مراسلة خاصة من إبراهيم الحيسن من طانطان
بمناسبة النسخة 14 لموسم طانطان، نظمت جمعية
أصدقاء متحف الطنطان المعرض التشكيلي السنوي الثاني تحت شعار "الذاكرة الجمالية لرحل الصحراء"،
وذلك أيام 4- 9 يوليوز 2018 ببهو الخزانة الوسائطية لطانطان، وذلك بدعم
من وزارة الثقافة ومؤسسة الموغار والمجلس الإقليمي لطانطان وعمالة الإقليم.
افتتح المعرض مساء يوم الأربعاء 04 يوليوز
2018 المعرض التشكيلي السنوي الثاني للطنطان بحضور السيد فاضل بنيعيش رئيس مؤسسة
الموغار والسيد حسن عبد الخالق عامل إقليم الطنطان وجمع من الفنانين والمهتمين. وقد ضمَّ المعرض الفعاليات
التالية:
1- معرض الأطفال
افتتح المعرض بتقديم حصيلة ورشة فنية أقيمت
بالثانوية الإعدادية المسيرة الخضراء يوم الخميس 04 ماي 2018 أطرها الأساتذة:
الرَّاكَب الحَيْسن، ياسين الشرايبي وعبد الإله قندادي وشارك فيها 12 تلميذاً
موهوباً يدرسون بالمؤسسة، وهم: ياسمين
العجيني،
ياسمين كاجا، نزهة لياغلي، نورة مسموح، وصال الروطبي، عمر هباد، محمد الصياد، حفصة بستاوي، عمر بوكزي، حسناء القاضي، أيمن بنتونسي ومليكة بنهاشم.
وقد تنوَّعت المواضيع والأساليب الفنية التي
طبعت الأعمال المنتقاة لهؤلاء التلاميذ المبدعين إذ شملت قوافل الصحراء ومسكن
البدو ولباسهم، إلى جانب نماذج من فنونهم الشعبية وغير ذلك من المواضيع التراثية
التي صاغوها بتقنيات تعبيرية تأرجحت عموماً بين الرسم الواقعي والانطباعية
اللونية، وذلك على سند القماش بمقاسات متوسطة.
ولا شك أن حصيلة هذه الورشة الفنية ستساهم
لا محالة في تحفيز الناشئة على الانخراط المتزايد في مجال الإبداع التشكيلي
والتصوير واستثمار مختلف الوسائط والخامات المحلية للتعبير جماليّاً عن موروثهم
الثقافي وفنونهم المحلية المستوحاة من تربة الصحراء..
2- المعرض التشكيلي الاحترافي
شارك في هذا المعرض فنانون من المناطق
الجنوبية، هم: الراكب الحَيْسن، امبيريكة النميس، نور الدين بيباون،
عزيز بيباون، ابراهيم الحَيْسن، محمد ياسين الشرايبي (الطنطان)، فاطمة عيجو، جميلة
العماري، وعبد الباقي راجي إله، محمد فرح (العيون)، ، إلى جانب ضيوف الشرف
الفنانين التشكيليين عبد الكريم الأزهر من مدينة أزمور ومحمد السالمي من مدينة
الراشدية.
بالمناسبة، صدر كاتالوغ من القطع المتوسط
ضمَّ السير الفنية وأعمال الفنانين المشاركين مصحوبة بنصوص تحليلية قصيرة، فضلاً عن
نص تقديمي باللغة العربية للناقد ابراهيم الحَيْسن عنوانه "على خطى بدو
الصحراء" قام بترجمته إلى اللغة الفرنسية الناقد الفني عبد الله الشيخ، هذا
مقتطف منه:
يمتد هذا المعرض للمبادرة المحمودة التي
أقدمت عليها جمعية أصدقاء متحف الطنطان السنة الماضية والمتمثلة في لمِّ شمل
مجموعة من الفنانين التشكيليين الشباب من أبناء المناطق الصحراوية إلى جانب مشاركة
نوعية ووازنة لفنانين تشكيليين من مناطق الشمال من أجل الحوار والاحتكاك وتبادل
التجارب الإبداعية والجمالية، وذلك ضمن معرض تشكيلي جماعي يتيح هذه الإمكانية النادرة
التي ترُوم التعريف بالمنجز الفني لهؤلاء الفنانين الشباب مما سيفتح لهم -بكل
تأكيد- آفاقاً ورهانات جمالية لتشييد نموذجهم الإبداعي في صورة مغايرة أكثر نضجاً
وإقناعاً.
تتمحور جلُّ الأعمال الفنية المرشحة للعرض
حول "الذاكرة الجمالية لرحل الصحراء" التي يرسمها الإنتاج اليدوي
الصحراوي، وهو لا يقوم على مهارة المحاكاة Imitation
بدافع الحفاظ على الشكل الموروث فحسب، بقدر ما يشتغل على استخدام الصيغ الفنية
القديمة وإعادة صياغتها وفق رؤى وتصوُّرات جديدة متميِّزة على مستوى التكوين
والبناء الجمالي والأسلوب الفني (المرئي والمرسوم). ورغم أنه يدور في فلك العادات
والتقاليد والحاجات اليومية، فإن هذا الإنتاج -الذي يستلهم منه الفنانون أعمالهم
التشكيلية- يسعى إلى الانتقال من البسيط التقليدي إلى الشكل الفني الجمالي، ومن
مرحلة التعبير النمطي (المتكرِّر والرتيب) إلى مرحلة الإنتاج المتجدِّد ليصبح
علامة من علامات التقدُّم المعرفي الذي يعتمد على نمو التجربة الجمالية بشكل
متواتر واطرادي.
هكذا، وعلى خطى رحل الصحراء، التأم فنانون
تشكيليون شباب مدعمين بالانتماء وبالحماس الإبداعي، كما تعكس ذلك لوحاتهم الفنية
المتنوِّعة والمتباينة على إيقاع تعدُّد الأسناد والخامات والتقنيات وصيغ المعالجة
التقنية، لكنها تلتقي وتتلاءم من حيث وحدة الموضوع المستوحى من ثقافة وفنون
الصحراء. يتعلق الأمر بلوحات تشخيصية وتجريدية وأخرى رمزية يتوخَّى الفنانون من
خلالها المساهمة في توثيق جوانب من حياة البدو وتسجيل بعض مظاهر إبداعهم ونمط
عيشهم القائم بالأساس على البداوة والترحال وتدبير الندرة.
في هذا المعرض، تتبدَّى للمتلقي أكثر من
صورة وأكثر من مشهد ينطق بثقافة بدوية أصيلة مهدَّدة بالمحو والتفتت والزوال،
لكنَّها، مع ذلك، تظل راسخة في المخيلة والذاكرة الجماعية التي شيَّدها الأسلاف
وأسَّسوها على قيم مجتمعية وإنسانية نبيلة وفاضلة لم تعد اليوم كما كانت بفعل عنف
التمُّدن والانخراط في الحياة العصرية بدون "مقاومة ثقافية" تحمي الفرد
والجماعة كل من استلاب Aliénation
محتملة. من هنا تظهر أهمية هذا المعرض التشكيلي التوثيقي المنبثق من رحم موحيات
تراثية شعبية عريقة يستعير منها بدو الصحراء شروط حياتهم وفنهم وإبداعهم.
3- التكريم والندوة
التخصُّصية
خلال افتتاح المعرض تمَّ تكريم الفنان
التشكيلي عبد الكريم الأزهر تقديراً لمساره الجمالي الذي أغنى الساحة الفنية
العربية والمغربية على امتداد سنوات كثيرة، إلى جانب تنظيم ندوة تخصُّصية حول منجزه الصباغي
بمشاركة الناقدين التشكيليين شفيق الزكَاري وعبد الله الشيخ والباحث اسليمة أمرز،
مع عرض وتحليل شريط سمعي بصري (5 د.) يؤرِّخ لتجربته الصباغية بعنوان
"التشكيلي عبد الكريم الأزهر- تحوُّلات الجسد". عقب المدخلات، ألقى
المحتفى به كلمة مؤثرة شكر فيها منظمي هذا المعرض ومثمناً هذه الالتفاتة التي
اعتبرها ولادة جديدة قبل أن يستعرض بعض التفاصيل الجميلة التي رافقت مراحله
الأبداعية.
بالمناسبة،
أعدَّت جمعية
أصدقاء متحف الطَّنطان كتيبا توثيقيّاً تضمَّن نصوصاً نقدية مضيئة وشهادات حول
المنجز الجمالي لهذا المبدع المتميِّز، وذلك بمساهمة نخبة من أصدقائه النقاد
الفنيين والأدباء والشعراء، وهم: كرستيان رييڤو
Christian Rivot (ترجمة: محمد صوف)، محمد
الأشعري، صدوق نور الدين، بشير القمري، نور الدين فاتحي، حسن نجمي، عبد الحميد
بنداود، ابراهيم الحَيْسَن، شفيق الزكَاري وعبد الله الشيخ.
وفضلاً عن الحضور اليومي المكثف لساكنة
المدينة، حظي المعرض بتغطية إعلامية واسعة ساهمت فيه صحف وطنية وعربية ومواقع
إلكترونية متنوِّعة، إضافة إلى الروبورتاجات المصوَّرة التي أنجزتها قناة العيون
ووكالة المغرب العربي للأنباء والقناة الرابعة والقناة الثانية (دوزيم).
4- انطباع وتوصيات
خلال أحد مساءات المعرض، وبفضاء ذراع الخيل
الذي ينبت غرب مدينة الطنطان، أقيم داخل خيمة صحراوية حفل عشاء على شرف المشاركين
تميز بتنظيم جلسة تقييمية على إيقاع شرب الشاي الصحراوي وقد أطرها ونشطها النقاد
والفنانون المشاركون، حيث خلصت إلى استصدار مجموعة من التوصيات والتدابير التي
تدعو إلى تطوير هذه التجربة الفنية من خلال إقامة ورشات تكوينية في الحفر
والسيريغرافيا والخزف، وكذا خلق إقامات فنية بمشاركة فنانين من المغرب وخارجه.
لقد قد تركت
فعاليات هذا المعرض أصداء طيبة لدى المشاركين والحاضرين الذين ثمنوا هذه التجربة
الفنية الجماعية واعتبروها فرصة سانحة للتعريف بالطاقات المبدعة بالأقاليم
الجنوبية وبما تكتنزه هذه المناطق من موروث ثقافي وتعبيرات فنية محلية بهية أضحت
تمثل سنداً مرجعيّاً للفنانين التشكيليين، مؤكدين على ضرورة دعم هذه التجربة وتشجيع
فناني المنطقة بما من شأنه أن يحفزهم على تقديم المزيد من الإنتاجات الفنية
والجمالية التي تعرِّف بالصحراء وبثقافتها الواسعة..