مستقبل الأمة العربية مرتبط بمستقبل فلسطين
أيها العرب لا تخرجوا من المركب
التأكيد على حق مقاومة الاحتلال بكافة الوسائل وفقاً للقانون الدولي
الوحدة الوطنية هي السلاح الفلسطيني الأقوى
على هامش اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، التقت إذاعة الجزائر الدولية مع الدبلوماسي الفلسطيني الناجح والمثقف المحنك الدكتور لؤي عيسى سفير دولة فلسطين في الجزائر، وسألته عما جرى خلال المؤتمر من نقاشات مهمة، وعن النتائج والقرارات الحاسمة التي تم الإعلان عنها في ختام الاجتماع، والمتعلقة بتعليق الاعتراف بإسرائيل، ووقف العمل بجميع الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين.
لقد أعلن المجلس المركزي الفلسطيني عدة قرارات مهمة في نهاية اجتماعه الذي عقده مؤخراً في رام الله بتاريخ 28 تشرين الأول/أكتوبر 2018 "دورة الخان الأحمر والدفاع عن الثوابت الوطنية" واستمر لمدة يومين، أهمها تعليق الاعتراف بإسرائيل، ووقف التنسيق الأمني معها، وتم تخويل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بمتابعة هذه القرارات وتنفيذها. وربط المجلس هذا التعليق باعتراف إسرائيل بدولة فلسطينية.
وجاء في البيان الصادر إنه نظرا لتنكر إسرائيل لاتفاقاتها، قرر المجلس إنهاء التزامات منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية كافة تجاه اتفاقاتها مع سلطة الاحتلال وهذا يتضمن تعليق الاعتراف بدولة إسرائيل إلى حين اعترافها بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، إضافة إلى وقف التنسيق الأمني بأشكاله كافة. كما شمل القرار الانفكاك الاقتصادي على اعتبار أن المرحلة الانتقالية وبما فيها اتفاق باريس لم تعد قائمة.
ويعتبر المجلس المركزي الفلسطيني الذي تأسس في العام 1973 من قبل المجلس الوطني، السلطة التشريعية العليا بعد المجلس الوطني، وعلى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية تنفيذ القرارات والتوجهات الصادرة عنه.
تهنئة للشعب الجزائري وقيادته
بدماثة خلقه المعهودة بدأ الدكتور لؤي عيسى حديثه بتوجيه التهنئة والتحية النضالية للشعب الجزائري العظيم، وللقيادة الجزائرية وفي مقدمتهم الأخ المجاهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وإلى كافة الأحزاب والقوى السياسية، بمناسبة الاحتفال بذكرى انتصار الثورة الجزائرية المباركة، ونقل تحيات الشعب الفلسطيني وقيادته للأشقاء في الجزائر، وأكد على إصرار الشعب الفلسطيني وقواه وقيادته على مواصلة الكفاح، مستلهمين دروس الثورة الجزائرية البطلة، حتى تحقيق النصر وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
ماذا جرى في اجتماع المجلس المركزي
وحول القرارات التي صدرت عن المجلس المركزي الفلسطيني في دورته الأخيرة، وفيما إن كان ما جرى في الغرف المغلقة غير ما تم الإعلان عنه، قال الدكتور لؤي بداية أرغب في توجيه رسالة إلى أهلنا وشعبنا وامتداداتنا في الجزائر، وإلى كل صغير وكبير في الجزائر والأمتين العربية والإسلامية، وإلى كل أحرار وشرفاء العالم، أن الشعب الفلسطيني وقيادته ما زالا على العهد باقون، ولا زلنا متمسكين بالثوابت الوطنية التي أجمع عليها شعبنا، وقدم لأجل تحقيقها الثمن الكبير.
نحن كفلسطينيين لا نعتبر أنفسنا أننا نقاتل دفاعاً عن مصالحنا وحقوقنا وعن ديننا وأطفالنا وعن المسجد الأقصى فقط، بل نقاتل دفاعاً عن مصالح العرب وأمنهم القومي، لأن لعدونا الصهيوني أهدافاً ورؤية ومصالح يسعى لتحقيقها وهي تهدد الأمن القومي العربي في أكثر من سياق، نحن ندافع عن مقدسات وكرامة الأمتين العربية والإسلامية، نقاتل من أجل الإنسانية والقيم الكونية لأن عدونا هو عدو شوفيني عنصري معادي للإنسانية، نقاتل من أجل كافة الشرفاء والمناضلين في العالم الذين ما زالوا مؤمنين بحق الشعوب في اختيار مصيرها، والتخلص من استعمارها واحتلالها. وبهذا المعنى فإن الشعب الفلسطيني وقيادته يمثلون هذه الحالة الشمولية، وهي اسمها الحركي فلسطين، وهي حالة لم يشهدها أي شعب من قبل.
