مع حالة الفوران الكامنة داخل كل منا، حالة جمود الواقع.. نستدعي الشعر ليكون هو المحرك الذي يعطي إشارة الإستمرارية.. لمنظومة التنوير الحق والجمال، ومن الشعر إلى الشعراء.. ومن بينهم يتجليى..
الشاعر محمد آدم.. صاحب المساحة الواسعة في المشهد الشعري.. بمشروعه المتجدد والداعي إلى التنوير انطلاقا من الأساس المتمثل في تجربة فريدة تمثل الالتفات إلي بنية الجسد باعتبارها مدخلاً لرؤية العالم والواقع، والذات والثقافة.. لم يكن الجسد لديه مجرد نوازع حسية- كما قال لي- بل قدرة لغوية تخيلية تساعده على كشف روح الواقع وسر العالم.. وهذا راجع إلى عمق الوعي الفلسفي والجمالي في طبيعة الشاعر.. من هنا كانت الضرورة لكشف المنابع التي تدفق منها شعر محمد آدم، الذي يرى أن شعره منقذ للخلاص من الألم، وأداة للراحة.
ثمة أسئلة جوهرية حائرة.. أردت بها أن أقف معه على إجابة تصل بنا إلى ضوء في آخر النفق الذي نسير فيه، فإذا بي في حواري معه اصطدم برحلة حياة شعرية مرتبكة، تركت صاحبها ليحكيها لنا، وقد آثرت ألا أقاطعه حيث توقفت خلالها على محطات مؤثرة في حياته الإبداعية لايبوح بأسرارها إلا هو لذلك تركته ينساب في الاستعادة والاسترجاع..الماهية
أنا محمد آدم.. ابن هذه الأرض، الفلاح الذي تشققت قدماه في الغيطان، والذي قرأ في الثقافة الغربية بقدر ما أسعفني العمر والزمن، ولازالت، وشرقت في الثقافة العربية من فلسفة، وشعر، ولاهوت، وغرقت في الشعرية العربية حتى النخاع.. وكتبت عن متاهة الجسد إلى أن انتهيت بنص أخير لي بعنوان “متاهة إبراهيم” وكأنني أغوص في الوعي الثقافي والمعرفي الإنساني، بكل ما فيه من غني وخصوبة.. أنا الباحث عن السؤال والحقيقة، حتى هذه اللحظة، ولم أتوقف يوماً ما عن البحث، عقلي يعمل كزنبرق لا يتوقف.. حينما انتهي من كتابة نص، أبدأ بانشغالات أخرى، وأتهيأ لنص آخر.
أنا مشاء مثل الفلاسفة المشائين، اتخذت من المشي فلسفة وأنا في سن السادسة، واكتشفت أن المشي حل لكل مشاكل الإنسان، يعطي لحظة تأمل واستراحة مع الذات، وإعادة اكتشاف العالم بشكل يومي، تولدت فكرة قصائدي وأنا في حالة مشي، إلى أن أصل إلى مكتبي.. المشي حالة إنسانية، هناك مدرسة المشائين في اليونان القديمة، أنتجت فلاسفة عظاما، أفلاطون كان مشاء، فالمشي فلسفة حياة وضرورة إنسانية، وكان نجيب محفوظ يقطع طريقه يومياً من منزله إلى مكتبه في جريدة الأهرام ماشياً، وكان ذهنه يعمل وهو سائر، فالحركة أساس فعل الوجود، والثبات هو الفعل.
كنت أعمل في فرق مقاومة دودة القطن في قريتي من السابعة صباحا، وحتى السادسة مساء، فقط هناك ساعة ونصف راحة “القيلولة” كنت أتناول فيها غذائي، وفي أيام المدرسة “الابتدائي وقبل الابتدائي: كنت أذهب الى كتاب القرية، أجلس الى جوار معلمي الشيخ (طه) كي أحفظ القرآن، وأنا بجلباب واحد فقط وهذه كانت حالة كل أبناء القرية الفقراء وظللت أحفظ القرآن، لمدة عشر سنوات، وياويله من يخطئ أو يتلعثم أمام معلمه، كان لا يجد إلا العصا، التي لا يعرف كيف يتقيها، وأعود الي بيتي وأنا مثقل بالجروح، باكيا، شاكيا من غلظة معاملة الشيخ، ثم بعد ذلك علي أن أسهر ليلا لأحفظ القرآن.
ومن الشيخ العظيم الذي علمني نغمية القرآن، بدأت أتشرب حروف اللغة، دون أن أفقه المعنى، لأني كنت صغيرا آنذاك.. كان النص القرآني يشدني بقدر ما فيه من جلال وهيبة ونغم.
وفي مرات كثيرة، حاولت أن أهرب من هذا الجو، ولكن نغمية النص القرآني تشدني شدا، إلى أن أعود لغرفة التعذيب والحفظ، ربما تكون هذه هي البدايات التي شكلت وجداني اللغوي وأصلحت لساني.
كنت أميل إلى تأمل شجرة الجميز التي تغطي فناء مدرستي بالكامل، وكنت أصعد فوقها لاقتطف ثمارها، وربما كانت هذه الثمرة، أشهى ثمرة تذوقتها في حياتي حتى الآن! انها بمثابة لحظة اكتشاف عناصر الوجود من يد الطبيعة الملآنة.. انها شجرة تعطي بلا حساب، وثمرة تؤكل بطعم أو رائحة الجنة، وفي المرحلة الابتدائية صادفني بيت من الشعر عجيب، ظل معي يساندني حتى هذه اللحظة، ما أن أقع أو أنكسر، إلا ويكون هذا البيت بمثابة حائط الصد الذي يحميني من الانهيار وهو:
لا تيأسن وان طالت مطالبة
إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا
أظن أنه لشجاعر جاهلي، وقد صادفته (هذا البيت) بعد أربعين سنة وكأن ثمة قدر يتربص بنا ويدير دفة الحياة ونحن لا ندري لماذا هذا البيت بالذات؟ ولماذا تحتفظ به الذاكرة حتى هذه اللحظة؟ هل كان ذلك بمثابة القوة الخفية أو يد الله التي تعمل في الخفاء لتساندني طوال رحلة الطريق الشاقة، وأنا أعاني العزلة واليأس والمرارة لأن زمن الكتابة، زمن شاق، ورحلة الشاعر العظيم، رحلة شاقة لا تتساوى مع أي رحلة عادية، إنه القلق والوعي الذي يعمل طوال الوقت، ولا يتيح لك، ولو للحظة واحدة الاسترخاء، رحلة كتابة في اللاوعي طوال الوقت، كي تتمكن من انجازه بعض الوقت.
شقاء الكتابة
هنا آثرت أن أسأله عن ذلك الشقاء وماذا يمثل له، رغم أن الكتابة هي التنفس فمن أين يأتي الشقاء؟
ــ الكتابة الحقيقية عند كل كاتب حقيقي في العالم، هي رحلة بحث عن المعنى، وعن الحقيقة.. أي كتابة لا تهتم بالبحث عن الحقيقة، هي كتابة زائفة، وخارج التاريخ، والكتابة كبحث عن الحقيقة خارج الذات، معناها اننا نبحث عن معنى العالم، عن الوجود الكلي للعالم، عن حقيقة الانسان ومصيره في رحلة تبدأ من الميلاد وتنتهي بالموت، وما بين لحظة الميلاد، ولحظة الموت، علينا أن نكتشف لحظة وجودنا على الأرض فكان عليّ أن أقوم بقراءة كاملة للموجز الثقافي العربي..
