-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

بديعة و بدر و آخرون ... رشيد سكري


                      ـ 1 ـ
 يزحف الخريف على الأرصفة و الأفاريز... ناشرا سحابات قطنية على هامات البيوت الواطئة ، مصابيحُ غافية و مويجات تلفظ آخر أنفاسها على الشاطئ المغبش . على إيقاع الغنج و الدلال ، قطعا معا المساءات الندية ، حتى وصلا جسر العبور الآمن .
قالت بديعة : يسعفني الكلام ، عندما نحتفي بهذا الامتداد الأزرق.
نظر إليها بدر، ماسحا رذاذا رُضابيا على جبينها كحُبيبات زُمردية ، تتخاطفها الألوان . وقال : أنت شاعرة بالدَّواخل ، لا تراجع و لا رجوع .اِحفظي القوافي...فالزمن الشعري آت ، كالطوفان ... يقتلع الأغراس و يقيم الأعراس .
قالت بديعة :
ـ الجدب كل الجدب ... عندما تحتد الريح ، لن أنظر إلى الوراء. هاهي الشمس ترسل الوداع مع آخر نورس نخره الانتظار... ويبتلعها الأزرق الكتوم .
طاف حولها متلمسا بكلتا يديه بطنها ، الذي يزداد انتفاخا يوما عن يوم .
قال لها ، وهو يجلس القرفصاء :
ـ متى سيرى النور هذا الجهمي ؟
 أجابته ، و هي تهز نظرها إليه من تحت رموشها الفحماء : بالأمس كنت أنا و ميسان عند الطبيب ، أجرى لي كل الفحوصات اللازمة ، فبدا الجنين و المشيمة في صحة جيدة ، قاس الأطراف و النخاع و حجم الدماغ أيضا .
تبسمت بديعة فظهرت أسنانها مرصّعة بيضاء كالبرَد ، وقالت : انتهى ، إلى حين ، التاريخ الدموي إذن ... قاطعها بدر واضعا راحة يديه على فمها . وقال:
ـ لا تقولي ، إنك لا تعرفين جنسه ؟
 أطبق السكون على المكان ، إلا من هدير مويجات حالمة تلهو كطفل ، و ترغو فوق أحجار الفيروز البيضاء و الأرجوانية . أخذت إحداها  فأرسلتها بعيدة في الزحمة بين ظل النوارس و الماء . فسح لها الطريق ، فنزلت كسيدة الضوء نحو شاطئ باردةِ رماله.
قالت بديعة :
ـ قرأت ، في بعض المجلات المتخصصة ، حديثا عن سلوكيات الأجنة في الأرحام ؛ تأخذ الأنثى في الجهم المنحى العرضي، وتبدو منكمشة على نفسها في طقوس الولادة محافظة على جسدها الذهبي ؛ وتظل ملتصقة الساقين . بينما المخلوق الذكري يأخذ المنحى الطولي، ويثور رافضا هذه العتمة، التي تصفده و تكبله... ويشرع في الركل والرفس ... يتذوق مرارة الحياة ، بما هي صراع في صراع ... وفي هذا ينشدان أسطورة العيش الأبدي . رفعت بديعة فستان اللِيكْرا الأحمر بقماشه الناعم ، ذا عروة وحيدة جهة الظهر ؛ فكشفت عن ساقيها وبطنها. تحسس بدر بأذنه كل مناحي جسدها العاري السبط الأملس، و قال:
ـ إنني أسمع غيثك غيثك الميمون أصواتا ، تناديني من أعماق جسدك الغوير... أصوات ترسل عبر أثير السوائل ؛ التي تسبح فيها الحياة . أسدل بدر ستار قماش اللَِيكْرا على الجسد الفارع ، وأخذها بين ذراعيه ، فبدت كعصفورة ضمها الخريف.
                                             ـ 2 ـ
   تذكرت بديعة ما قالته أمي طاما ، عندما لفت بطنها بخيط الفتيل الأبيض، و بقياسات جدولة و تمتمات غريبة... تستطيع أن تكشف عن سر من أسرار طوق الرماد الداجي بين العَتْمة والضوء ؛ أسرار الأجنة . وضعت أمي طاما على حبل غسيل جدولا ، ذا تربيعات متداخلة ، فبدأت تنط من فوقه بقلم الأبنوس المخضل بالحناء ، الذي يجلب السَّعد ؛ إلى أن توقفت قطيرات الحناء على تربيعة قصية ... فتقرؤها... قارئة التربيعات !
رفعت بقعة الحناء في الضوء بين الارتواء و الاجتفاف. فظهر الجسد المرمري الممشوق، يُدق فيه الانتفاخ رويدا... رويدا. وصاحت :
ـ وجدتها ! وجدتها!

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا