طبعت فترة الحجر
الصحي ببلادنا عديد من المستجدات التي لم تعرفها
تاريخيا قط، ومن بينها تبادل المعلومات والمقالات حول الأوبئة تاريخا
وحاضرا محليا ودوليا، في هذا السياق أرسل
لي أحد أصدقائي مؤلفا هاما أود ان أقدم هنا للقراء بعض ملامحه، إنه "تاريخ
الأوبئة والمجاعات
بالمغرب في
القرنين الثامن عشروالتاسع عشر" لمؤلفه الأستاذ محمد الأمين البزاز، كتاب
ينتمي لصنف الاعمال القيمة التي تشرف الجامعة المغربية ،وقد صدر
سنة 1992 ضمن منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية سلسلة رسائل وأطروحات
تحت رقم 18.
تتجلى أهمية هذا
المؤلف في عدة جوانب ، الأول منها كونه أطروحة نيل الدكتوراة من طرف
صاحبه الذي حصل عليها بدرجة حسن جدا سنة
1990، وكان المشرف عليها الأستاذ المرحوم
جيرمان عياش وهو هرم جامعي حقيقي ترك لنا إضافة إلى تلامذته الأجلاء مكتبة
غنية من المؤلفات في التاريخ المغربي
وبالخصوص حول اهم قضايا التغلغل الاستعماري منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى ثمانينيات القرن العشرين، وينضاف لهذا الاعتبار أن المناقشين لهذه الأطروحة هم الأساتذة عبد العزيز التمسماني خلوق، محمد المنوني ومحمد
حجي ، و هؤلاء أهرامات من اوثق المراجع
بالنسبة للباحثين و كل المهتمين بالتاريخالمغربي.
والحقيقة ان هذا
العمل الجبار أقدم على إنجاز عصارة قرنين من تاريخ المغرب
أوضحت بكثير من الدقة كيف التئمت آفات
الأوبئة و المجاعات والفتن والضغوط الخارجية بشكل مستمر على امتداد هاته الفترة
لكي تقدم المغرب منهكا عليلاعلى طبق، اكلة سائغة تملا نهم المستعمرين، ومهما كانت
مواقف او سياسات المخزن أو مكونات المجتمع رافضة للتدخلات الأجنية ام لا، فإن
التحضير الطويل للتغلغل الاستعماري اوجد داخل كل الاوساط متعاونين يساعدون بدأب
على ذلك.
ويشير جيرمان
عياش في تقديمه للكتاب لأهمية موضوع الدراسة الذي ظل مغمورا لدى الباحثين
والمؤرخين لمدة طويلة رغم ما يشكله في الواقع كعنصرمحدد للمسار الذي عرفته بلادنا،
ويتسائل المؤرخ المغربي "كيف كان بإمكان المغرب أن يتطور وينمو ويعزز كيانه
ليصمد بالذات أمام هذا التسرب الأروبي ،كما فعلت اليابان ،مثلا،والحالةأن الأوبئة
والمجاعات كانت تجرف كل عشر سنوات أو خمس عشرة سنة بقسم هام من ثروته الحيوانية
والبشرية ،بما فيها الأطر الإدارية و العسكرية والثقافية ؟ لقد كانت القوى المنتجة
ووسائل النقل تتعرض للتدمير وكان الأمن يختل ويضمحل العلم ،وبدل ان تخطو البلاد
إلى الأمام كانت ترتد إلى الوراء " هكذا كتب جيرمان عياش في مقدمته التي
دونها وهو على فراش وداعه الأخير.
يذكر الأستاذ
البزاز في عمله بعض الحقائق المزعجة، التي
ربما تستطيع فتح ابواب الفهم بالنسبة
للأجيال الجديدة فيما يخص تاريخ هذا البلد ،خاصة إزاء مظاهر غريبة ، فالمغرب كمحيط
بشري وجغرافي، رغم قدرته الاستثنائية على المقاومة لمختلف محاولات الاحتلال، عرف
منذ نهاية القرن الرابع عشر مسلسل تقهقر
سياسي وثقافي و اقتصادي واجتماعي متواصل،
وفي منتصف القرن الخامس عشر عرف موجة أوبئة قضت على اكثر من نصف الساكنة ، وبالنسبة للقرنين السادس عشر والسابع عشر تمكنت
الدراسة القيمة التي أنجزها الأستاذان روزنبيرجي والتريكي من رفع الظل عن الأوبئة
والمجاعات التي اجتاحت المغرب خلال هذه الحقبة والتي لم تكن قليلة ابدا. لذا فإن
البحث الأطروحة التي أنجزه الأستاذ البزاز ملأ فراغا بينا، وصارت الصورة أوضح عن
خمسة قرون متتالية سبقت ولوج المغرب للقرن
العشرين ، هذا القرن الذي جعل المعلومات متوفرة حول أوضاع الأوبئة مع دخول
الاستعمار و بداية بناء الأدوات الإدارية العصرية للدولة . ويدفعني هذا للتذكير
بانه في 1911ومع محاولات فرنسا الاستفراد
بالمغرب لاحتلاله كان الطاعون يضرب مناطق دكالة ويتسع لمناطق مغربية أخرى حتى
سنة 1915 .
ويشير الأستاذ
إلى المقارنة الصارخة بين الحالة المغربية لمدة قرون متواصلة كانت فيها الثورة
العلمية والصناعية بالضبط ، تنمو بجوارنا بسرعة، بينما تغط بلادنا في سباتها
العميق.وهكذا كتب الأستاذ البزاز "في أروبا مكن التقدم العلمي تدريجيا من فهم
وتفكيك آلية الأوبئة وتطوير وسائل الوقاية، بينما ظل العلماء بالمغرب ينكرون حقيقة
العدوى ويطعنون في مشروعية الوقاية ".