ماذا علي أن أضيف؟
هل أتيت لأكرر المتنبي.. المتنبي ابن زمن وثقافة ووعي وتاريخ، وأنا ابن زمن آخر وثقافة أخرى، ووعي وتاريخ مختلفين.. هل علي أن أكرر ما أنجزه صلاح عبدالصبور، أو أدونيس أو ما يسمي بشعراء عصر الحداثة، ان كنت سأفعل، فمن الأجدى أن أتوقف لا لشيء إلا لأنني سأكون لبنة متماثلة في بناء شاهق لا يقبل ذلك إلا كل مغامر ومختلف، وبناء عليه كان علي أن أبدأ بقراءة التراث العربي كاملا، وتوقفت عند أعظم بناءاته سواء كانت الفلسفية أو الشعرية أو الكلامية أقصد بها علماء الكلام الذين أضافوا للفلسفة العربية أولا، والغربية ثانيا ما لم تضفه الفلسفة الغربية للثقافة العالمية!
توقفت عند المعري، على سبيل المثال، واكتشفت أنه شاعر بحجم الكون، لا يقل عمقا، وقامة عند أعظم شعراء العالم، لأنه في حقيقة الأمر، كان بناء شامخا ومختلفا – أيضا – في منجز الشعر العربي ورغم أنه كتب عن “المتنبي”، “معجز أحمد” إلا أنه- وفي الحقيقة- كان يكتب عن المعري من خلال المتنبي هذا الضرير، الأبدي، الرائي، الخالد، رأيته مبصراً بل هو المبصر الوحيد في الثقافة العربية.
المعري برؤيته للكون وللانسان قام بعملية تفجير واسعة في الثقافة العربية، انه الوحيد الذي طرح مشكل الإنسان بشكل واع في هذه الثقافة.
ومن غير المعري في الفلسفة العالمية توقفت أمامه في مرحلة التكوين؟
ـــ كان عليّ أن أعرج إلى الفلسفة العربية.. توقفت أمام أزهى ما أنجزته هذه الثقافة من رؤية متمثلة في هؤلاء: “ابن رشد” العظيم الذي احتفى بالعقل والعقلانية، كما لم يحتفِ بها أحد من قبل، وكان يشكل علاقة فارقة لا في الفلسفة العربية وحدها، وإنما في الفلسفة الغربية كذلك.
”ابن رشد” كان اللبنة الأساسية التي استطاع الغرب أن يعبر من على قنطرتها لكي يكتشف ويفصل أبعاد وحدود العقل الغربي.. ابن رشد الذي أهملناه في ثقافتنا العامرة، وأحرقنا كتبه وطاردناه طويلاً حتى هذه اللحظة، صار مواطناً عالمياً في ثقافة الآخر، وفاعلاً مهماً في الثقافة الغربية.
أضف إلى ابن رشد، ابن سينا، الفارابي، ابن طفيل.. كل أولئك شكلوا لبنة مهمة في الثقافة العربية.
لم يتوقف التكوين عند هذا الحد، بل كان عليّ أن أقرأ “علم الكلام”، وهو العلم الذي لا مثيل له في ثقافة الغرب، يكفيني القول إن هذا العلم يفتح الباب واسعاً أمام ما أسميه حرية الفكر، إنه يتكئ بالدرجة الأولي على النص القرآني، ويعيد اكتشاف المسكوت عنه طوال الوقت، بحيث يكون النص القرآني قابلاً لكل التأويلات والتفسيرات، لا يحوزه أحد، ولا تتحدث به طائفة من الطوائف.. إنه نص هيئة مفتوح لجميع النوافذ الضوئية، يدخل منه الضوء، ولا يخرج منه إلا الضوء.
إنه التجسيد الحقيقي والفعلي لعبقرية العقل والتأويل في مواجهة نص لا يخضع للأحادية مطلقاً!
هذا الاكتشاف في علم الكلام، قادني إلى منطقة أخرى وهي منطقة التصوف، ولا أدري إذا كانت مصادفة لأننا نعمل تحت قدر غامض تقودنا خطواته، ولا نحدد نحن مساره، وقد وقعت في هذه المرحلة الشائكة والمرتبكة في حياتي (بدأت من أواسط العشرينيات وامتدت إلى أوائل الخمسينيات من العمر).
حدث حينما بدأت أقرأ فيها وبعمق، أسطورة “سيزيف” وبدأت أقرأ دستوفيسكي، وهو لمن لا يعلم صاحب السؤال الأكبر في ماهية الإنسان والكون.. ما معنى الخير؟ وما معنى الشر؟
وأقرأ راسكولنكوف، والجريمة والعقاب، ثم قراءتي لـ”كير كيجارد” المؤسس الحقيقي للمشروع الوجودي الكوني قبل “سارتر” فكان أن أصبت بالخلل، والارتباك، وبدأت أتشكك في كل شيء، وأعيش حالة العبث الكونية، وأنه لا معنى لكل هذا الوجود.. كل ذلك قبل أن أنخرط في قراءة التصوف عند الشيخ الأكبر “محيي الدين بن عربي” في كتابه “الفتوحات الإسلامية”، والحلاج، والنفري، والتفسيرات المتعددة للنص القرآني، بدءاً من مدرسة المعتزلة، والتي يقف على قمتها الرازي في تفسيره العملاق “مفاتح الغيب”.
الاكتشاف
نصل معه في الحوار إلى منطقة أخرى وهي الاكتشاف فماذا يقول؟
ــ إن هذه المرحلة التي امتدت لما يزيد على الثلاثين عاماً سقطت فيها صريعاً، وأسير الفلسفة الغربية والتي اكتشفت فيما بعد أن هذه الفلسفة بكل منجزها الحضاري الضخم، والذي تتبدى مظاهره الآن في هذه التقنيات الحديثة، فقدت شيئاً مهما هو “الإنسان” وأن هذه الفلسفة أسست لما أسميه بالعدمية أو “فلسفة العدم”.
وحينما توغلت في قراءة الفلسفة العربية- بعد ذلك- اكتشفت أنها أسست لشيء آخر مختلف وهو “الوجود” أو فلسفة الوجود، أي أننا أسسنا لفعل الإنسان وحريته وإنسانيته على الأرض، والغرب أسس للعدمية والقتل والدم والاستعمار.. من هنا بدأ يحدث التوازن، وما أسميه بإعادة اكتشاف الذات حينما بدأت أتوقف أمام “قارة التصوف” ويقف علي رأسها الشيخ الأكبر ابن عربي، وبدأت أستنشق هواءً جميلاً ورائقاً للمرة الأولي في حياتي، وأنني ولأول مرة، أمشي على الأرض، ولأول مرة أحب الحياة، لأن ابن عربي فعل شيئاً مهماً لم تلتفت الثقافة العربية إليه- حتى هذه اللحظة- فهو قد أعاد قراءة المشروع الإنساني بكامله من خلال رؤية مغايرة لما أنجزه العقل العربي، سواء في الفلسفة أو علم الكلام، أو علم التفسير الذي انتحى به اللاهوتيون وحدهم، إنه (ابن عربي)، قرأ الإنسان من خلال الرحمة الإنسانية الشاملة، ولم يضع الإنسان في خانة الشر المطلق أو الخير المطلق، لقد اكتشف هذا الرجل العظيم- الذي زرت قبره في دمشق بجوار ناشر فتوحاته المكية الأمير عبدالقادر الجزائري- اكتشف فلسفة الجدل قبل هيجل بقرون، ولكن العقل العربي دائماً غير منتبه، والثقافة العربية دائماً ما تهمل أبناءها العباقرة، وتتوقف أمام الصغار، لا أدري إذا كانت هذه نقيصة أم هي بذرة خيانة في هذه العقلية؟!
وحينما قلت لصديقي سليمان العطار- الذي أعد رسالة كاملة عن ابن عربي بالأسبانية- إن ابن عربي كان أسبق من هيجل في اكتشافه لفلسفة الجدل قال لي: لم يجرؤ أحد على البوح بهذه المقولة إلا أنت وأنت صحيح وصائب.
من ابن عربي لابن آدم
طال حديثه عن ابن عربي، فقاطعته وقلت ماذا عن رحلتك أنت يا ابن آدم؟!
ــ من هنا ووسط كل هذه العوالم المتضادة حتى الانحدار، كانت اللبنات الأساسية في تشكيل وعيي الجمالي والمعرفي، لأنه بدون هذا التشكيل الجمالي والمعرفي لا توجد كتابة!
الكتابة التي لا تشكل انحيازاً جمالياً ما أو معرفياً ما هي كتابة فارغة وبلا معنى، ومن هنا بدأت أصيغ مشروعي الشعري عن وعي، فيما أسميه “الجسدنية” أي كيف يمكن التعامل مع الجسد شعرياً!
جسد المرأة أولاً، وجسد الثقافة ثانياً، لأن هذه الثقافة ارتكبت خطأ فادحاً، بابتعادها عن ملامسة الواقع، والتعامل الحي والفعال مع الجسد بكل أشكاله وصوره.. اعتبرت أن الجسد شيء مكروه “عورة” يجب ألا نلتفت إليه، وياليتنا نتخلص منه، الانهمام الأكبر، الانهمام أحادي النظرة بالروح، ومن هنا خرجنا من العالم لأننا تعاملنا- فقط- مع جانب واحد، هو جانب الروح وأهملنا الجسد، بدءاً من جسد العالم بكل ما فيه، وانتهاء بجسد المرأة الذي هو التحسس الأولاني لاكتشاف الكون، والانغراس فيه، وإعادة صياغته، وهذا ما فعله الغرب وأغلقنا أعيننا دونه.
متاهة الجسد
كان الديوان الأول (صدر عام 1988) عن دار الغد “متاهة الجسد” والذي أذكر- بكثير من الفرح- أنني بعت من أجل إصداره كل أثاث بيتي، ونمت أنا وزوجتي وأبنائي علي الأرض، كل هذا من أجل هوس نشر “متاهة الجسد”، وكنت فرحاً، ومأخوذاً إلى أقصى حد، ويكفي أن تعرفي أيضاً، أنني عشت في شقة في العشوائيات (18 سنة) بلا ماء بمنطقة (مطار إمبابة) أنا السقاء، وناقل الخبز، وأنا الكادح من الصباح حتى المساء في بنك، وأنا قارئ الكتب في الليل، وكانت مقولة “اسبينوزا” هي الأخرى تترصدني “أنا أعمل ببضاعة الأرض في النهار وهي تصليح الساعات، وأشتغل ببضاعة السماء في الليل”.. فكان هذا هو قانوني الذي وضعته عنواناً لحياتي أيضاً، ولم ألتفت لأي شيء، لا لشهرة، ولا لثروة، ولا لمجد.
وكانت متاهة الجسد سبباً في أن يتصل بي ناقد كبير في حجم شكري عياد ليسألني أنا، كيف كتبت هذا النص العظيم، وسألت نفسي هل أنا حققت شيئاً هل فعلاً أنا أنجزت كل هذا الشعر؟!
شكري عياد تلميذ العميد طه حسين- هو أيضاً- أهملته الثقافة العربية وياللأسف في زمن الصغار!! ونصحني بقوله “أكتب ولا تهتم” وكانت تلك هي النصيحة الثالثة بعد الشعر، وقول اسبينوزا، ساندتني حتى هذه اللحظة، وجعلتني أواصل الكتابة رغم التهميش الذي صادفته في حياتي حتى هذه اللحظة!
المصادرة
ثم جاءت مرحلة مصادرة ديواني “أنا بهاء الجسد واكتمالات الدائرة” الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1992، وفي نفس العام الذي صودر فيه “مفهوم النص” لنصر حامد أبوزيد، لم أكن أتخيل أنني أشكل كل هذا القلق، الذي جعل كبار العلماء بالأزهر تجتمع كي تقرر مصادرة ديواني الشعري الثاني، والذي ما كدت أفرح به حتى فوجئت بمصادرته، وخاف د. سمير سرحان اطلاعي على قرار المصادرة، إلا أنه قال بالنص: “قالوا إن النص الشعري لمحمد آدم يحيل الجسد إلى إله، ويحيل الله إلى جسد”.. وأقول إن هذا البناء اتكأ في بنيته اللغوية والنغمية على البنية اللغوية والنفسية للنص القرآني، وقد نسوا، أو تناسوا أن النص القرآني هو اللبنة الأساسية التي تشكل الثقافة العربية، والفاعل الأكبر في كل هذا الوعي الجماعي والمعرفي والإنساني، لا أقول في الثقافة العربية فقط، ولكن في الثقافة الإنسانية بشكل عام.
ماهية النص
كان النص عبارة عن ثلاثة نصوص، أو ثلاث ملاحم في الجسد الإنساني بمفهومه الواسع، وليس بمفهومه الضيق، النص الأول كان بعنوان (نهايات الجسد سيادة الفراغ) أي أن الجسد الإنساني هو مركز الدائرة في الكون بكل تجلياته، والنص الثاني كان بعنوان “أنا مشغول عنك بالمرأة.. أنت مشغول عني بالعبارة”.. أما الثالث فكان عنوانه “هكذا هو الذي لا اسم له”، كانت هذه هي اللبنات الثلاث التي تشكل العمود الفقري للديوان الذي تمت مصادرته عام 1992، وكنت أريد في هذا الديوان بالتحديد إعادة اكتشاف الغائب عن وعي الثقافة العربية، وهو الجسد.
ماهية الجسد
ماذا تعني بالجسد؟
ــ أعني الجسد باعتباره المنجز الأكبر للصانع الأكبر وهو الله سبحانه، فكان أن ذهبت لنجيب محفوظ باكياً، وهي رحلة حياة كما ترين “ملطشة” وأخبرته بالمصادرة، وأن الديوان لم يكتب أحد من النقاد كلمة عنه، فهل مصر ماتت؟ هل غابت روح مصر؟ هل أصبحت عاجزة إلى هذا الحد، مصر التي وقفت بكاملها خلف كتاب طه حسين (الشعر الجاهلي).. النقاد انشغلوا بنفط الخليج وكُتّابه، بل اهتمامهم بالتقرب إلى السلطة وما الحديث عن التنوير وثقافته وصناعته إلا وهم زائف في لحظة غيبة الوعي هذه.. مصر اختفت منها الروح أو تلاشت.
وكان رد نجيب: افعل مثلما فعلت، انتصر على اليأس بالكتابة لا تتوقف، فعندما صادروا أولاد حارتنا، ضحكت في سري، وقلت يكفيني أن يحتفظ بها قارئ واحد في هذا العالم، بذلك ضمنت لها الوجود، وأنت كتبت ونشرت، ولن تغيب عن الذاكرة.
أنت صاحب قضية فما هي، وكيف أنها صارت شاغلك الأول والأخير؟
- الكائن هو قضيتي الأساسية في الكون.. الكائن يعني الإنسان، يعني الأرض، يعني المرأة، أنا مهموم بالإنسان بشكل عام، وماذا تكون الكتابة إذا ابتعدت عن الهم الإنساني؟ في هذا النص بالتحديد رفضته الهيئة العامة للكتاب، ورفضته كل دور النشر.. كأنني كنت قاتلاً أو مجرماً.. لم يكن أمامي إلا النشر- مرة أخرى- على حسابي الخاص، ولأني لم يكن لديّ ما أبيعه، اقترضت من البنك الذي أعمل به، وسددت على أقساط، ونشرت ديواني في ألف نسخة، وبدأت أوزعه على أصدقائي، واحتفظت بالباقي، واكتفيت بالخيبة، ولم يكتب عني ناقد واحد ولا كلمة في الوقت الذي كرّس فيه النقاد أنفسهم للحديث عن شعر أدونيس، وشعراء الخليج، وقلت يالهم من محظوظين!! كل ذلك لم يمنعني من التوقف عن الكتابة، لدي إصرار قاتل على كتابة مشروعي الشعري، وهنا نأتي إلي الديوان الرابع (نشيد آدم) عام 2003.
هل قصدت فيه الرمزية والخصوصية؟
- في هذا الديوان، حاولت أن أكتب ملحمة شعرية، أجسد فيها مأساة الإنسان في الكون، واتخذت من آدم رمزاً لصياغة النشيد، ربما تعني آدم.. محمد آدم نفسه، أو ربما تعني سيدنا آدم أول مخلوق على الأرض، حينما واجه الكون، وخرج من الجنة مطروداً، فجعلت من أسئلته، أسئلتي، وسؤاله الممعن حول الكينونة والوجود، وكل ما في الكون من شر هو نفس سؤالي، باختصار أنا اتخذت من آدم قناعاً، أتحدث من خلاله وبواسطته عن موقف الإنسان في الكون فما هو، وما معناه؟ إنه موقف ملحمي يجسد مأساة السقوط، سقوط الإنسان في عالم يمتلئ بالشر والإثم والغموض، حتي إن ناقدا عظيما بحجم د. ماهر شفيق فريد، قال عنه بالحرف الواحد: إنه أعظم نص كُتب في الأدب العالمي في النصف الثاني من القرن العشرين.
نصف نوبل
كيف التفت إلى أعمالك ناقد ومترجم بحجم د. محمد عناني في كتابه عنك (أناشيد الإثم والبراءة) والذي صدر عن الهيئة العامة للكتاب بالإنجليزية عام 2004؟
- كنت موقناً أن الجائزة ستأتي يوماً ما، لأنني لم أنشغل بأي شيء آخر سوى بالشعر إلي أن فوجئت بالدكتور ماهر شفيق فريد، ودون أن أعرف، يخبرني أن د. عناني قد أنجز عملاً كبيراً عنك باللغة الإنجليزية وسوف يدرسه في الجامعات الغربية، خبر نزل عليّ كالصاعقة وكأنني حصلت على (نصف نوبل)، بدأت أسترد نفسي في مقدمة الكتاب وضعني د. عناني جنباً إلي جنب مع إليوت، ووليام بليك، وازرا باونت، وأنه ترجم مختارات موسعة لا لشيء إلا لأنه رأى أن هذه النصوص الشعرية لا تقل عن نصوص الشعر الغربي.
في ظل هذا المشهد المرتبك.. كيف يكون الخلاص؟
- علينا أن نعترف أن مصر هي رُمانة الميزان، ليس في المنطقة العربية وحدها، ولكن على مستوى العالم ككل، العالم يعرف حجمها، أكثر مما نعرفه نحن، وأنا عشت أيام الثورة كاملة في الميدان، لم أغادره إلا لأغتسل أو لأتقوت، ورأيت كيف تفجرت الأرض، كل الأرض، بكل هذه الجماهير الهائلة، إنها لحظة مخيفة، لا توصف ولا تستطيع الذاكرة أن تسترجعها، كل الشوارع والبيوت تنفجر بالصراخ والناس، هذا شعب يريد الحرية، ويحب الخلاص، علمته سنوات القهر، طوال تاريخه أن يشق الأرض ليسمع كل العالم صيحته المدوية بالحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، علينا ألا نخاف لأن روح مصر قد خرجت من القمقم، ولن يستطيع أحد أن يعيدها مرة ثانية إلى السجن.. مصر أصبحت تعرف كيف تتخلص من الطغاة، حينما تريد، وهاهي أرادت، المشهد الآن، أصابنا باليأس والإحباط، وقد يقف على مشارف الخبوت، هذا هو مصير الثورة.
ليس من المعقول أن يخرج أولئك من السجون والمعتقلات ليدخلوا مصر كافة إليها، هذا غير معقول ولن يحدث، ولا يمكن لمصر التي حبست أنفاس العالم طوال الثورة، ليتفرج على ما يحدث على أرض مصر التاريخ والحضارة والجغرافيا بمفهوم جمال حمدان، لا يمكن أن تدخل إلى قفص فئران مصر سوف تخرج من هذه اللحظة المربكة المرتبكة، وقد صاغت نفسها بصياغة جديدة لتدخل إلى العالم بثوب يليق بها، مصر العظيمة، النبيلة، البهية، يتآمر عليها الغرب وإسرائيل، وللأسف دول الخليج، لأنهم يعرفون من هي مصر؟ مصر غنية بكل ما أنجزت في التاريخ الإنساني من ثقافة، وما شكلته من وعي، هل يمكن لمصر طه حسين، محمد عبده، أن تغيب؟ هل يمكن لمصر جمال حمدان تختفي خلف براميل النفط؟ هل يمكن لمصر محمود مختار، وسيد درويش، وأم كلثوم، وعبدالوهاب أن تخرص؟ مصر تعرف كيف تغني، وسوف تواصل الغناء بنفس القوة والإنسانية التي قدمتها للدنيا على طول التاريخ.. مصر هي المعبر الرئيسي للديانات الكبرى التوحيدية الثلاث، ولولا مصر لما كان العالم، فلحظة الظلام لن تسلبنا النظر.
