيقية للأغنية الشعبية المصرية، والاجتماعية في الفترات المختلفة خلال القرن العشرين والحادي والعشرين، ثم تحديد أنواع الغناء الشعبي التي ظهرت في مصر.
فنون تلقائية
ضم الكتاب بين دفتيه خمسة فصول، حيث جاء الفصل الأول بعنوان "إشكالية مصطلح شعبي"، وتستعرض فيه آراء الباحثين والخبراء حول مفهوم مصطلح الغناء الشعبي، والمصطلحات المنبثقة منه.
الفصل الثاني بعنوان "الأغنية الشعبية الفلكلورية"، وتستعرض فيه نماذج من الأغنيات الفلكلورية المصرية من محافظات مختلفة وتحليل الفروقات بين بعضها البعض على مستوى النص الشعري والموسيقي وعلامتها الاجتماعية.
الفصل الثالث بعنوان "الأغنية الشعبية بعد يوليو 1952". تستعرض من خلاله نماذج لبعض الأغنيات الشعبية وتحليلها تحليلاً سيميولوجيًا على مستوى الشكل والمضمون.
الفصل الرابع بعنوان "الأغنية الشعبية بعد هزيمة 67 إلى نصر أكتوبر 73 وما بعده"، وتقدم من خلاله نماذج لبعض الأغنيات الشعبية وتحليلها تحليلاً سيميولوجيًا على مستوى الشكل والمضمون، وأبرز أعلام الأغنية الشعبية في هذه المرحلة.
الفصل الخامس بعنوان "الأغنية الشعبية في عصر ما بعد الحداثة"، وتستعرض فيه أهم ما قيل حول مفهوم وتعريف ما بعد الحداثة، ونماذج لأنماط الغناء الشعبي ما بعد الحداثي وتحليلها تحليلاً موسيقيًا وسيميولوجيًا على مستوى الشكل والمضمون.
الفصل السادس بعنوان "نقد تحليلي لأغنيات شعبية"، تطرح فيه المؤلفة تحليل ونقد بعض الأغنيات الشعبية بأنواعها المختلفة، والإجابة على تساؤلات الدراسة السابق ذكرها.
ويمكننا استنتاج أن كلمة "فلكلور" تشير إلى الفنون التلقائية التي تنتجها مجموعة من البشر ينتمون إلى بيئة لها تقاليد وعادات واحدة، يعتمدون في إنتاجهم للفن على الفطرة وليس على أسس علمية أو معرفية، وهم في الغالب فئة مجتمعية من أصحاب المهن المتعلقة بالأعمال اليدوية مثل: “العُمال والزُراع والراعاة والصيادون، وغيرهم، كل منهم له الزي الذي يتناسب مع طبيعة مهنته وكذلك الأغنيات التي تناسب طبيعة عمله والآلات الموسيقية التي تُصنع من الخامات البيئية المتاحة في الرقعة الجغرافية التي يعيش فيها وتتناسب مع طبيعة مهنته.
بالمثل نجد أن هناك غناءً تلقائيًا تنتجه النساء والأطفال الذين يعيشون في بيئة مجتمعية وجغرافية لها تقاليدها وعاداتها ومعتقداتها الخاصة يعبرون من بها عن أفراحهم وأحزانهم، محبتهم وغضبهم، بيئتهم وأرضهم، وحتى ألعابهم.
جميع ما يُنتج من فنون تلقائية اعتمد في إبداعه الأول على الارتجال الفوري من شخص أو أكثر في جلسة واحدة، ثم أخذ في التداول الشفهي الذي يحتفظ بالشكل العام للحن والشطرات الأساسية (المردات، وبالاصطلاح الموسيقي سينبو) للأغنية، ولكن يمكن الإضافة أو الحذف بحسب إحساس كل فرد يتداولها، ومع مرور الزمن وتداول عدد كبير من الأفراد لهذه الأغنيات يُنسَى مبدعها الأول وتصبح أعمالاً غنائية بسيطة البناء الموسيقي يطلق عليها فلكلور؛ أي ما أنتجه شريحة مجتمعية من الشعب في بلد ما.
يذكر أن كتاب "الاغنية الشعبية في مصر" لمؤلفته د. ياسمين فراج صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2018. (خدمة وكالة الصحافة العربية)
الشعبية هي التي تنبع من أزقة وحارات وضواحي ونجوع وقرى مصر؛ لتعكس منظومة القيم السائدة لمنتجي هذه النوعية من الأغنيات وجمهورها. كما أن تطور الأغنية الشعبية يُفصح عن تغيُّر منظومة القيم المجتمعية في كل من الحِقب الزمنية التي أنتجت فيها.
وقد شهدت مصر في عصرها الحديث والمعاصر أحداثًا جِسامًا وتغيرات ثقافية أثرت على المجتمع المصري تأثيرًا كبيرًا بالسلب أو بالإيجاب، وبسبب تلك الأحداث الجِسام التي شهدها المجتمع المصري أو الهيمنة الثقافية التي فرضها علينا العالم الغربي أو كلاهما معًا، فقد تغيَّر شكل ومضمون ومفهوم الأغنية الشعبية وتغيَّر جمهورها.
ومن خلال دراسة الأغنية الشعبية يمكن أن نضع أيدينا على ماهية ومشكلات الشرائح المجتمعية المُنتجة والمُتلقية لها؛ لنضعها نصب أعين المسؤولين وأولي الأمر. فقد سبق وأكد أرسطو على أهمية الفن لسياسات الدول بقوله: "إن الفن يمكن أن يُعَد سياسة لو قُدِّرت أهميته تقديرًا سديدًا"، وهنا تكمن أهمية البحث العلمي في مجال الفنون.
وتعتبر الكاتبة أن علاقة الفن بالمجتمع علاقة تبادلية، فدائمًا ما تؤثر الأحداث الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المبدعين أو العاملين بالحقل الفني، وكذلك تؤثر الفنون في مشاعر وأحاسيس أفراد المجتمع خصوصًا الموسيقى والغناء.
ويبحث الكتاب في التغيرات التي طرأت على المجتمع من خلال الأغنية الشعبية المصرية، فهي دراسة خاصة تنتمي إلى علم الاجتماع الموسيقي اعتمدت فيها المؤلفة على منهج السيميولوجيا الاجتماعية، "وهي محاولة منهجية لسحب السيميولوجيا، بما هي دراسة لحياة العلامات إلى الحقل الاجتماعي والموسيقي، لربطهم منهجيًا ضمن مجال معرفي واحد".
إن السيميولوجيا الاجتماعية يمكن أن يكون فهمها أرحب لأفق العلامة، فتنسحب أيضًا على التعبيرات الاجتماعية والثقافية في تنوعها. الحركة – مثلاً – علامة اجتماعية تحتاج إلى قراءة وتأويل، وكذلك النظام السياسي والممارسات الاحتفالية والدينية وعلاقات القرابة يمكن أن تستبطن أنظمة من العلامات التي يفترض تكوينها. توجد علامات خفية لا يمكن إدراكها في التعبيرات اللغوية فقط، بل أيضًا في مختلف الأشكال الاجتماعية الأخرى، كالموضة والرقص والغناء – وغيرها.
تهتم هذه الدراسة بالأغنية الشعبية التي تنتجها شرائح الطبقة المتوسطة وما دونها وهي تلك الشرائح المجتمعية التي تكون قوة ضاغطة على أي نظام سياسي، فهم أغلبية تعداد سكان مصر والقوة الضاربة في الانتفاضات والثورات، وتلك الأغنيات التي ينتجها أبناء الطبقات الوسطى والأدنى منها تعبر عن واقعهم وأحاسيسهم، ومن خلال دراستها يمكن وضع أيدينا على مشكلات هذه الشرائح.
وترى الكاتبة أن الغناء الشعبي تأثر بثلاث فترات زمنية وقعت فيها أحداث سياسية جِسام في مصر، وهي كالتالي: في الفترة من 23 يوليو/تموز 1952 إلى هزيمة 1967، في فترة ما بعد هزيمة يونيو/حزيران 1967 إلى انتصارات أكتوبر/تشرين الأول 1973 وما بعدها، في الفترة من اندلاع انتفاضة 25 يناير/كانون الثاني 2011 وما بعدها.
لذا تعتبر أن التغيرات التي طرأت على مفهوم، وشكل ومضمون الأغنية الشعبية المصرية منذَ 23 يوليو/تموز 1952 وحتى عام 2015. وهذا يطرح سؤاله عن القيم الاجتماعية التي روجت لها الأغنيات الشعبية بعد الأحداث السياسية الجِسام في تاريخ مصر الحديث والمعاصر. أيضا السؤال حول التغيرات التي طرأت على البنية الموسيقية للأغنية الشعبية المصرية، والاجتماعية في الفترات المختلفة خلال القرن العشرين والحادي والعشرين، ثم تحديد أنواع الغناء الشعبي التي ظهرت في مصر.
فنون تلقائية
ضم الكتاب بين دفتيه خمسة فصول، حيث جاء الفصل الأول بعنوان "إشكالية مصطلح شعبي"، وتستعرض فيه آراء الباحثين والخبراء حول مفهوم مصطلح الغناء الشعبي، والمصطلحات المنبثقة منه.
الفصل الثاني بعنوان "الأغنية الشعبية الفلكلورية"، وتستعرض فيه نماذج من الأغنيات الفلكلورية المصرية من محافظات مختلفة وتحليل الفروقات بين بعضها البعض على مستوى النص الشعري والموسيقي وعلامتها الاجتماعية.
الفصل الثالث بعنوان "الأغنية الشعبية بعد يوليو 1952". تستعرض من خلاله نماذج لبعض الأغنيات الشعبية وتحليلها تحليلاً سيميولوجيًا على مستوى الشكل والمضمون.
الفصل الرابع بعنوان "الأغنية الشعبية بعد هزيمة 67 إلى نصر أكتوبر 73 وما بعده"، وتقدم من خلاله نماذج لبعض الأغنيات الشعبية وتحليلها تحليلاً سيميولوجيًا على مستوى الشكل والمضمون، وأبرز أعلام الأغنية الشعبية في هذه المرحلة.
الفصل الخامس بعنوان "الأغنية الشعبية في عصر ما بعد الحداثة"، وتستعرض فيه أهم ما قيل حول مفهوم وتعريف ما بعد الحداثة، ونماذج لأنماط الغناء الشعبي ما بعد الحداثي وتحليلها تحليلاً موسيقيًا وسيميولوجيًا على مستوى الشكل والمضمون.
الفصل السادس بعنوان "نقد تحليلي لأغنيات شعبية"، تطرح فيه المؤلفة تحليل ونقد بعض الأغنيات الشعبية بأنواعها المختلفة، والإجابة على تساؤلات الدراسة السابق ذكرها.
ويمكننا استنتاج أن كلمة "فلكلور" تشير إلى الفنون التلقائية التي تنتجها مجموعة من البشر ينتمون إلى بيئة لها تقاليد وعادات واحدة، يعتمدون في إنتاجهم للفن على الفطرة وليس على أسس علمية أو معرفية، وهم في الغالب فئة مجتمعية من أصحاب المهن المتعلقة بالأعمال اليدوية مثل: “العُمال والزُراع والراعاة والصيادون، وغيرهم، كل منهم له الزي الذي يتناسب مع طبيعة مهنته وكذلك الأغنيات التي تناسب طبيعة عمله والآلات الموسيقية التي تُصنع من الخامات البيئية المتاحة في الرقعة الجغرافية التي يعيش فيها وتتناسب مع طبيعة مهنته.
بالمثل نجد أن هناك غناءً تلقائيًا تنتجه النساء والأطفال الذين يعيشون في بيئة مجتمعية وجغرافية لها تقاليدها وعاداتها ومعتقداتها الخاصة يعبرون من بها عن أفراحهم وأحزانهم، محبتهم وغضبهم، بيئتهم وأرضهم، وحتى ألعابهم.
جميع ما يُنتج من فنون تلقائية اعتمد في إبداعه الأول على الارتجال الفوري من شخص أو أكثر في جلسة واحدة، ثم أخذ في التداول الشفهي الذي يحتفظ بالشكل العام للحن والشطرات الأساسية (المردات، وبالاصطلاح الموسيقي سينبو) للأغنية، ولكن يمكن الإضافة أو الحذف بحسب إحساس كل فرد يتداولها، ومع مرور الزمن وتداول عدد كبير من الأفراد لهذه الأغنيات يُنسَى مبدعها الأول وتصبح أعمالاً غنائية بسيطة البناء الموسيقي يطلق عليها فلكلور؛ أي ما أنتجه شريحة مجتمعية من الشعب في بلد ما.
يذكر أن كتاب "الاغنية الشعبية في مصر" لمؤلفته د. ياسمين فراج صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2018. (خدمة وكالة الصحافة العربية)