ندرت سعاد كنون، مناضلة أطاك المغرب، الجزء الأكبر من حياتها للنضال لأجل ما آمنت به؛ مجتمع الحرية والعدالة الاجتماعية؛ مغرب آخر ممكن وضروري.
الحديث عن سعاد يفرض نفسه لمناسبتين: الأولى الذكرى 20 لتأسيس أطاك المغرب؛ الجمعية المناهضة للنيوليبرالية والمناصرة لضحاياها من ملايين المقهورين التواقين والتواقات لمجتمع بديل؛ ملؤه الحرية والعدل والمساواة. طيلة هذه الفترة كانت سعاد دائما في الميدان، بكاميرتها الصغيرة ونقاشاتها الحادة ومواقفها الصلبة. تلك الكاميرا لا تضيع فرصة لتغطية الحدث؛ ندوات الجمعية؛ جامعاتها الربيعية، المؤتمرات؛ المخيمات الصيفية، المنتديات الاجتماعية..
المناسبة الثانية؛ 08 مارس؛[2020] محطة احتجاج سنوية للتنديد باستمرار تفاقم الأوضاع اللاإنسانية للنساء في ظل قوانين مكرسة للميز وهضم الحقوق.. وهجوم برجوازي كاسح على مكتسبات تاريخية من خصخصة للخدمات الاجتماعية؛ تعليم؛ صحة..ومن هشاشة وبطالة.. حيث النساء أولى الضحايا.
ولدت سعاد سنة 1956 بالدار البيضاء. حصلت على الباكالوريا من ثانوية ليوطي سنة 1975. سافرت الى فرنسا لدراسة الهندسة المعمارية سنة 1976 وكانت أجواء انتفاضة 68 لاتزال تخيم على البلد. حصلت على دبلوم الهندسة سنة 1980. بدأت بالتقاط أولى الصور سنة 1990. بدأت بإخراج الأشرطة الوثائقية سنة 2000. وستصدر كتابا حول الهجرة السرية سنة 2001 بعنوان ليزانسونديي [1] هكذا انتصرت شخصية سعاد المناضلة على شخصية المهندسة؛ بالتخلي عما تحققه الأخيرة من امتيازات.. مثلما تخلى تشي غيفارا عن مهنته كطبيب ليمارس التصوير ثم ليعانق بندقية الثورة ويحارب الظلم أينما وجده.. لذلك لا عجب أن تُتَيّمَ سعاد كنون بسيرة هذا المناضل الأممي الكبير. ذكرت صحيفة مغربية في لقاء لها مع سعاد سنة 2008 بأنها “لازالت تحب تروتسكي وغيفارا وروزا لوكسمبورغ، وفي الليل تدخل الى مختبرها الصغير بشارع الروداني بالدار البيضاء، لتعيد تركيب معالم هذا الكون” [2] أخرجت سعاد عشرات الأشرطة الوثائقية؛ والتقطت مئات الصور توثيقا لنضالات المقهورات والمقهورين، واعطت بمجهودها الشخصي، مثالا حيا عن اعلام مناضل يكشف ما تتحاشاه كاميرات الاعلام الرسمي وخدام الاستبداد من صحفيي البلاط ذوي التمويل الضخم، ما يجعل أعمالها ترقى الى مستوى الوثيقة التاريخية ذات المصداقية، الناقلة للحقيقة كما هي، المعرية لفظاعة معاناة ضحايا النظامين الهمجيين: الرأسمالي والبطريركي. وقد كان للنساء الكادحات المناضلات حظ أوفر من هذا التوثيق.
فعندما خرجت عاملات النسيج بالرباط-سلا للتنديد بالاستغلال الرأسمالي والتسريحات والاغلاقات الناتجة عن أزمة قطاع النسيج جراء حمى المنافسة بين الرأسماليين محليين وأجانب بعد نهج نظام الرأسمال التابع بالمغرب لسياسة الانفتاح منذ الثمانينيات، كانت سعاد حاضرة لإنجاز شريط وثائقي حول المعركة.