_____________
* مجلة ( أخبار الأدب) .
الشاعر محمد آدم.. صاحب المساحة الواسعة في المشهد الشعري.. بمشروعه المتجدد والداعي إلى التنوير انطلاقا من الأساس المتمثل في تجربة فريدة تمثل الالتفات إلي بنية الجسد باعتبارها مدخلاً لرؤية العالم والواقع، والذات والثقافة.. لم يكن الجسد لديه مجرد نوازع حسية- كما قال لي- بل قدرة لغوية تخيلية تساعده على كشف روح الواقع وسر العالم.. وهذا راجع إلى عمق الوعي الفلسفي والجمالي في طبيعة الشاعر.. من هنا كانت الضرورة لكشف المنابع التي تدفق منها شعر محمد آدم، الذي يرى أن شعره منقذ للخلاص من الألم، وأداة للراحة.
ثمة أسئلة جوهرية حائرة.. أردت بها أن أقف معه على إجابة تصل بنا إلى ضوء في آخر النفق الذي نسير فيه، فإذا بي في حواري معه اصطدم برحلة حياة شعرية مرتبكة، تركت صاحبها ليحكيها لنا، وقد آثرت ألا أقاطعه حيث توقفت خلالها على محطات مؤثرة في حياته الإبداعية لايبوح بأسرارها إلا هو لذلك تركته ينساب في الاستعادة والاسترجاع..الماهية
أنا محمد آدم.. ابن هذه الأرض، الفلاح الذي تشققت قدماه في الغيطان، والذي قرأ في الثقافة الغربية بقدر ما أسعفني العمر والزمن، ولازالت، وشرقت في الثقافة العربية من فلسفة، وشعر، ولاهوت، وغرقت في الشعرية العربية حتى النخاع.. وكتبت عن متاهة الجسد إلى أن انتهيت بنص أخير لي بعنوان “متاهة إبراهيم” وكأنني أغوص في الوعي الثقافي والمعرفي الإنساني، بكل ما فيه من غني وخصوبة.. أنا الباحث عن السؤال والحقيقة، حتى هذه اللحظة، ولم أتوقف يوماً ما عن البحث، عقلي يعمل كزنبرق لا يتوقف.. حينما انتهي من كتابة نص، أبدأ بانشغالات أخرى، وأتهيأ لنص آخر.
أنا مشاء مثل الفلاسفة المشائين، اتخذت من المشي فلسفة وأنا في سن السادسة، واكتشفت أن المشي حل لكل مشاكل الإنسان، يعطي لحظة تأمل واستراحة مع الذات، وإعادة اكتشاف العالم بشكل يومي، تولدت فكرة قصائدي وأنا في حالة مشي، إلى أن أصل إلى مكتبي.. المشي حالة إنسانية، هناك مدرسة المشائين في اليونان القديمة، أنتجت فلاسفة عظاما، أفلاطون كان مشاء، فالمشي فلسفة حياة وضرورة إنسانية، وكان نجيب محفوظ يقطع طريقه يومياً من منزله إلى مكتبه في جريدة الأهرام ماشياً، وكان ذهنه يعمل وهو سائر، فالحركة أساس فعل الوجود، والثبات هو الفعل.
كنت أعمل في فرق مقاومة دودة القطن في قريتي من السابعة صباحا، وحتى السادسة مساء، فقط هناك ساعة ونصف راحة “القيلولة” كنت أتناول فيها غذائي، وفي أيام المدرسة “الابتدائي وقبل الابتدائي: كنت أذهب الى كتاب القرية، أجلس الى جوار معلمي الشيخ (طه) كي أحفظ القرآن، وأنا بجلباب واحد فقط وهذه كانت حالة كل أبناء القرية الفقراء وظللت أحفظ القرآن، لمدة عشر سنوات، وياويله من يخطئ أو يتلعثم أمام معلمه، كان لا يجد إلا العصا، التي لا يعرف كيف يتقيها، وأعود الي بيتي وأنا مثقل بالجروح، باكيا، شاكيا من غلظة معاملة الشيخ، ثم بعد ذلك علي أن أسهر ليلا لأحفظ القرآن.
ومن الشيخ العظيم الذي علمني نغمية القرآن، بدأت أتشرب حروف اللغة، دون أن أفقه المعنى، لأني كنت صغيرا آنذاك.. كان النص القرآني يشدني بقدر ما فيه من جلال وهيبة ونغم.
وفي مرات كثيرة، حاولت أن أهرب من هذا الجو، ولكن نغمية النص القرآني تشدني شدا، إلى أن أعود لغرفة التعذيب والحفظ، ربما تكون هذه هي البدايات التي شكلت وجداني اللغوي وأصلحت لساني.
كنت أميل إلى تأمل شجرة الجميز التي تغطي فناء مدرستي بالكامل، وكنت أصعد فوقها لاقتطف ثمارها، وربما كانت هذه الثمرة، أشهى ثمرة تذوقتها في حياتي حتى الآن! انها بمثابة لحظة اكتشاف عناصر الوجود من يد الطبيعة الملآنة.. انها شجرة تعطي بلا حساب، وثمرة تؤكل بطعم أو رائحة الجنة، وفي المرحلة الابتدائية صادفني بيت من الشعر عجيب، ظل معي يساندني حتى هذه اللحظة، ما أن أقع أو أنكسر، إلا ويكون هذا البيت بمثابة حائط الصد الذي يحميني من الانهيار وهو:
لا تيأسن وان طالت مطالبة
إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا
أظن أنه لشجاعر جاهلي، وقد صادفته (هذا البيت) بعد أربعين سنة وكأن ثمة قدر يتربص بنا ويدير دفة الحياة ونحن لا ندري لماذا هذا البيت بالذات؟ ولماذا تحتفظ به الذاكرة حتى هذه اللحظة؟ هل كان ذلك بمثابة القوة الخفية أو يد الله التي تعمل في الخفاء لتساندني طوال رحلة الطريق الشاقة، وأنا أعاني العزلة واليأس والمرارة لأن زمن الكتابة، زمن شاق، ورحلة الشاعر العظيم، رحلة شاقة لا تتساوى مع أي رحلة عادية، إنه القلق والوعي الذي يعمل طوال الوقت، ولا يتيح لك، ولو للحظة واحدة الاسترخاء، رحلة كتابة في اللاوعي طوال الوقت، كي تتمكن من انجازه بعض الوقت.
شقاء الكتابة
هنا آثرت أن أسأله عن ذلك الشقاء وماذا يمثل له، رغم أن الكتابة هي التنفس فمن أين يأتي الشقاء؟
ــ الكتابة الحقيقية عند كل كاتب حقيقي في العالم، هي رحلة بحث عن المعنى، وعن الحقيقة.. أي كتابة لا تهتم بالبحث عن الحقيقة، هي كتابة زائفة، وخارج التاريخ، والكتابة كبحث عن الحقيقة خارج الذات، معناها اننا نبحث عن معنى العالم، عن الوجود الكلي للعالم، عن حقيقة الانسان ومصيره في رحلة تبدأ من الميلاد وتنتهي بالموت، وما بين لحظة الميلاد، ولحظة الموت، علينا أن نكتشف لحظة وجودنا على الأرض فكان عليّ أن أقوم بقراءة كاملة للموجز الثقافي العربي..
ماذا علي أن أضيف؟
هل أتيت لأكرر المتنبي.. المتنبي ابن زمن وثقافة ووعي وتاريخ، وأنا ابن زمن آخر وثقافة أخرى، ووعي وتاريخ مختلفين.. هل علي أن أكرر ما أنجزه صلاح عبدالصبور، أو أدونيس أو ما يسمي بشعراء عصر الحداثة، ان كنت سأفعل، فمن الأجدى أن أتوقف لا لشيء إلا لأنني سأكون لبنة متماثلة في بناء شاهق لا يقبل ذلك إلا كل مغامر ومختلف، وبناء عليه كان علي أن أبدأ بقراءة التراث العربي كاملا، وتوقفت عند أعظم بناءاته سواء كانت الفلسفية أو الشعرية أو الكلامية أقصد بها علماء الكلام الذين أضافوا للفلسفة العربية أولا، والغربية ثانيا ما لم تضفه الفلسفة الغربية للثقافة العالمية!
توقفت عند المعري، على سبيل المثال، واكتشفت أنه شاعر بحجم الكون، لا يقل عمقا، وقامة عند أعظم شعراء العالم، لأنه في حقيقة الأمر، كان بناء شامخا ومختلفا – أيضا – في منجز الشعر العربي ورغم أنه كتب عن “المتنبي”، “معجز أحمد” إلا أنه- وفي الحقيقة- كان يكتب عن المعري من خلال المتنبي هذا الضرير، الأبدي، الرائي، الخالد، رأيته مبصراً بل هو المبصر الوحيد في الثقافة العربية.
المعري برؤيته للكون وللانسان قام بعملية تفجير واسعة في الثقافة العربية، انه الوحيد الذي طرح مشكل الإنسان بشكل واع في هذه الثقافة.
ومن غير المعري في الفلسفة العالمية توقفت أمامه في مرحلة التكوين؟
ـــ كان عليّ أن أعرج إلى الفلسفة العربية.. توقفت أمام أزهى ما أنجزته هذه الثقافة من رؤية متمثلة في هؤلاء: “ابن رشد” العظيم الذي احتفى بالعقل والعقلانية، كما لم يحتفِ بها أحد من قبل، وكان يشكل علاقة فارقة لا في الفلسفة العربية وحدها، وإنما في الفلسفة الغربية كذلك.
”ابن رشد” كان اللبنة الأساسية التي استطاع الغرب أن يعبر من على قنطرتها لكي يكتشف ويفصل أبعاد وحدود العقل الغربي.. ابن رشد الذي أهملناه في ثقافتنا العامرة، وأحرقنا كتبه وطاردناه طويلاً حتى هذه اللحظة، صار مواطناً عالمياً في ثقافة الآخر، وفاعلاً مهماً في الثقافة الغربية.
أضف إلى ابن رشد، ابن سينا، الفارابي، ابن طفيل.. كل أولئك شكلوا لبنة مهمة في الثقافة العربية.
لم يتوقف التكوين عند هذا الحد، بل كان عليّ أن أقرأ “علم الكلام”، وهو العلم الذي لا مثيل له في ثقافة الغرب، يكفيني القول إن هذا العلم يفتح الباب واسعاً أمام ما أسميه حرية الفكر، إنه يتكئ بالدرجة الأولي على النص القرآني، ويعيد اكتشاف المسكوت عنه طوال الوقت، بحيث يكون النص القرآني قابلاً لكل التأويلات والتفسيرات، لا يحوزه أحد، ولا تتحدث به طائفة من الطوائف.. إنه نص هيئة مفتوح لجميع النوافذ الضوئية، يدخل منه الضوء، ولا يخرج منه إلا الضوء.
إنه التجسيد الحقيقي والفعلي لعبقرية العقل والتأويل في مواجهة نص لا يخضع للأحادية مطلقاً!
هذا الاكتشاف في علم الكلام، قادني إلى منطقة أخرى وهي منطقة التصوف، ولا أدري إذا كانت مصادفة لأننا نعمل تحت قدر غامض تقودنا خطواته، ولا نحدد نحن مساره، وقد وقعت في هذه المرحلة الشائكة والمرتبكة في حياتي (بدأت من أواسط العشرينيات وامتدت إلى أوائل الخمسينيات من العمر).
حدث حينما بدأت أقرأ فيها وبعمق، أسطورة “سيزيف” وبدأت أقرأ دستوفيسكي، وهو لمن لا يعلم صاحب السؤال الأكبر في ماهية الإنسان والكون.. ما معنى الخير؟ وما معنى الشر؟
وأقرأ راسكولنكوف، والجريمة والعقاب، ثم قراءتي لـ”كير كيجارد” المؤسس الحقيقي للمشروع الوجودي الكوني قبل “سارتر” فكان أن أصبت بالخلل، والارتباك، وبدأت أتشكك في كل شيء، وأعيش حالة العبث الكونية، وأنه لا معنى لكل هذا الوجود.. كل ذلك قبل أن أنخرط في قراءة التصوف عند الشيخ الأكبر “محيي الدين بن عربي” في كتابه “الفتوحات الإسلامية”، والحلاج، والنفري، والتفسيرات المتعددة للنص القرآني، بدءاً من مدرسة المعتزلة، والتي يقف على قمتها الرازي في تفسيره العملاق “مفاتح الغيب”.
الاكتشاف
نصل معه في الحوار إلى منطقة أخرى وهي الاكتشاف فماذا يقول؟
ــ إن هذه المرحلة التي امتدت لما يزيد على الثلاثين عاماً سقطت فيها صريعاً، وأسير الفلسفة الغربية والتي اكتشفت فيما بعد أن هذه الفلسفة بكل منجزها الحضاري الضخم، والذي تتبدى مظاهره الآن في هذه التقنيات الحديثة، فقدت شيئاً مهما هو “الإنسان” وأن هذه الفلسفة أسست لما أسميه بالعدمية أو “فلسفة العدم”.
وحينما توغلت في قراءة الفلسفة العربية- بعد ذلك- اكتشفت أنها أسست لشيء آخر مختلف وهو “الوجود” أو فلسفة الوجود، أي أننا أسسنا لفعل الإنسان وحريته وإنسانيته على الأرض، والغرب أسس للعدمية والقتل والدم والاستعمار.. من هنا بدأ يحدث التوازن، وما أسميه بإعادة اكتشاف الذات حينما بدأت أتوقف أمام “قارة التصوف” ويقف علي رأسها الشيخ الأكبر ابن عربي، وبدأت أستنشق هواءً جميلاً ورائقاً للمرة الأولي في حياتي، وأنني ولأول مرة، أمشي على الأرض، ولأول مرة أحب الحياة، لأن ابن عربي فعل شيئاً مهماً لم تلتفت الثقافة العربية إليه- حتى هذه اللحظة- فهو قد أعاد قراءة المشروع الإنساني بكامله من خلال رؤية مغايرة لما أنجزه العقل العربي، سواء في الفلسفة أو علم الكلام، أو علم التفسير الذي انتحى به اللاهوتيون وحدهم، إنه (ابن عربي)، قرأ الإنسان من خلال الرحمة الإنسانية الشاملة، ولم يضع الإنسان في خانة الشر المطلق أو الخير المطلق، لقد اكتشف هذا الرجل العظيم- الذي زرت قبره في دمشق بجوار ناشر فتوحاته المكية الأمير عبدالقادر الجزائري- اكتشف فلسفة الجدل قبل هيجل بقرون، ولكن العقل العربي دائماً غير منتبه، والثقافة العربية دائماً ما تهمل أبناءها العباقرة، وتتوقف أمام الصغار، لا أدري إذا كانت هذه نقيصة أم هي بذرة خيانة في هذه العقلية؟!
وحينما قلت لصديقي سليمان العطار- الذي أعد رسالة كاملة عن ابن عربي بالأسبانية- إن ابن عربي كان أسبق من هيجل في اكتشافه لفلسفة الجدل قال لي: لم يجرؤ أحد على البوح بهذه المقولة إلا أنت وأنت صحيح وصائب.
من ابن عربي لابن آدم
طال حديثه عن ابن عربي، فقاطعته وقلت ماذا عن رحلتك أنت يا ابن آدم؟!
ــ من هنا ووسط كل هذه العوالم المتضادة حتى الانحدار، كانت اللبنات الأساسية في تشكيل وعيي الجمالي والمعرفي، لأنه بدون هذا التشكيل الجمالي والمعرفي لا توجد كتابة!
الكتابة التي لا تشكل انحيازاً جمالياً ما أو معرفياً ما هي كتابة فارغة وبلا معنى، ومن هنا بدأت أصيغ مشروعي الشعري عن وعي، فيما أسميه “الجسدنية” أي كيف يمكن التعامل مع الجسد شعرياً!
جسد المرأة أولاً، وجسد الثقافة ثانياً، لأن هذه الثقافة ارتكبت خطأ فادحاً، بابتعادها عن ملامسة الواقع، والتعامل الحي والفعال مع الجسد بكل أشكاله وصوره.. اعتبرت أن الجسد شيء مكروه “عورة” يجب ألا نلتفت إليه، وياليتنا نتخلص منه، الانهمام الأكبر، الانهمام أحادي النظرة بالروح، ومن هنا خرجنا من العالم لأننا تعاملنا- فقط- مع جانب واحد، هو جانب الروح وأهملنا الجسد، بدءاً من جسد العالم بكل ما فيه، وانتهاء بجسد المرأة الذي هو التحسس الأولاني لاكتشاف الكون، والانغراس فيه، وإعادة صياغته، وهذا ما فعله الغرب وأغلقنا أعيننا دونه.
متاهة الجسد
كان الديوان الأول (صدر عام 1988) عن دار الغد “متاهة الجسد” والذي أذكر- بكثير من الفرح- أنني بعت من أجل إصداره كل أثاث بيتي، ونمت أنا وزوجتي وأبنائي علي الأرض، كل هذا من أجل هوس نشر “متاهة الجسد”، وكنت فرحاً، ومأخوذاً إلى أقصى حد، ويكفي أن تعرفي أيضاً، أنني عشت في شقة في العشوائيات (18 سنة) بلا ماء بمنطقة (مطار إمبابة) أنا السقاء، وناقل الخبز، وأنا الكادح من الصباح حتى المساء في بنك، وأنا قارئ الكتب في الليل، وكانت مقولة “اسبينوزا” هي الأخرى تترصدني “أنا أعمل ببضاعة الأرض في النهار وهي تصليح الساعات، وأشتغل ببضاعة السماء في الليل”.. فكان هذا هو قانوني الذي وضعته عنواناً لحياتي أيضاً، ولم ألتفت لأي شيء، لا لشهرة، ولا لثروة، ولا لمجد.
وكانت متاهة الجسد سبباً في أن يتصل بي ناقد كبير في حجم شكري عياد ليسألني أنا، كيف كتبت هذا النص العظيم، وسألت نفسي هل أنا حققت شيئاً هل فعلاً أنا أنجزت كل هذا الشعر؟!
شكري عياد تلميذ العميد طه حسين- هو أيضاً- أهملته الثقافة العربية وياللأسف في زمن الصغار!! ونصحني بقوله “أكتب ولا تهتم” وكانت تلك هي النصيحة الثالثة بعد الشعر، وقول اسبينوزا، ساندتني حتى هذه اللحظة، وجعلتني أواصل الكتابة رغم التهميش الذي صادفته في حياتي حتى هذه اللحظة!
المصادرة
ثم جاءت مرحلة مصادرة ديواني “أنا بهاء الجسد واكتمالات الدائرة” الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1992، وفي نفس العام الذي صودر فيه “مفهوم النص” لنصر حامد أبوزيد، لم أكن أتخيل أنني أشكل كل هذا القلق، الذي جعل كبار العلماء بالأزهر تجتمع كي تقرر مصادرة ديواني الشعري الثاني، والذي ما كدت أفرح به حتى فوجئت بمصادرته، وخاف د. سمير سرحان اطلاعي على قرار المصادرة، إلا أنه قال بالنص: “قالوا إن النص الشعري لمحمد آدم يحيل الجسد إلى إله، ويحيل الله إلى جسد”.. وأقول إن هذا البناء اتكأ في بنيته اللغوية والنغمية على البنية اللغوية والنفسية للنص القرآني، وقد نسوا، أو تناسوا أن النص القرآني هو اللبنة الأساسية التي تشكل الثقافة العربية، والفاعل الأكبر في كل هذا الوعي الجماعي والمعرفي والإنساني، لا أقول في الثقافة العربية فقط، ولكن في الثقافة الإنسانية بشكل عام.
ماهية النص
كان النص عبارة عن ثلاثة نصوص، أو ثلاث ملاحم في الجسد الإنساني بمفهومه الواسع، وليس بمفهومه الضيق، النص الأول كان بعنوان (نهايات الجسد سيادة الفراغ) أي أن الجسد الإنساني هو مركز الدائرة في الكون بكل تجلياته، والنص الثاني كان بعنوان “أنا مشغول عنك بالمرأة.. أنت مشغول عني بالعبارة”.. أما الثالث فكان عنوانه “هكذا هو الذي لا اسم له”، كانت هذه هي اللبنات الثلاث التي تشكل العمود الفقري للديوان الذي تمت مصادرته عام 1992، وكنت أريد في هذا الديوان بالتحديد إعادة اكتشاف الغائب عن وعي الثقافة العربية، وهو الجسد.
ماهية الجسد
ماذا تعني بالجسد؟
ــ أعني الجسد باعتباره المنجز الأكبر للصانع الأكبر وهو الله سبحانه، فكان أن ذهبت لنجيب محفوظ باكياً، وهي رحلة حياة كما ترين “ملطشة” وأخبرته بالمصادرة، وأن الديوان لم يكتب أحد من النقاد كلمة عنه، فهل مصر ماتت؟ هل غابت روح مصر؟ هل أصبحت عاجزة إلى هذا الحد، مصر التي وقفت بكاملها خلف كتاب طه حسين (الشعر الجاهلي).. النقاد انشغلوا بنفط الخليج وكُتّابه، بل اهتمامهم بالتقرب إلى السلطة وما الحديث عن التنوير وثقافته وصناعته إلا وهم زائف في لحظة غيبة الوعي هذه.. مصر اختفت منها الروح أو تلاشت.
وكان رد نجيب: افعل مثلما فعلت، انتصر على اليأس بالكتابة لا تتوقف، فعندما صادروا أولاد حارتنا، ضحكت في سري، وقلت يكفيني أن يحتفظ بها قارئ واحد في هذا العالم، بذلك ضمنت لها الوجود، وأنت كتبت ونشرت، ولن تغيب عن الذاكرة.
أنت صاحب قضية فما هي، وكيف أنها صارت شاغلك الأول والأخير؟
- الكائن هو قضيتي الأساسية في الكون.. الكائن يعني الإنسان، يعني الأرض، يعني المرأة، أنا مهموم بالإنسان بشكل عام، وماذا تكون الكتابة إذا ابتعدت عن الهم الإنساني؟ في هذا النص بالتحديد رفضته الهيئة العامة للكتاب، ورفضته كل دور النشر.. كأنني كنت قاتلاً أو مجرماً.. لم يكن أمامي إلا النشر- مرة أخرى- على حسابي الخاص، ولأني لم يكن لديّ ما أبيعه، اقترضت من البنك الذي أعمل به، وسددت على أقساط، ونشرت ديواني في ألف نسخة، وبدأت أوزعه على أصدقائي، واحتفظت بالباقي، واكتفيت بالخيبة، ولم يكتب عني ناقد واحد ولا كلمة في الوقت الذي كرّس فيه النقاد أنفسهم للحديث عن شعر أدونيس، وشعراء الخليج، وقلت يالهم من محظوظين!! كل ذلك لم يمنعني من التوقف عن الكتابة، لدي إصرار قاتل على كتابة مشروعي الشعري، وهنا نأتي إلي الديوان الرابع (نشيد آدم) عام 2003.
هل قصدت فيه الرمزية والخصوصية؟
- في هذا الديوان، حاولت أن أكتب ملحمة شعرية، أجسد فيها مأساة الإنسان في الكون، واتخذت من آدم رمزاً لصياغة النشيد، ربما تعني آدم.. محمد آدم نفسه، أو ربما تعني سيدنا آدم أول مخلوق على الأرض، حينما واجه الكون، وخرج من الجنة مطروداً، فجعلت من أسئلته، أسئلتي، وسؤاله الممعن حول الكينونة والوجود، وكل ما في الكون من شر هو نفس سؤالي، باختصار أنا اتخذت من آدم قناعاً، أتحدث من خلاله وبواسطته عن موقف الإنسان في الكون فما هو، وما معناه؟ إنه موقف ملحمي يجسد مأساة السقوط، سقوط الإنسان في عالم يمتلئ بالشر والإثم والغموض، حتي إن ناقدا عظيما بحجم د. ماهر شفيق فريد، قال عنه بالحرف الواحد: إنه أعظم نص كُتب في الأدب العالمي في النصف الثاني من القرن العشرين.
نصف نوبل
كيف التفت إلى أعمالك ناقد ومترجم بحجم د. محمد عناني في كتابه عنك (أناشيد الإثم والبراءة) والذي صدر عن الهيئة العامة للكتاب بالإنجليزية عام 2004؟
- كنت موقناً أن الجائزة ستأتي يوماً ما، لأنني لم أنشغل بأي شيء آخر سوى بالشعر إلي أن فوجئت بالدكتور ماهر شفيق فريد، ودون أن أعرف، يخبرني أن د. عناني قد أنجز عملاً كبيراً عنك باللغة الإنجليزية وسوف يدرسه في الجامعات الغربية، خبر نزل عليّ كالصاعقة وكأنني حصلت على (نصف نوبل)، بدأت أسترد نفسي في مقدمة الكتاب وضعني د. عناني جنباً إلي جنب مع إليوت، ووليام بليك، وازرا باونت، وأنه ترجم مختارات موسعة لا لشيء إلا لأنه رأى أن هذه النصوص الشعرية لا تقل عن نصوص الشعر الغربي.
في ظل هذا المشهد المرتبك.. كيف يكون الخلاص؟
- علينا أن نعترف أن مصر هي رُمانة الميزان، ليس في المنطقة العربية وحدها، ولكن على مستوى العالم ككل، العالم يعرف حجمها، أكثر مما نعرفه نحن، وأنا عشت أيام الثورة كاملة في الميدان، لم أغادره إلا لأغتسل أو لأتقوت، ورأيت كيف تفجرت الأرض، كل الأرض، بكل هذه الجماهير الهائلة، إنها لحظة مخيفة، لا توصف ولا تستطيع الذاكرة أن تسترجعها، كل الشوارع والبيوت تنفجر بالصراخ والناس، هذا شعب يريد الحرية، ويحب الخلاص، علمته سنوات القهر، طوال تاريخه أن يشق الأرض ليسمع كل العالم صيحته المدوية بالحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، علينا ألا نخاف لأن روح مصر قد خرجت من القمقم، ولن يستطيع أحد أن يعيدها مرة ثانية إلى السجن.. مصر أصبحت تعرف كيف تتخلص من الطغاة، حينما تريد، وهاهي أرادت، المشهد الآن، أصابنا باليأس والإحباط، وقد يقف على مشارف الخبوت، هذا هو مصير الثورة.
ليس من المعقول أن يخرج أولئك من السجون والمعتقلات ليدخلوا مصر كافة إليها، هذا غير معقول ولن يحدث، ولا يمكن لمصر التي حبست أنفاس العالم طوال الثورة، ليتفرج على ما يحدث على أرض مصر التاريخ والحضارة والجغرافيا بمفهوم جمال حمدان، لا يمكن أن تدخل إلى قفص فئران مصر سوف تخرج من هذه اللحظة المربكة المرتبكة، وقد صاغت نفسها بصياغة جديدة لتدخل إلى العالم بثوب يليق بها، مصر العظيمة، النبيلة، البهية، يتآمر عليها الغرب وإسرائيل، وللأسف دول الخليج، لأنهم يعرفون من هي مصر؟ مصر غنية بكل ما أنجزت في التاريخ الإنساني من ثقافة، وما شكلته من وعي، هل يمكن لمصر طه حسين، محمد عبده، أن تغيب؟ هل يمكن لمصر جمال حمدان تختفي خلف براميل النفط؟ هل يمكن لمصر محمود مختار، وسيد درويش، وأم كلثوم، وعبدالوهاب أن تخرص؟ مصر تعرف كيف تغني، وسوف تواصل الغناء بنفس القوة والإنسانية التي قدمتها للدنيا على طول التاريخ.. مصر هي المعبر الرئيسي للديانات الكبرى التوحيدية الثلاث، ولولا مصر لما كان العالم، فلحظة الظلام لن تسلبنا النظر.
_____________
* مجلة ( أخبار الأدب) .