لقد اتبعت تأثير وباء الكوفيد-19 على المجتمع ولاحظت 3 مراحل من التطور والتي أشاركها
معكم على النحو التالي.
بمجرد أن بدأنا في التعرف على حجم وباء كورونا في الصين ومحاولة فهم
ما يحدث هناك، حتى ظهرت كالرعد في سماء
زرقاء حالة الطوارئ الصحية العالمية بفرض إغلاق
المدارس والمطارات والمحلات التجارية والمقاهي والمطاعم وكل سكان العالم محصور في المنازل تحت راية الحجر الصحي،
وانكمشت كل دولة على نفسها مثل القنفذ دون أي استشارة بين
الدول. ولم يكن لدى أحد الوقت الكافي لإدراك ما يحدث وكأننا نعيش صدمة 11 سبتمبر مع 8و46د صباحًا والباتاكلان مع 9و40د مساءً والتسونامي الإندونيسي مع 8و38د صباحًا ودهس جمهور نيسْ مع 10و40د ليلا و إرهاب شارل هيبدو مع 11و30د صباحا والخمس هجمات الإرهابية بالدار البيضاء مع 10
ليلا.
في هذه المرحلة من الانطلاق المفاجئ العالمي لحالة الطوارئ الصحية وكما هو الحال في جميع الكوارث المفاجئة، تساءلت
البشرية عما إذا كان ما تعيشه كابوسًا أم
حقيقة؟ ولكن يوما بعد يوم أصبحت تدرك خطورة الكارثة والهجوم الإرهابي من
طرف الكوفيد-19.
هذه هي الصدمة الأولى!
المرحلة 2: حالة الحلم والبهجة
يحاول الإنسان بطبيعته التغلب على الصدمات ولذلك شاهدنا البشرية أثناء هذه الأزمة الصحية تشرع في عملية المرونة* وتعطي معنى لِما يحدث للتخفيف من صدمتها النفسية. وهكذا بدأ ظهور تفسيرات مختلفة ووصف عدة دروس من التجربة قبل الأوان وظهر فجأة
وعلى عجل الإبداع الفني والفلسفي والسياسي
والإيديولوجي والأدبي والاقتصادي.
هناك الذين يقولون أن ما
يحدث ما هو إلاّ تحقيق نبوءات دياناتهم حسب نصوصهم المقدسة والعالم قد دخل مرحلة الاتحاد وسوف يتم تأسيس النظم
العالمي في نهاية المطاف وبالتالي سيتم تحقيق الوحدة في التنوع.
وأولئك الذين يقولون أن
النظام الاقتصادي العالمي سوف ينهار وسيكون هناك تقاسم عادل لثروات العالم ونظم
اقتصادي جديد على الصعيد العالمي.
وآخرون يقولون أن هذا انتقام
من الله لأن الإنسان ابتعد عن الطريق المستقيم وسوف تُقام الشريعة الإلهية في كل أرجاء المعمورة.
ثم الذين يقولون أن الطبيعة
تنتقم من الإنسان وتجبره على القعود في الحجر الصحي لكي يتوقف عن تدميرها.
وكذلك هؤلاء الذين يقولون،
أخيرًا ها نحن جميعًا متضامنون و وجدت البشرية روحها وتوحدت مثل المعجزة وأصبحنا إخوة وأخوات مهما كان أصلنا أو لوننا أو
إيماننا.
وعلى المستوى الفردي، بدأ المواطن المتواضع يحلم بأن الفقر أصبح في
نهاية مطافه وسوف يتم القضاء عليه مع إلغاء القروض البنكية وتوفير
الرعاية الصحية المجانية المجانية و حتى الإسكان.
باختصار، بدأت البشرية تتخيل مستقبلاً وردياً ومجتمعًا إنسانيًا
حقيقيا بقيم أخلاقية عالمية وروحية تحل محل الدولار والنفط. ولذلك رأينا يغني
الناس على الشرفات وينشدن النشيط الوطني ويصفقون لأبطال الإنسانية مع الثامنة
ليلا.
ولكن وللأسف، في غضون أسابيع قليلة
درك المجتمع الإنساني أنه لم يتغير شيئا من وضعيته وظروفه واستيقظ أخيرا من
حلمه وعاد يتعب من الحجر الصحي وانتهت بهجة أحلامه.
هذه هي الصدمة الثانية!
المرحلة 3: حالة الإحباط
بمجرد أن بدأت البشرية في فتح عينيها وترى أملها المبتهج ينهار
حتى بدأ الرفع التدريجي للحجر الصحي مع
عودة كوابيس حياة ما قبل كورونا، وعاد
المجتمع يسرع ويسرع بكثير لاستئناف العمل والشغل مع الشعور بالتوتر والقلق لكسب
المزيد والمزيد من المال لتسديد الفواتير والإيجارات والقروض البنكية. وهكذا عاد
كل شيء كما كان عليه وأصبحت تتشابه جميع رؤى ما بعد كورونا مع حقائق ما قبل كورونا
وعادت الإنسانية مغمورة بخيبة الأمل والإحساس
بالإحباط.
هذه هي الصدمة الثالثة!
المرحلة 4: العودة إلى الحالة الخيالية
وهكذا عادت البشرية من جديد، وإلى الأبد، تتخيل باليقين أن العالم
الأفضل الموعود آتي لا شك فيه بدون تقبل أنها سوف تبقى دائما في الخيال كما تخيله إسلافنا
منذ بداية الحياة!
La résilience*
الدكتور
جواد مبروكي، طبيب نفساني، باحث وخبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي