صدر عن
دار النشر مقاربات للنشر والصناعات الثقافية، وبدعم من وزارة الثقافة كتاب
"سوسيولوجيا الربيع العربي أو الثورات التأسيساتية" للكاتب الدكتور أحمد
شراك الحائز على جائزة
المغرب للكتاب في دورته 2018 ضمن صنف العلوم الإجتماعية.
وتأتي الطبعة الأولى 2017 التي اطلعنا عليها
من هذا الكتاب في سياق ما يعرفه العالم العربي من تحولات، خاصة ما يسمى
ب"الربيع العربي أو الثورات العربية" وتكمن القيمة العلمية لهذا الكتاب في اقتراح مصطلح: التأسيساتية
"التي تشكل اللحمة الوصفية والتوصيفية للاحتجاجات المليونية العربية، سواء
تلك التي أدت إلى انهيار رموز الاستبداد.. أو تلك التي أتت بإصلاحات في نظامها
السياسي"(1)، ويقع
الكتاب في 508 صفحة، ويتكون من خمسة أقسام تتوزع على خمسة عشر فصلا وفصل ختامي.
في
القسم الأول: ثورات وحيرات الذي يضم ثلاثة فصول، أولها: حراك المفاهيم، وثانيها:
حراك الإنسان والواقع، ثم ثالثها: أفهام ومفهمات، كلها شكلت لبنة بحث مستفيض
"عن ظلال ومضمرات بل وإشارات عن هذه التأسيساتية انطلاقا من ذلك الجدل حول
القاموس المفاهيمي المتعدد للاحتجاجات، ومحاولة توصيفها"(2).
أما القسم الثاني: التشكيلات الخطابية، فقد
احتوى كذلك على ثلاثة فصول، الأول: خطابات وحوامل وفصول، والثاني: الخطاب الهامشي
"الغرافيتيا"، فالثالث: الشذرية والسخرية، حاول الكاتب من خلالها توسيع
وتدقيق وتحليل هذه التأسيساتية على عدة مستويات "التي تحاول أن تفتضح دسائس
أسئلة الخطاب وبنياته.. من خلال متن زاخر أنتجته الجماهير العربية من الماء إلى
الماء، وذلك من أجل إبراز المنحى الإبداعي لهذا الخطاب.. وتحديدا مكامن
التأسيساتية انطلاقا من تأسيس خطاب جديد في الإحتجاج العربي، لم تألفه الثورات في
التاريخ الإنساني"(3).
والقسم الثالث: المكون الثقافي توزع على
ثلاثة فصول: مثقف تأسيساتي؟ وأسئلة الثقافة، ثم المثاقفة، حاول من خلالها الكاتب
الإحاطة "بالمكون الثقافي في هذه الثورات على مستوى الأدوار والوظائف وعلى
مستوى المتون، كما على مستوى التفاعل مع الغير.. ولقد أفضت هذه الأسئلة إلى محاولة
توصيف المثقف العربي الجديد بالتأسيساتي.. فضلا عن تلك التأسيساتية المنبثقة من
المتون المتصارعة بين ثقافتين عريضتين ومتنوعتين وهما: الثقافة المحافظة بمختلف
مكوناتها ومرجعياتها وتلفيظاتها النظرية والسياسية، كالتيارات الإسلامية سواء
السنية أو السلفية أو الشيعية.. والثقافة الحداثية بمختلف محمولاتها وتوجهاتها
وحساسياتها الفكرية والإيديولوجية والسياسية كالحساسيات الليبرالية والإشتراكية
واليسارية بمختلف الأطياف.. والتيارات العلمانية واللائكية.."(4).
يليه القسم الرابع: بناء الدولة الذي اشتمل
على فصل أول: الثائر والناخب: استشكال العلاقات، وفصل ثان: مفهوم الدولة بين أطراس
الأمس والتباسات اليوم، ثم فصل ثالث: الإنتقال الديموقراطي أو تأسيسات الدولة
الجديدة، انصب من خلالها الكاتب "على ملامح بناء الدولة الجديدة في أرض
الثورات من خلال تحديد ترسانة من المفاهيم وعلى رأسها مفهوم الدولة.. والدولة
الإسلامية والدولة المدنية والدولة الديموقراطية والدولة الوطنية.. ثم حاول أن
يجيب بطريقة أو بأخرى عن آفاق الدستورانية والاستحقاقية.. وهل صناديق الاقتراع كافية
لتأسيس دولة جديدة؟ ماهي الملامح وأين تكمن هذه التأسيساتية التي تأخذ تلوينات
نظرية حسب هذا القطر أو ذاك، حسب هذه التجربة أو تلك انطلاقا من الاختلافات
الموجودة بين الثورات في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا.. اختلافات امتدت إلى
بلدان الإصلاحات السياسية في أفق تأسيساتية قد تكون بمضمون مختلف سواء لدى الثورات
أو الإحتجاجات"(5).
ثم القسم الخامس: بيبليوغرافيا الثورات
التأسيساتية وبدوره تمحور على ثلاثة فصول، أولها: بيبليوغرافيا القسم العربي،
وثانيها: بيبليوغرافيا القسم الأجنبي، وثالثها: كشاف تحليلي، في هذا الصدد يقول
الكاتب في مقدمة كتابه "بيبليوغرافيا الثورات.. وإن كانت له أهداف علمية وعلى
رأسها التوثيق باعتباره بنية تحتية في كل بحث آني أو قادم.. فإن التأسيساتية كان
لها صدى في مجمل المتن المثبت، ولعل قراءة ملية للعنونة في هذه البيبليوغرافيا
تبين صدى هذه التأسيساتية سواء على مستوى العناوين بشكل مباشر أو على صعيد توصيفات
الثورات هل هي ثورات أو نهضات أم انتفاضات أم انقلابات.. وعلى صعيد شعارات الثورات
التي امتدت إلى كثير من عناوين هذا المتن الزاخر.."(6).
كل قسم من هذه الأقسام يحيل على تجليات
وملامح وتصورات لهذه التأسيساتية، ولقد انتهج الكاتب المقاربة السوسيولوجية ليس
بمعناها الضيق بل بمعنى منفتح، مؤكدا على أنه "لايمكن الحديث عن سوسيولوجيا
بدون عمق فلسفي يلحم الأطروحات والتحليلات السوسيولوجية. ترتيبا على هذا التصور
وفي منحاه العام حاول الكتاب أن يصرف سوسيولوجيا كثيرا من أفعال الثورات كالحراك
والخطاب والثقافة والدولة.. من خلال قراءة تشخيصية لهذه الأفعال، وفي ذات الوقت أن
يمارس قراءة تأويلية تتجاوز الفهم الأول إلى الفهم الثاني.. كما لاتخلو من نفحة
نقدية.. لأن الثورات بدورها فعل إنساني لايخلو من مطبات ومنزلقات، ويضيف الكاتب
إلا أن هذه القراءات حاولت أن تلتزم (ما أمكن!) البرودة والموضوعية في التحليلات
والإستنتاجات، وبالتالي أن تنحو منحى أكاديميا بعيدا عن السجال أو إصدار الأحكام
الجاهزة أو أحكام القيمة التي في العادة لا تقدم شيئا في المسار العلمي..."(7).
إنه إصدار متميز ورصين ينضاف إلى الإصدارات الغنية
الثرة والجادة التي كتبها السوسيولوجي الدكتور أحمد شراك، الكاتب المتمرس والمتمكن
من أدوات اشتغاله، متعدد الرؤى والأساليب، عارف بالمناهج، عميق الرؤية والإفتحاص، لذا
يستلزم منا هذا الكتاب وقفة تأملية وعميقة للنظر في مفاهيمه وخطاباته ومكوناته
التحليلية والتأويلية مبنية على أسس علمية لإنتاج خطاب يراعي التطورات المتوالية
على مختلف الأصعدة.
إحالات:
1- أحمد شراك: سوسيولوجيا الربيع العربي أو الثورات
التأسيساتية، مقاربات للنشر والصناعات الثقافية، الطبعة الأولى: 2017، ص:6
2- المرجع
نفسه، ص: 6
3- نفس
المرجع، ص: 7
4- نفسه، ص: 7
5- نفسه، ص: 7
6- نفسه، ص: 8
7- نفسه، ص: 8
لطيفة الحبي