عن الأهالي : فجرت الطفلة البريئة “ندى” ابنة مركز منفلوط بأسيوط، والتي دفعت حياتها الثمينة ثمنا لجهل أسرتها، وأحد الأطباء الذين لا يراعون الشرع والقانون، قضية “ختان الإناث”
مرة أخرى وإعادتها إلى الأذهان، وهي جريمة يعاقب عليها القانون ونقابة الأطباء والتي تصل عقوبتها إلى الشطب.
وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف”، فإن عددا كبيرا من النساء في مصر، مصابات بتشويه الأعضاء التناسلية، حيث أن مصر تأتى في المركز الرابع عالميا في نسب انتشار الختان، بـ91%، وتسبقها في القائمة الصومال وغينيا وجيبوتي، وتعدت نسبة انتشار ختان الإناث في مصر سنة 2000 الـ97%، وهى النسبة التي انخفضت سنة 2015 إلى 92%، ثم إلى 87% سنة 2016، لكن انتشار تلك الممارسة عاد في الصعود إلى 91% سنة 2017، رغم تبنى الحكومة تشريعات عقابية، لمن يقوم بالختان للإناث منذ عام 2008 .
بالطو أبيض
ولمواجهة هذه العمليات، نظم عدد من الأطباء، مبادرة “بالطو أبيض” ضد ختان الإناث، والتي أطلقتها مؤسسة “مصر للصحة والتنمية المستدامة”، بمحطة مترو الشهداء، فتأتي المبادرة في إطار اليوم العالمي لرفض ختان الإناث، والذي يصادف 6 فبراير من كل عام، وانطلاقا من المسؤولية المجتمعية لمؤسسات المجتمع المدني تجاه جريمة “ختان الإناث”، خاصة بعد وفاة الطفلة ندى حسن، بمحافظة أسيوط.
فقال الدكتور عمرو حسن، أستاذ مساعد النساء والتوليد والعقم بقصر العيني، والمؤسس والمدير الطبي لمؤسسة “مصر للصحة والتنمية المستدامة”، إن يوم 6 فبراير، هو اليوم العالمي لمناهضة ختان الإناث، وطبقا للمسح السكاني الأخير لمصر 2014، فإن 82% من حالات الختان، تحدث عن طريق عيادات خاصة، مبينا أن ختان الإناث في مصر، حرب تحتاج إلى زيادة وعي المواطنين لتغيير المفاهيم المختلفة .
وأكد أننا نحتاج إلى تقديم رسائل للمواطنين لتغيير المفاهيم المغلوطة عن ختان الإناث، قائلا : ” في أمهات بييجوا يقولوا لي شوف بنتي محتاجة ختان ولا لا، كل الأفكار دي لازم تتغير، وسبب اختيار اسم “بالطو أبيض” للمبادرة، هو وجود مشكلة كبيرة في مصر، اسمها ” تطبيب ختان الإناث “، بمعنى إن بعض الأطباء يقومون بإجراء عمليات الختان للبنات، علشان كده أطلقنا اسم الحملة، علشان نقول إن الأطباء ضد ختان الإناث “.
وأوضح أنه المبادرة تقوم بالإجابة عن كل التساؤلات التي تدور في أذهان المواطنين، منها هل الختان له فوائد طبية؟، وغيرها من الأسئلة التي تساعدنا مع الوقت، على القضاء على أول نوع عنف يمارس على الفتاة، خاصة أنه ليس له علاقة بالطب من الأساس ويعد جريمة، وأيضا ليس له علاقة بالدين الإسلامي أو المسيحي، وما هو إلا عادة منتشرة في 28 دولة أفريقية.
موروث خاطئ
أكد الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، أن عملية ختان الإناث ليس لها أي سبب علمي، وما هي إلا مجرد ثقافة خاطئة تودي بحياة الكثير من الفتيات، مؤكدا اتفاقه مع دار الإفتاء على عدم صحته، ولكن الفئات السلفية ترمز له على أنه تاج للعفة، وهذا موروث خاطئ .
وأضاف أن عملية الختان تسبب حالة نفسية غير مستقرة، تؤدي إلى الكوابيس المتلازمة للفتاة، وفى بعض الحالات تتسبب في الإصابة بمرض عصبي، وكلما تذكرت الفتاة هذه الحادثة في ذهنها، يصيبها الذعر والهلع، ويمكن أن يسبب لها التبول اللاإرادي، لافتا إلى أن عملية ختان الإناث، تعد جريمة في حق الأنثى، ويترتب عليها آثار نفسية وخيمة على المدى الوقتي والبعيد، لأنها بمثابة عملية “اغتصاب” للأنثى، مما يؤدي إلى الكثير من الضغوطات النفسية التي تتعرض لها .
وأوضح أن مخاطر ختان الإناث تضر بالحياة الزوجية للمرأة فيما بعد، لأنها تكون غير مهيأة للعملية الزوجية حتى وأن كانت تحب زوجها، مشيرًا إلى أن هناك حالة، تتردد إليه بصفة دورية بسبب ما تعانيه من ذعر أثناء العلاقة الزوجية، مؤكدا أن الآثار المترتبة على عملية الختان ليست فقط آثار نفسية بل هي آثار جسدية وصحية، بل قد تخسر حياتها أثناء عملية التخدير أو من هول الصدمة، خاصة إذا لم يكن هناك تخدير موضعي .
وأشار إلى أن غياب العلم والثقافة هما المسئولان عن جريمة الختان، متهما الوزارات المعنية بأنها مسئولة عن التقصير في هذا الملف، ولا بد من التحرك لإنقاذ هؤلاء الضحايا، مبينا أن جسد الإنسان وسيلة لتنفيذ رغبات المخ ولا يوجد له علاقة بالختان أو غيره، لكن مثل هذه الأمور تعتمد في الأساس على الأخلاق والتربية، لذلك لا بد من التعامل مع الملفات الخطيرة بطرق جيدة ومبتكرة، لجني ثمارها .
سوء عادات وتقاليد
ومن جانبه قال الدكتور محمد عبد الحميد، أمين صندوق نقابة الأطباء، إن تغليظ العقوبة على ظاهرة ختان الإناث، ليست الحل الأمثل، موضحا أن الطبيب يعاقب إذا قام بتلك الواقعة، والقانون يجب أن يطبق أولا، لذلك يجب عمل حملات توعية على أعلى مستوى لاحتواء الظاهرة وخاصة بالأماكن العشوائية.
وتابع أن الموضوع له أبعاد كثيرة، اجتماعية واقتصادية وسياسية وطبية، وليست فقط عقابية، لأن الأهالي لا يقدرون على الإبلاغ عن أنفسهم، مبينا أن أي فعل مخالف للقانون يقوم به الطبيب، مثل ختان الإناث، يتحول للتحقيق في لجنة آداب المهنة أولا، قبل تصنيف مدى الخطأ الطبي وتختلف من حالة إلى أخرى.
وأوضح أن كل حالة لها ظروفها الخاصة وعقوباتها، فعملية ختان الإناث، تتراوح من الإيقاف المؤقت وتصل إلى الشطب لو تكرر الخطأ، مشددا أن العقوبة ليست الحل الوحيد للقضاء علي ظاهرة ختان الإناث، فرفع الوعي الصحي والثقافي والديني، أهم بكثير من تغليظ العقوبة، خاصة أن أصل مشكلة ختان الإناث هي سوء عادات وتقاليد .
خطة تنفيذية واضحة
كما قالت الدكتورة مايسة شوقي، نائبة وزير الصحة سابقا، وأستاذة الصحة العامة وطب المجتمع بكلية الطب جامعة القاهرة، إن جهود مناهضة ختان الإناث قوية، لكنها تحتاج المزيد، ولن تؤتي ثمارها إلا بمزيد من التنسيق، مطالبة بمراجعة وتحديث إستراتيجية مناهضة ختان الإناث، ووضع مؤشرات رقمية للمتابعة والتقويم وتوفير التمويل اللازم لها.
وأكدت أن عمليات الختان ما زالت منتشرة في القرى والنجوع، باعتبارها عادة متوارثة، ودعت لتعاون فعال مع الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني، للعمل على الحد من الختان، وإيجاد آليات تنفيذ ومتابعة لبنود الإستراتيجية القومية، مشيرة إلى أن تحسن المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، تؤدي إلى انخفاض نسب ختان الإناث، فانخفاض احتمالية خضوع الفتيات لختان الإناث عند حصول أمهاتهن على تعليم عالٍ .
وأشارت إلي أحدث دراسة ميدانية، وهي مسح النشء والشباب في مصر، الذي أعدها مجلس السكان الدولي في 2018، توصلت إلى أن نسبة الختان بلغت 92% بين المتزوجات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15-49 سنة، و 85% بين الشابات في الفئة العمرية 20-25 سنة، وانخفضت إلى٧٢% بين الفتيات في الفئة العمرية 17-13 سنة .
كما رصدت زيادة ملحوظة في نسبة الفتيات اللاتي تم ختانهن بواسطة طبيب أو ممرضة، فبلغت ٦٥% بين الفئات العمرية 13-17 سنة، مقارنة بـ31% بين السيدات المتزوجات، والتي تتراوح أعمارهن بين 15 – 49 سنة، وأرجعت الدراسة هذا، إلي أنه ربما تكون الحملات الإعلامية المناهضة لـ ” ختان الإناث “، قد ساهمت في تطبيب ختان الإناث، حيث إنها ركزت على المضاعفات قصيرة المدى لختان الإناث، وتحديدا النزيف والوفاة، ومن ثم حرصت الأسر على تجنب تلك المضاعفات عن طريق اللجوء إلى الفريق الطبي .
وشددت ” شوقي ” أن هذه الجهود الكبيرة في مصر، لن تؤتي ثمارها المرجوة، إلا بمزيد من التنسيق الذي نفتقده بوضوح في الوقت الحالي، والدليل علي ذلك هو تأخر إعداد منهج سكاني في الجامعات، يتضمن كل المفاهيم السكانية، ومن بينها التوعية بجريمة ختان الإناث.
وطالبت برسم خريطة للجهات ذات الصلة، وتحديد المستهدفات من التدخلات النوعية جغرافيا، وربطها بخطة تنفيذية واضحة مع الاستفادة من التجارب الناجحة للدول الأفريقية، وكذلك أهمية تفعيل توصيات الأبحاث العلمية ذات الجودة، ومراجعة وتحديث إستراتيجية مناهضة ختان الإناث، ووضع مؤشرات رقمية للمتابعة والتقويم وتوفير التمويل اللازم لها.