وعندما أخرجت شريطها “قافلة التضامن الدولية لمناهضة انتهاكات مؤسسات القروض الصغرى” في أبريل 2015، سافرت الى جنوب شرق فرنسا لتقديمه بغرونوبل وسانت مارتن دي هيريس.. وهو شريط يغطي قافلة التضامن الدولية التي نظمتها كل من الشبكة الدولية للجنة من أجل الغاء الديون غير الشرعية وجمعية أطاك المغرب؛ العضو بنفس الشبكة، في أبريل 2014 لفائدة نساء ورزازات ومناطق الجنوب الشرقي المهمش. تلك القافلة التي جسدت واجب التضامن بالتنقل عبر ورزازات، أكدز، قلعة امكونة وصولا الى الريش بأقصى اقليم قصر السوق، للقاء النساء ضحايا مؤسسات السلفات الصغيرة، بعد بروز حركة احتجاجية مناضلة لهؤلاء الضحايا وأغلبيتهم نساء سنة 2011، وقد شاركت بالقافلة التضامنية نساء مناضلات من أمريكا اللاتينية وأوروبا وافريقيا. كانت سعاد؛ كذلك؛ إلى جانب رفيقتها في أطاك المغرب لوسيل دوما، حاضرتين ومتابعتين لأطوار المحاكمة الظالمة لمنسقي حركة ضحايا القروض الصغرى بورزازات؛ أمينة وبناصر؛ إثر شكايات من مؤسسة “إنماء” بهدف التضييق على النضال ووقفه.
في حوار لها مع ماري كلود كاريل، وهي بفرنسا، أكدت سعاد على الأهمية القصوى التي كانت للقافلة في دعم الضحايا، مبرزة “انحرافات” مؤسسات القروض الصغرى، وكون نساء ورزازات الفقيرات والأميات كشفن بنضالهن هذا الانحراف، وأن للقروض الصغرى والدين العمومي نفس الآلية المستخدمة من قبل الرأسمال لامتصاص الأرباح بذريعة “محاربة الفقر” [3] لقد لعبت كل من أطاك المغرب ومناضليها ومناضلاتها، وبمقدمتهن سعاد كنون، دورا تاريخيا في نقل هذا الملف من طابعه المحلي لإعطائه بعدا عالميا، وحشد الدعم العالمي للضحايا. وعلاوة على الأيام التكوينية التي نظمتها كل من أطاك المغرب والشبكة لفائدة هؤلاء النسوة المناضلات مدة أسبوع قبيل انطلاق القافلة، واصلت أطاك مجهودها بإنجاز دراسة ميدانية حول الموضوع واصدارها في كتاب [نظام القروض الصغرى بالمغرب- فقراء يمولون أغنياء-2016] مجسدة شعارها: “جمعية تثقيف شعبي متجه نحو الفعل” قولا وفعلا.
عند انفجار انتفاضة أهالي مدينة افني أيت باعمران الثانية سنة 2008 (الأولى 2005) حملت سعاد كاميرتها ونزلت لتصوير المظاهرات الضخمة ذات المشاركة النسائية الوازنة جدا، والى شريطها التاريخي المتقن، يرجع الفضل في نقل حقيقة القمع الذي تلا المظاهرات من تكسير للأبواب واقتحام للبيوت واعتقالات عشوائية وعبث بحرمة الجسد النسائي بمخافر الشرطة وسرقة للجواهر ومطاردة لقادة الحراك الشعبي الافناوي في الجبال.. لقد سفهت سعاد بشريطها تقرير “الحقوقية” الاتحادية أمينة بوعياش المزيف للحقيقة حول ما سمي ب”أحداث” افني أيت باعمران.
وعند انفجار الاحتجاجات بالحسيمة بعد الزلزال، حملت كاميرتها الصغيرة مرة اخرى فأنجزت شريطا لم تتردد في تسميته “ما تبقى من جمهورية الريف”
وعند محاصرة المخابرات الأمريكية لنظام هوغو تشافيز بفنزويلا سنة 2006، سافرت سعاد الى كركاس لتعرف ما يجري هناك، وانجزت شريطا حول الثورة البوليفارية، “يرصد التغيرات التي طرأت على المجتمع الفنزويلي بعد صعود تشافيز، حيث أعطت المخرجة الكلمة للأمريكيين الجنوبيين للتعبير عن آرائهم في التجربة السياسية والاجتماعية لهذا البلد” [4]
وعند ارتكاب دولة اسرائيل الصهيونية لمجزرة جنين، حملت كاميرتها وسافرت الى الأردن لتصور في مخيمات اللاجئين.
