كيف جاء التفكير في كتابة عملك حول " شعرية النص التفاعلي؟
لقد كان كتاب شعرية النص التفاعلي، آليات السرد وسحر القراءة أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه، وهي أول دكتوراه تنجز في العالم العربي حول الأدب الرقمي،
وأول كتاب انكب على تحليل الرواية الرقمية، فقد اقترح علي الأستاذ الدكتور سعيد يقطين في أواخر التسعينيات الاشتغال حول النص المترابط، لا أخفيك اعترتني رهبة غريبة متولدة من جدة المصطلح وضبابيته، فلم يسبق لي من قبل أن سمعت بهذا الوافد الجديد، ولا قرأت عنه، ولا علم لي بخصوصياته وهويته وكلما سألت وبحث إلا وجدت نوعا من الفراغ النقدي يوازيه شح إبداعي، فراق لي تحدي تحديد الغامض، والإمساك بالمنسرب. ومغامرة التحليل في ظل غياب الوجهة فقد كنا ساعتها لا نعرف حتى معنى النص المترابط أو الأدب الرقمي فما بالك بتحليل نص منه! فجسد الكتاب بالفعل ذاك الحضور الذي انبجس من قلب الغياب، وقضت مضجعي بعد ارتمائي في يم المغامرة أسئلة اصطلاحية ومنهجية، وسردية جمالية شتى من قبيل: ما هي العلاقة التي ينسجها الأدب الرقمي مع الأدب الورقي، أو التي ينسجها النص مع النص المترابط؟ هل هي علاقة يطبعها الاستمرار، أم الانقطاع؟ وهل تشكل الرواية الرقمية ـــــ وهي مجال الاشتغال ـــ قطيعة إبداعية مع الرواية الورقية على مستوى البناء، و طرق المعالجة والتناول؟ وما هي الأشكال المتولدة عن تغيير الوسيط من إبدال ورقي إلى آخر رقمي؟ ثم كيف تتم ترجمة مصطلح الهيبيرطكست "hypertexte" والأشكال التي خرجت من معطفه؟ وكيف يتم تحديدها أجناسيا، وتحليلها؟ لقد كان الرهان هو الانتقال من المستوى النظري إلى التحليلي مع محاولة وضع منهجية يمكن أن تعتمد في التعامل مع الرواية الرقمية. وأخيرا ما هي سردية الرواية الرقمية وعلى أي أسس تنبني؟ وما هي خصائصها الجمالية؟. كل هذه الأسئلة وغيرها هي التي تحكمت في إرساء دعائم هذا الكتاب ورسم ملامحه.
2. أين نحن اليوم من النصوص التفاعلية في العالم العربي مقارنة مع العالم الغربي؟
لقد قطع الغرب أشواطا بعيدة في هذا المضمار على مستوى التنظير والإبداع، ونحن اليوم لا زلنا في مرحلة الدهشة رغم الجهود الجبارة للتعريف بالوليد الجديد فالكتب النقدية الوازنة تعد على الأصابع وكذا الأعمال الإبداعية. ومرد هذه الدهشة إذا ما تجاوزنا أزمة المصطلح والترجمة، إلى الفجوة الرقمية الناتجة عند البعض عن عدم معرفة بأبجديات الحاسوب وتقنياته، والإمكانات الهائلة التي يمنحها للنص. أو التشبت بالورقي وعدم الرغبة في مراوحته، وعدم الوعي بخصوصيات الأدب الرقمي المعتمد على تقنية النص المترابط التي تتيح للمبدع إمكانية للتعبير باللفظي والأيقوني، وتحريك النص وإخراجه وجعله معروضا على الشاشة الزرقاء. والتي تسمح للقارئ/ المشاهد بالتفاعل الإيجابي من خلال قراءة الاختيار والحدس التي تمنحها له الروابط، وغيرها من الإمكانيات. وقد تعود الفجوة لمجرد الرغبة في الانخراط في الكتابة الرقمية كنوع من الموضة التي تضر بالأدب وأدبيته وتدخلنا في دائرة الابتذال. لذا علينا جميعا نقادا ومبدعين العمل على الخروج من هذه المرحلة بالعمل الجاد.
3. هناك خلط بين النصوص الرقمية والنصوص التفاعلية من وجهة نظر أكاديمية هل يعني المصطلحين نفس الشيء؟
إن النصوص الرقمية هي النصوص التي تحمل على الحاسوب لتقرأ على الشاشة الزرقاء وهي تنقسم إلى تلك النصوص الرقمية السلبية التي تحمل دون أن تغادر صفتها الورقية، كتحميل القرآن الكريم ليقرأ على الشاشة دون أي تغيير في بنيته مع النقر على زر اللاحق أو السابق للتحرك بين الصفحات والذي عوض قلب الصفحات، أو كتحميل الكتب بصيغة بيدي إف التي تسمح بقراءتها رقميا.
وفي المقابل تلك النصوص الرقمية الإيجابية كالمولدة كليا من طرف البرنامج(التوليدية)، أو تلك التي تستخدم تقنية النص المترابط التي تتيح إمكانية الاقتطاع، وإعادة الترتيب والقراءة المستقلة من خلال مناورة الروابط، وتحريك النص وإخراجه وجعله معروضا على الشاشة واستخدام الوسائط المتفاعلة من صوت وصور ثابتة أو متحركة، وموسيقى، أي جعل النص متعدد العلامات: لفظي وأيقوني. وكلا النصين الرقمي السلبي، والإيجابي تمنح للقارئ إمكانية للتفاعل مختلفة الدرجات؛ ففي السلبي يكون التفاعل في درجته الصفر، وفي الإيجابي تختلف درجاته لتصل الذروة مع النص المكتوب بأقلام متعددة؛ حيث يسمح البرنامج الذي كتب ضمنه العمل الإبداعي بتدخل القارئ بتعليقاته التي تصبح جزءا من نسيج النص العام، أو تسمح بكتابة النص مع المبدع الذي يكتب شطرا والآخر يكمله القارئ/الكاتب. فميزة النصوص الرقمية هي أنها نصوص تفاعلية لذلك ننعتها أحيانا بالنصوص التفاعلية لأنه مصطلح جامع يضم اللفظي وغير اللفظي. وهي تسمية لا تنفي الفوارق المتواجدة بين أنواعه.
4. يعتبر سعيد يقطين من أهم المنظرين لهذا الأدب بالعالم العربي إلى أي حد تأثرت بنظرياته أم أن هناك نظريا غربية رصدت هذا التحول؟
يعد الدكتور سعيد يقطين من المنظرين الأوائل للأدب الرقمي بل أعتبره الأب الروحي لهذا الأدب في الوطن العربي فبفضل مجهوداته وكتاباته الرائدة أزال الغبش واللبس الذي يعلوه كما وضع صنافة تحدد أنواعه وخاصياتها وهو أول من تنبأ به ونظر له عربيا ووضع ترجمة حددها في النص المترابط ــــــ والتي نوافقه فيها.ــــــ وهو بهذا العمل موضع العرب في قلب الإشكالات الجوهرية المتولدة عن تغيير الوسيط وما تمخض عنه من ولادة لأشكال جديدة. وأنا بوصفي أنتمي لمدرسته البنيوية فقد تأثرت به كثيرا، ويبزغ هذا التأثير في: قناعتي بأن لتغيير الوسيط دور في ظهور أشكال كتابية وقرائية جديدة، وأن مستقبل الرواية وقدرتها على التجدد يكمن في الأشكال الموجزة ثم في اهتمامي في دراسة النصوص الرقمية وغيرها بالبنيات وتشكلها والعلاقات التي تترابط بها، وما أحوجنا الآن ونحن نتعامل مع الأدب الرقمي وأكثر من أي وقت مضى لإعادة الاهتمام بالبنية والعلاقة لنؤسس معرفة بهذا النص الجديد ونقبض على طرائق تبنينه ومختلف تعالقاته الظاهرة أو الضمنية، فلا يمكن أن نُعرف به دون الإمساك بالآليات التي يرتكز عليها مؤسسا أدبيته وجمالياته المُستكنهة من البنيات وطرائق تشكلها وتعالقها، لا يمكن التعريف به دون هذا البعد الوصفي فهو الكفيل بتبيئته وتجذيره في ثقافتنا لذلك اعتنيت في كتاب شعرية النص التفاعلي بمحاولة القبض على الآليات التي ترتكز عليها الرواية الرقمية والطرائق التي تنبني بها نصوصها المتعددة والمختلفة العلامات ما بين لفظية وأيقونية والمنخرطة في كل يضمها ويمنحها انسجاما وتألقا يولد جمالية خاصة قائمة على جمالية الغياب والمحو، كما اعتنيت بالقبض على تلك التعالقات التي تنسجها البنيات مع بعضها البعض. لدى فهذه الشعرية تأسست حول : البنية والعلاقة.
فتأثري بالأستاذ سعيد يقطين تأثر جوهري يشكل امتدادا لعمله التنظيري من خلال اهتمامي بالاشتغال على تحليل النصوص الرقمية، أو الورقية، فأنا أرى أن مدرسته من بين المدارس التي عملت على تطوير السرد ومده بإمكانات للتجدد والتحول وضخ ماء الحياة فيه بانفتاحها على التجريب، وعلى المستجد وفق خطة واستراتيجية ترتكز على البنية والعلاقة. وهذا التأثير لا ينفي انفتاحي على النظرية الغربية لأن هذا الغدو والرواح ما بين ثقافتنا العربية وثقافة الآخر المخالف مسألة حتمية خاصة وأنه في ظل التعالق ما بين الأدب والمعلوميات، وفي ظل الثورة الرقمية انتفت الحدود الفاصلة بين الثقافات والشعوب وأصبحت كل النظريات حتى المستقبِلة منها والمتأثرة تشكل جزءا من نظرية واحدة يسمها الاختلاف والخلاف، والتعدد والتباين لكنها تتفاعل فيما بينها وتترابط.
5. هل لهذا النص تأثير مستقبلا على مستقبل القراءة في العالم العربي أم أنه لا أم أننا كعرب متشبتون بالورقي؟
الأدب الرقمي هو أدب المستقبل أدب جيل الأندرويد، والهواتف الذكية والألواح الرقمية، وتواجده لا يلغي تواجد الكتاب ولا القراءة الورقية فهما معا يتعايشان جنبا إلا جنب دون أن تنفي خصوصية أخرى، لكن ينبغي الإشارة أن القراءة حتى قبل الأدب الرقمي كانت تعرف عزوفا شديدا من طرف القراء لارتفاع ثمن الكتاب ومحدودية توزيعه أو سوء طباعته نظرا لارتفاع ثمن تكلفة الورق... وقد يحل النشر الالكتروني أزمة القراءة لأنه سيسهم في توفير الكتاب، حتى المحظور أو المغمور الذي لم يلاق حقه من الإشهار والتسويق وبدون ثمن! و ملايين ملايين المقالات والدراسات .... لكنه سيحدث تحولا في شكل القراءة التي ستبتعد عن التتابع لصالح قراءة اختيارية تصفحية لا تخضع سوى لرغبات القارئ واهتماماته، القارئ المبهور بكل جماليات العرض ويسر البحث والإبحار والوصول إلى المعلومة. كما ستحدث تحولا في شكل الكتابة التي ستبتعد عن الاستطراد لصالح الشكل الموجز. ونحن الآن نقرأ بوتيرة أظنها أسرع من الأول فأهم الكتب أصبحت محملة على الحاسوب ويسهل الوصول إليها وتخزينها في ذاكرة الحاسوب لطباعتها لمحبي الورق أو قراءتها من الشاشة لمحبي الأزرق السيبراني، لكن السؤوال المطروح هو ماذا نقرأ والكيفية التي ينبغي بها أن نقرأ؟. فالرقمنة لا مفر منها سواء تشبتنا بالورقي أم لا، وإذا كان من تأثير للرقمي على القراءة فأنا أرى أنه تأثير إيجابي، فمرحى للرقمي الذي يهدم وثنا وينير عقلا، مرحى للرقمي الذي يجعل ملايين الكتب قديمها وجديدها في المتناول وبمجرد نقرة.