نحن نسعى لتقويض المحاولات التي تهدف إلى خلط الأوراق في المنطقة، ونقوم بإزالة اللثام عن العدو الحقيقي للأمة وهو الصهيونية ودولة الاحتلال إسرائيل. وعلى الجميع أن يدرك هذه الحقيقة البديهية، والابتعاد عن كل ما يحاول الأخرين فعله لتضييع البوصلة الوطنية، وإشغالنا بقضايا وصراعات جانبية.
فيما يتعلق بالقرارات التي اتخذها المجلس المركزي، فهي قرارات موجودة في أجندة صانع القرار الفلسطيني منذ فترة ليست قصيرة ونحاول تنفيذها، لكن القيادة الفلسطينية لم تكن يوماً قيادة استعراضية لإعلان المواقف، ولا كنّا يوماً من الذين يقولون قل كلمتك وامض، ولا ممن ينظرون بالشعارات الثورية البراقة البعيدة عن الواقع. نحن مقاتلين على الأرض، لدينا مشروعنا الوطني بانعكاساته العربية والإنسانية، ونعلم تماماً حجم وطبيعة خصومنا وقوتهم، وبالمقابل نعلم جيداً إمكانياتنا وطبيعة علاقاتنا وتحالفاتنا، ونحسن قراءة المواقف الإقليمية والدولية، ونصيغ مواقفنا ونرسم سياساتنا وفق هذه الرؤية. القرارات ليست جديدة، لكننا نبحث عن أفضل السبل لتنفيذها وفي الوقت الذي نختاره ويحقق مصالحنا. خاصة في ظل الكثير من المتغيرات والمستجدات السياسية التي تشهدها المنطقة، التي سجلت احداثاً ذات بعد تطبيعي قد تبدو للمواطن العربي أنها جديدة، لكنها في الواقع كانت موجودة وظهرت للأضواء أخيراً.
وحين سؤاله من قبل مقدم البرنامج هل فقد الرئيس الفلسطيني صبره من المماطلات الإسرائيلية، أجاب الدكتور لؤي: بأن ما يجري حولنا هي احداثاً استثنائية لم نعهدها من قبل، وأنا هنا لا أعني العدو الصهيوني، فهو خصمي ومن الطبيعي أن يمارس القهر علي، وأنا كفلسطيني موجود لأقهر وأقاتل هذا العدو. أنا أتحدث عن أنفسنا وعن أوضاعنا وانقسامنا ومواقفنا والعناوين التي ترشد عملنا، أقصد وأعني بعض المواقف وبعض التصريحات والمواقف ، وبعض السلوكيات التي تصدر عن هذا الطرف أو ذاك، ما يحصل شيء يدعو للذهول، لذلك حين تسالني عن صبر الرئيس الفلسطيني، فهو لم يفقد صبره لكنه يحاول أن يحدد وضع القضية الفلسطينية ويقدمها كما هي لأمتنا وشعبنا، ويرسم ملامح الراهن في الوضع الفلسطيني، وهو يحاول أن يقول أننا كفلسطينيين قدمنا كل ما نستطيع من أجل الوصول إلى نتائج تحفظ حقوق شعبنا ومصالح أمتنا، لكن لم نجد أي استجابة من أي طرف، بل على العكس تم ممارسة كافة أنواع الضغوط السياسية والاقتصادية على القيادة الفلسطينية، بهدف دفعها للتساوق مع الأفكار المطروحة لتسوية الصراع الفلسطيني الصهيوني وبشكل يعتبر استسلاماً للمشروع الأمريكي الصهيوني، لذلك قال الرئيس محمود عباس: أن نكون أو لا نكون. ليس كفلسطينيين، بل كأمة عربية، كان يقصد كل العرب والمسلمين. نكون أو لا نكون، نعني بها ديننا الإسلامي، وثقافتنا وعروبتنا وانتماءنا القومي، نعني أرضنا ووطننا، حاضرنا ومستقبلنا، ومستقبل الأمة العربية المرتبط بفلسطين.
إن العناوين التي تم نقاشها في المجلس المركزي بدورته الأخيرة هي الاستمرار بتجميد العلاقات والاتصالات مع الإدارة الأمريكية الحالية، إلى حين تراجعها عن اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، وتوقفها عن الضغوط التي تمارسها على الهيئات الدولية خاصة المكلفة بشؤون اللاجئين الفلسطينيين، لإسقاط حق العودة عنهم. كذلك تجميد الاعتراف بدولة الاحتلال لحين اعترافها بالدولة الفلسطينية، ورفض كافة أشكال المشاريع المشبوهة التي تشكل جوهر صفقة القرن وتهدف إلى فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وإسقاط ملف القدس، ثم وقف كافة أشكال التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال الصهيوني، أيضاً تجميد العمل باتفاقية باريس الاقتصادية التي وقعت بيننا وبين الاحتلال، ورفض لصفقة القرن ورفض أي مسمى أخر، وفي أي ثوب يتضمن الأفكار التي تضمنتها صفقة ترامب والتي تتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني، ومواجهة هذه الصفقات بكافة السبل الممكنة، والتأكيد على حق مقاومة الاحتلال بكافة الوسائل وفقاً للقانون الدولي. لأننا بنظر البعض أصبحنا جلادين إرهابيين لأننا ندافع عن حقوق شعبنا الوطنية والسياسية، وعن حياة شبابنا ومستقبل أطفالنا. ويعتبرنا هذا البعض أننا إرهابيون ونحن ندافع عن أمن وكرامة الأمة العربية ومستقبلها. ومن القضايا التي بحثها المجلس، تحميل حركة حماس المسؤولية عن عدم الالتزام بتنفيذ الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها بين حركتي فتح من جهة، وحركة حماس من جهة أخرى التي أفشلت كافة هذه الاتفاقيات مما أوجد اختراقات في الموقف الفلسطيني لإضعافه من القوى المعادية.
كل وحد منا هو مشروع شهيد
حول الارتدادات الإقليمية والدولية للقرارات الأخيرة للمجلس المركزي، وكيفية مواجهتها، ومواجهة الضغوط على القيادة الفلسطينية، خاصة من قبل إسرائيل وداعمها الأول الولايات المتحدة، اعتبر السفير الفلسطيني أن الفلسطينيين ليسوا مخيرين ولا يقبلون المساومة في القضايا الجوهرية المرتبطة بحقوق شعبنا، وكرامة أمتنا وأمنها القومي، وعدم الاستسلام للتوازنات الحالية المؤقتة، وليس لدينا ما نخسره أكثر مما خسرناه، الأهم بالنسبة لنا ألا نخسر أنفسنا. الرئيس أبو مازن ذكر في اجتماعات المجلس أنه قرأ في القرآن آية من سورة آل عمران وشعر أن الله سبحانه وتعالى قد خص بها الفلسطينيين. تقول الآية الكريمة "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون". لقد ختم الله بهذه الآية الكريمة سورة آل عمران بعد الحديث عن غزوة أحد وأحداثها، مخاطباً عباده المؤمنين ليغالبوا أعداءهم بالصبر على الشدائد، والمصابرة على الظلم والجبروت والطغيان، والمرابطة لصد العدوان، ثم قرن كل هذه المعاني العظيمة بتقوى الله الذي يتحقق بمخافته وامتثال أمره واجتناب نهيه لننال الفلاح والنصر في الدنيا، والفوز برضا الله وجنته في الآخرة.
نحن الفلسطينيون على أرض الرباط، ولدينا إيمان أن فلسطين عروسة العرائس وأن مهرها غال، وإن كان هناك من لا يرغب في دفع هذا المهر، أو يشارك بدفعه، أو ان كان هناك من يريد المتاجرة والتكسب من وراء هذه العروسة، فالشعب الفلسطيني في أتم الجاهزية لدفع هذه الكلفة نيابة عن الأمتين العربية والإسلامية.
حين واجهت القيادة الفلسطينية جبروت الإدارة الأمريكية الحالية كنا واضحين في مواقنا ورؤيتنا. وحين دخلنا في المفاوضات باعتبارها شكلاً من أشكال النضال، وليس انعكاساً لميزان القوة، المفاوضات كأداة من أدوات الاشتباك والصراع مع العدو، حين تعطلت الأدوات والأشكال الأخرى، نتيجة المتغيرات الدولية والإقليمية، كنا أيضاً واضحين في مواقفنا ورؤيتنا ونمتلك الجرأة الوطنية. أقدمنا على المفاوضات مع العدو الصهيوني بعناوين واضحة ومحددة من أجل فلسطين، ومن أجل حقوق الشعب الفلسطيني والمحافظة عليها، ومن أجل مصالح الأمة، وحتى تظل عناوين الصراع مع دولة الاحتلال واضحة بظل الحالة الراهنة في المنطقة.
لذلك حين شهدت الحالة الفلسطينية وما حولها مستجدات سياسية، استشعرت من خلالها القيادة الفلسطينية خطراً مدمراً للقضية الوطنية توقفنا واتخذنا قراراتنا بكل رؤية واضحة. ولا تنسى أن الشعب الفلسطيني وقيادته محاصرون من كل صوب وحدب، ومثقلون بالأعباء من كل جانب، وتمارس علينا الضغوط السياسية والاقتصادية والأمنية من كل جانب، في ظل حالة عربية خرجت من الناحية العملية من ساحة الصراع مع العدو الصهيوني، وأحزابنا سقطت في الفتنة، وما ترتب على الانقسام الفلسطيني من تداعيات مختلفة. لكن الشعب الفلسطيني لن يركع، وقيادتنا لن ترضخ، والرئيس محمود عباس قال للإدارة الأمريكية بكل وضوح: أنتم لستم وسيطاً نزيهاً، أنتم جزء من المشكلة ولستم جزءًا من الحل. وبالتالي نعم الفلسطينيون جاهزون للمواجهة، ليس لدينا شيء نخشى أن نفقده. القدس وموضوع اللاجئين وحق العودة، حذفتهما الإدارة الأمريكية من قضايا الحل النهائي. واعتبرت أن الشهداء والمعتقلين هم إرهابيين، وطلبت من القيادة الفلسطينية التوقف عن صرف رواتبهم الشهرية. والاستجابة للمطالب الأمريكية تعني ببساطة أننا فعلاً إرهابيون، وإننا معتدون على دولة الاحتلال الصهيوني. حين نقول لا للإدارة الأمريكية، ونواجه العربدة الصهيونية، نعلم أن كل وحد منا هو مشروع شهيد.
وحول توقعاته عن الاجراءات التي قد تتخذها الإدارة الأمريكية وإسرائيل رداً على قرارا المجلس المركزي الفلسطيني ذكر السفير الفلسطيني، قال لم يبقى لنا شيئاً لم يأخذوه، ولم يستخدموه كأداة ضغط على الجانب الفلسطيني، بدءًا من قضية القدس كما أسلفت، مروراً بقضايا اللاجئين والحصار وفصل غزة عن الضفة، واعتبار أومتها هي فقط قضية احتياجات إنسانية، وصولاً إلى التدخلات في القضايا الداخلية، وفرض الضغوط الاقتصادية والسياسية، ومحاولة خنقنا ما لياً، وتشويه صورتنا.
نحن نعيد لهم كأس السم الذي حاولوا أن يدفعونا لنتجرعه. إن أكبر هيئة دولية تم إنشائها في الأصل لحل الخلافات العالمية وهي الأمم المتحدة، تم توظيفها من قبل الغرب الاستعماري وخاصة والولايات المتحدة من أجل تطويع حركات التحرر في العالم، نقوم نحن الآن بمواجهتهم تماماً عبر هذه الهيئة.
ماذا عن اتفاقيات أوسلو
فيما يتعلق بمصير السلطة الفلسطينية بعد القرارات الأخيرة، السلطة التي تم إنشائها بموجب اتفاقيات أوسلو، وهل سيجري حلها، وتكليف منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة المرحلة المقبلة. أوضح الدكتور لؤي أنه قبل التطرق لهذا الأمر، لابد من ذكر بعض القضايا بصورة عاجلة. نحن نشعر بالأسف للصورة التي ظهرت عليها الولايات المتحدة الأمريكية في عهد ترامب، والتي باتت تهدد السلم والتعايش السلمي والإنساني في العالم، الولايات المتحدة انسحبت من عدة هيئات ومنظمات دولية مثل لجنة حقوق الإنسان، ومنظمة اليونسكو، واعتبرت محكمة العدل الدولية التي تحظى بالاحترام من المجتمع الدولي، بأنها محكمة غير شرعية، لمجرد أن القيادة الفلسطينية تقدمت بشكوى ضد إسرائيل في هذه المحكمة. أيضاً الولايات المتحدة قامت بتهديد دول العالم بشكل سافر وعلني، وأعلنت عن نيتها وقف المساعدات المالية عن أي دولة تقوم بالتصويت لصالح فلسطين في الهيئات الدولية. ووصل الأمر بالرعونة والاستبداد والعربدة الأمريكية أن قامت السفيرة الأمريكية في مجلس الأمن بتهديد الآخرين بالضرب بالحذاء فوق رأس كل من ينتقد إسرائيل!!
صفقة القرن لن تمر
حين يعتبر الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن صفقة القرن هي وعد بلفور الثاني الذي لن يمر كما مر الوعد الأول، فهذا يعني أن القيادة الفلسطينية كشفت للجميع المخطط المعد للمنطقة إضافة لكشفها زيف وانحياز الولايات المتحدة حين يقدم الرئيس أبو مازن الوثائق التي سبق أن وقعتها الإدارة الأمريكية ثم تنكرت لها. القيادة الفلسطينية بحجمها وامكانياتها المتواضعة تخوض الآن صراعاً دولياً. وأنا أتوجه بحديثي إلى جميع أهلنا في الجزائر: أنتم هزمتم الامبراطورية الفرنسية بنضالكم وصبركم وتضحياتكم، والفلسطينيين سوف يصمدون في وجه الإمبراطورية الأمريكية الصهيونية التي تحاول أن تخلق قوى ناشئة يمينية جديدة. نحن نعلم أن حجمنا صغير في المشهد السياسي العالمي، ولكن لهذا العنصر الصغير دوره الفعال والمهم والمؤثر، بصورة تجعل من المشهد الكبير يتعطل ويتوقف، في حال حذف أو استبعاد العنصر الصغير. نحن نناضل ونقاتل بأدواتنا وآلياتنا التي نحددها وفق رؤيتنا ومصالحنا بما يضمن الحفاظ على وجودنا ومشروعنا، فيما الأخرون غارقين في الصراعات الجانبية.
أيضا لابد من التطرق إلى قضية الوحدة الوطنية الفلسطينية، نحن نؤمن أنه لا يمكن تحقيق أي انتصار دون الوحدة الوطنية بين مختلف القوى، وسوف تبذل القيادة الفلسطينية وفي مقدمتها الرئيس أبو مازن كل الجهود من أجل تحقيق هذا الهدف، ومن هنا فإننا نتوجه لإخوتنا في حركة حماس أن يشاركونا هذه القناعة للخروج من المأزق الفلسطيني الراهن، وأن يتوجهوا إلى أشقائهم وليس إلى إسرائيل ولا إلى الولايات المتحدة، ولا إلى أي طرف، وأي موافقة من حركة حماس على التهدئة الطويلة مقابل إقامة مطار خارج الأراضي الفلسطينية، أو الموافقة على إقامة ميناء بحري، فهذا يعني أنهم من الناحية العملية يشاركون في تحقيق صفقة القرن. والقيادة الفلسطينية لن تسمح لأي طرف باستغلال موضوع الانقسام في غزة والذي تقوده حركة وحماس بهدف إضعاف الموقف الفلسطيني وممارسة الضغوط عليه. إن عناوين نضالنا هي الأمم المتحدة وهيئاتها والقرارات الدولية، المقاومة الشعبية، الوحدة الوطنية ومحاولة إعادة الاعتبار لأهمية الأمن القومي العربي، ونأمل من كل قلوبنا، وبعد أن استنفذنا كافة الجهود مع حركة حماس لإنهاء الانقسام، أن ينجح الأخوة المصريين في إقناعهم العودة للوحدة وتطبيق اتفاقية 12/10/2017 الموقعة من قبلهم.
الشعب الفلسطيني اليوم يشكل أكثر من نصف عدد السكان في فلسطين التاريخية، ولذلك نحن موجودون وسنظل، لأن جذورنا عميقة في أرضنا، حتى بعد اعتبار إسرائيل دولة لليهود فقط، بعد اعتماد قانون القومية العنصري. ونقول لإسرائيل وللعالم: إن كنتم راغبون في السلام والاستقرار، نحن أيضاً نرغب في السلام والاستقرار، لكن يتوجب عليكم تطبيق كافة النصوص التي تتضمنها الاتفاقيات الموقعة بيننا وبينكم، وعلى العالم وهيئاته أن يحترموا تواقيعهم على القرارات التي صدرت عنهم والمتعلقة بالقضية الفلسطينية، وأن يعملوا على تنفيذها.
للأشقاء العرب لا تخرجوا من المركب
فيما يتعلق بالوضع العربي الراهن، الذي يشهد انهياراً على أصعدة متعددة، ومحاولة خلط الأوراق والمحاولات الجارية لخلق أعداء جدد في المنطقة، كي تظهر إسرائيل على أنها الدولة المهمة الحليفة في هذا الجزء من العالم، ومنحها الشرعية السياسية والوجودية، والقبول بها كدولة طبيعية من دول المنطقة، بل ومنحها دوراً في معالجة القضايا الساخنة، دون اعتبار الوصول إلى حل عادل للقضية الفلسطينية، ودون الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة.
نتوجه لإخواننا العرب بالقول: أن هناك قرارين اتخذتهما الجامعة العربية في قممها، الأول اتخذ في العام 1980 ويقضي بقطع العلاقات العربية مع أية دولة تنقل سفارتها إلى مدينة القدس المحتلة، وهنا نحن نطالب إخوتنا العرب بتنفيذ قرارهم. والقرار الثاني هو المتعلق بالمبادرة العربية التي لم تحترمها لا إسرائيل ولا البعض منا، رغم أن الجانب الفلسطيني وافق على هذه المبادرة التي تنص في أحد نصوصها على أن التطبيع الكامل من الدول العربية والإسلامية مع إسرائيل، مشروط بقيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف، لكن ما يحصل اليوم بنظرنا هو استسلام مطلق للأمر الواقع الذي تفرضه أمريكا ودولة الاحتلال الصهيوني.
نسأل هنا هل القضية المحورية على أرض الواقع اليوم هي البحث عن شرعية دولة الاحتلال، أم تثبيت الشرعية الفلسطينية المهددة والمتمثلة في دولة للفلسطينيين. إسرائيل موجودة كدولة أمر واقع، لكن من يقاتل ويناضل من أجل الحصول على دولته وشرعيته هي فلسطين والشعب الفلسطيني. نحن نقول بكل محبة ومسؤولية: من يضع بيضه كاملاً في السلة الأمريكية سوف ينام دون عشاء. الولايات المتحدة الأمريكية لديها مشروع استراتيجي للمنطقة. إسرائيل لديها مثل هذا المشروع. الدول الإقليمية الكبرى لديها مشروعها الخاص. أين المشروع الاستراتيجي العربي الذي نناضل لتحقيقه؟ ويتضمن الدفاع عن القدس وعن الدين الإسلامي الحنيف، وعن الأمن القومي العربي ومصالح الأمة وثقافتها؟ لكن للأسف بقلب مجروح نقول لا وجود لمثل هذا المشروع من سوء حظ الأمة.
نقول أيضاً للجميع: لا تطلبوا منا التنازل عن القدس لأنكم عاجزون عن الدفاع عنها. الفلسطينيون يقاتلون دفاعاً عن كل ذرة تراب عربية، وعن الدين الإسلامي، وعن مصالح العرب أجمعين. وأذكر العرب بقول الشاعر الجاهلي "دريد بن الصمة"
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى ** فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد
وما أنا إلا فتى من غزية إن غوت ** غويت وإن ترشد غزية أرشد
نحن من العرب وإليهم، ولا نطلب منهم سوى التماسك والحفاظ على الحد الأدنى من المصالح العربية، في ظل هذه الانهيارات التي تمحق بنا من كل صوب. لا يمكن النجاة لأحد خرج من المركب لأنه سيغرق وحده.
استبداد الإدارة الأمريكية
أما ما يتعلق بالمواقف الدولية، فالموقف الأمريكي ليس هو الموقف المقرر الوحيد، هناك العديد من الدول الكبرى والمؤثرة تدعم الموقف الفلسطيني، ومنها روسيا والصين وآخرين. وفي ظل متغيرات دولية وهامة، منها اشتداد الصراع التجاري الدولي، وبدء ظهور تعارضات بين المصالح الأمريكية والأوروبية، وسعي أمريكا لكبح نمو اليابان، وظهور بداية العودة لسباق التسلح بين أمريكا وروسيا، وفي ظل اشتداد لهيب الصراعات الإقليمية، لكل ما سبق فإن الولايات المتحدة تحاول فصل الملف الفلسطيني عن الجسد العربي، بحيث تصبح كل دولة عربية منشغلة بقضاياها الوطنية الداخلية، والضغط على بعض الأنظمة العربية لممارسة ضغوط على الجانب الفلسطيني للتماهي مع الأفكار الأمريكية. نحن نظن أن صفقة القرن يجري تنفيذها على مراحل.
كذلك تسعى الإدارة الأمريكية إلى فصل غزة عن الضفة عبر ممارسة المزيد من الضغوط والحصار لزيادة المعاناة لأهالي غزة، بحيث تصبح القضية الأهم هي قضايا إنسانية متعلقة باحتياجات سكان القطاع، وبمعالجة المشكلة الاقتصادية يجري إسقاط البعد السياسي.
ثم أن هناك محاولات لإسقاط منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وأنا هنا أتوجه لأهلنا في الجزائر وأقول: أنتم من ساندتم ودعمتم منظمة التحرير الفلسطينية وجعلتم منها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ودفعتم ثمناً كبيراً مقابل هذا الموقف، ونحن لن نتراجع عن هذا الإنجاز وسوف ندافع عنه بكل ما نملك. نحن ندافع عن هذا العنوان الكبير في أن يكون هناك ممثل واحد وحيد فقط يفاوض باسم الشعب الفلسطيني وينطق باسمه ويكون معبراً عن مصالحه.
في الشق المرتبط باتفاقيات أوسلو والسلطة الوطنية الفلسطينية، نحن نمتلك وضوح الرؤية الذي يمكننا من تحديد أدوات النضال في كل مرحلة، اذكر أن حركة فتح هي من أطلق النضال الفلسطيني المسلح في أواسط الستينيات من القرن الماضي، وحركة فتح أول من طرح فكرة الدولة الديمقراطية في فلسطين والتي يعيش فيها أبناء الديانات الثلاث وتم رفضها، ونحن أول من ابتدع الاشكال المتنوعة في النضال، وأول من أظل على العالم بمساعدة الجزائر في إيصال الصوت الفلسطيني إلى مقر الأمم المتحدة، نحن أول من شارك في الانتفاضة الأولى والثانية، وصولاً إلى المرحلة التي تم فيها التوقيع على اتفاقيات أوسلو. هذه الاتفاقية الآن انتهت باعتبارها اتفاق تعاقدي بين طرفين، ينص في جانب منه على إنشاء دولة فلسطينية بعد خمس أعوام من توقيع الاتفاق. والآن مر ربع قرن ولم تقام دولة فلسطينية. ولا يفاجئنا عدم إنشاء الدولة لأننا نعلم جيداً أننا نواجه مشروعاً استراتيجياً صهيونياً متكاملاً في المنطقة، ولكننا في ظل ذلك تمكنا من إدخال حوالي نصف مليون إنسان فلسطيني إلى داخل الأرض المحتلة، ثم استطعنا ضمن رؤية استراتيجية للصراع أن نجمع العناصر الثلاثة اللازمة لإقامة الدولة وهي الأرض والشعب والسلطة، والتي مكنتنا من إعادة فلسطين إلى الخارطة، وأن ننتزع اعتراف العالم بها، وأن يرفرف علمها الوطني في مقرات الأمم المتحدة، وأن نصبح أعضاء في العديد من المنظمات الدولية.
إن السلطة الوطنية الفلسطينية تأسست بقرار صادر عن منظمة التحرير الفلسطينية، لإدارة الشؤون الحياتية والمدنية للسكان الفلسطينيين، وحين ينتهي دورها سيقوم المجلس المركزي الذي هو أعلى سلطة تشريعية فلسطينية بعد المجلس الوطني بمناقشة هذا الأمر.
نحن نمتلك الإيمان الكبير بالله أولاً، وبشعبنا وقيادتنا وأمتنا العربية والإسلامية، ولا يمكن لاي مخلوق كان أن يفرط بالقدس وبالقضية الفلسطينية. نحن كنا موجودين على هذه الأرض وسنبقى، رغم الصعاب، لأننا بدفاعنا عن فلسطين ندافع عن كرامة الأمة العربية، وسوف نظل نناضل حتى استعادة حقوقنا وبناء دولتنا وعاصمتها القدس.