وعندما كانت هراوات أجهزة القمع تهوي على رؤوس المعطلين والمعطلات منذ 1999/2000 أمام قبة البرلمان، كانت كاميرا سعاد مشتغلة في توثيق التنكيل.
وقد ظلت متابعة لقضايا النساء. ففي حوارها مع ماري كلود كاريل بفرنسا سنة 2015، تحدثت سعاد عن “التقاليد المتداعية” قاصدة بذلك تغلغل علاقات الانتاج الرأسمالية المفككة لبنية التقاليد العريقة لاستغلال شجرة الأركان المغطية لأراض جماعية شاسعة بمنطقة سوس المغربي، حيث تنهض النساء بمهمة جمع حبوب زيت الأركان.. يكسرنها في منازلهن بعد الانتهاء من كل الأشغال الملقاة على عاتقهن، فيحولن تلك الحبوب الى زيت للاستهلاك المنزلي وللتدليك، كما يستعملن قشورها اليابسة وقودا لإيقاد النار. أتت جمعية أمريكية باسم “المساعدة على التنمية” للاستحواذ على هذه الثروة الطبيعية لجعلها “أكثر مردودية” و”اخراج النساء من الفقر” وتضيف سعاد:تعممت فضائل زيت الأركان في القطاع شبه الصيدلي وتكثف معها جني حبوب الأركان على حساب التنظيم الاجتماعي المحلي الموروث القائم على خبرات متراكمة عبر السنين، والقائم كذلك على تربية الماعز وانتاج الجبن والحليب. انطلق العمل بالشركة وبدأت النساء تحصلن على أجور ستسمح لهن بتغطية استهلاكاتهن، لكنها كانت أجورا زهيدة جدا، تدفعهن الى السقوط بين مخالب مؤسسات القروض الصغرى المتربصة بالنساء، بعد أن بدأن بالتخلي عن نمط عيشهن التقليدي، ليوضعن في مستودعات لإنتاج كثيف لما يسمى “تعاونيات”.. مثال جيد على صناعة استخراجية مفرطة.. تضيف سعاد. هكذا يتحول المنتوج المحلي الى زيت (ومشتقاتها) تباع كسلعة باهظة الثمن عبر العالم. هذا الربح الكبير دفع حتى دولة اسرائيل الى نقل نبتة الأركان من سوس لغرسها في ضيعاتها هناك [5].
بالعبارة التالية تنهي سعاد كنون الحديث مع محاورتها : لن ننتصر لوحدنا، كل في زاويته، اذا لم نوحد نضالاتنا ضد نظام استغلال رأسمالي عالمي ونظام حروب دائمة ضد الشعوب واستيلاء على الأراضي والممتلكات والثروات الطبيعية”[6]
عموما، كاميرا سعاد كنون كانت دوما موجهة صوب من هم في الأسفل.. صوب مشردي ومشردات الدار البيضاء، وقد أحبت سعاد أدب محمد شكري وصديقه الفرنسي حون جونيه، مؤلف “يوميات لص”. ومثلما واكبت سعاد مظاهرات حركة 20 فبراير سنة 2011، واستمرت بمشاركتها مؤخرا بمسيرة الدار البيضاء ليوم 23 فبراير 2020 احياء لذكرى تلك الحركة المجيدة، سنظل نجدها في كل احتجاجات شعبا المستمر في النضال لمحو أثر نظام الفساد والاستبداد واستبداله بنظام أكثر حرية وعدلا ومساواة.
بقلم : ح.ح. عضو أطاك المغرب. مجموعة ورزازات
هوامش:
1)-جريدة المساء، العدد 489، الثلاثاء 15/04/2008
2)- نفسه
3)- موقع أطاك المغرب:مقابلة مع سعاد كنون: لن ننتصر لوحدنا، كل في زاويته، إذا لم نوحد نضالاتنا ضد نظام استغلال رأسمال عالمي.
4)- موقع أطاك المغرب:مجموعة أطاك بالبيضاء تعرض فيلم سعاد كنون حول الثورة البوليفارية
5)- موقع اطاك المغرب:مقابلة مع سعاد كنون. مرجع سبق ذكره.
6)- نفسه.
قناة سعاد كنون على اليوتيوب : اضغط هنا