سوابق لا بد من
الإشارة إليها
لم تميز المصادر
التاريخية المغربية بين الأوبئة والطواعين قبل حدوث ما سمي بالطاعون الأسود وهو
وباء يبدو أنه انطلق من الصين ليهم معظم بلدان آسيا الوسطى ثم الشرق الأوسط وسواحل
البحر الأبيض المتوسط ليصل في النهاية لأروبا وشمال إفريقيا وذلك في ظرف قرابة 5
سنوات من 1347 حتى 1352م.وكان لسان الدين ابن الخطيب وابن خلدون ممّن عايشوا هذا
الوباء. ويبدو انه استقر في المغرب لمدة سنتين من 1349 حتى1351.
جولة تاريخية
مابين الاوبئة والمجاعات بالمغرب من خلال أطروحة دكتوراة الأستاذ البزاز
جولة بالتأكيد،
لكنها غير ممتعة إطلاقا، أنها قصة رهيبة تتوالى فيها الكوابيس ،فمنذ سنة 1521 ضربت المجاعة المغرب بشكل دفع الناس
بالسهول الأطلنتيكية "لبيع انفسهم وأولادهم للإسبانيين والبرتغاليين في أصيلة
وآسفي وأزمور ،بل عمد بعضهم إلى اعتناق المسيحية أملا في الحصول على
المأكل".وهذه الشذرات ترد في نص الكتاب كأحداث سابقة للوقائع المرتبطة
بالحقبة التي تمثل موضوعه الأساسي،ولكنها موثقة بمراجع قوية وواضحة .
و يذكر الأستاذ
البزاز بوباء الطاعون الذي ضرب
المغرب في سنوات1678- 1680 في السنوات
الأولى من حكم إسماعيل قبل نهاية القرن
السابع عشر ثم بدخول القرن الثامن عشريتحدث
بداية عن مجاعة همت البلاد مابين 1719و1724 في اواخر الحكم الإسماعيلي حيث
تروي المصادر البرتغالية أن هؤلاء اغتنموا
فرصة الظروف العصيبة التي كان يمر بها
السكان فراحوا يشترون أبناء القبائل ونسائها و " اضطر أعداء الصليب إلى المجئ
متوسلين ليبيعوا نسائهم واولادهم ومواشيهم مقابل حفنة دقيق او قمح " وتضيف
هذه الرواية ان "لم يسبق ان اشترى
البرتغاليون مثل هذا العدد الكبير من العبيد المعاربة" .
وينتقل المؤرخ
إلى سنتي 1728و 1729ليحدثنا عن المجاعة
بفاس وعن مراسلة من جبل طارق مؤرخة بسبتمبر 1735تحكي عن الموت جوعا يوميا
بالمغرب قبل ان يتحدث عن مجاعة عمت البلد
مابين 1737 وسنة 1738 كانت من نتائجها مغادرة يهود مكناس للمدينة والاتجاه جنوبا
نحو دكالة ثم إلى مشارف درعة ، و يسمي الإخباريون المغاربة احداث تلك الفترة "بالمجاعة العظيمة".
في سنة 1742 وصل
إلى المغرب طاعون قادم من الشرق بعد ان بلغ تلمسان ووهران سنة 1741 واستمر يعصف بالمغاربة لمدة سنتين أخريين ، وحسب الروايات فأن التجار هم الذين أدخلوه
ولكن التحركات العسكرية كانت أيضا من بين أسبابه حيث كانت الوحدات المتنقلة تنشره
حيث نزلت و كذلك بعد عودة المقاتلين الموبوئين الى ديارهم.
ولم يفلت المغرب
طويلا من حملة طاعون أخرى جديدة في سنوات 1747- 1751بدأت منحصرة في بعض المواقع
قبل ان تنتشر بشكل حاد في السنتين التاليتين، ومن بين نتائج هذه الآفات في كل مرة
"ضمور المعاملات التجارية " وانتشار اللصوصية.
وقد افرد
الأستاذ البزاز الفصل الثاني من دراسته للمجاعة الكبرى والتي ضربت البلاد عام 1776
لتخف السنة الموالية قبل ان تعود لتضرب بشدة كل انحاء البلاد من سنة 1779 حتى
1782 وقدر الناصري في الاستقصا ضحاياها
بنصف الساكنة المغربية في تلك الفترة بينما قدرها القنصل الفرنسي شيني بسدس
الساكنة وهو التقديرالذي أيده المؤلف في النهاية.
بعد ذلك جاء
الطاعون مجددا لبلادنا في حملتين الأولى من 1798 حتى 1800 والثانية من 1818 حتى1820 وكذا انقضت على البلاد مرة أخرى مجاعة امتدت من 1825 حتى 1826 . وتاتي بعد ذلك فترة يتحدث فيها الكاتب
عن استراحة قصيرة عرفها المغرب من 1801 إلى 1816 قبل ان يعود مسلسل الرعب عبر
الأزمة الغدائية خلال 1817-1818 التي ستلتقي بموجة الوباء في آن واحد ثم ستصبح
مجاعة هائلة حتى سنة 1826، ويلخص الباحث الوضعية كما يلي "حدثت في بحر القرن
الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر خمس
مجاعات طاحنة وأربعة طواعين مدمرة "
وكانت هذه الازمات تدوم "بمعدل سنتين كل مرة،وبعضها يستغرق ثلاث او أربع
سنوات " وللمزيد من التوضيح يعود للإشارة لما ذكرناه سالفا إذ يقول"إنها
فترة مأساوية لا تقل خطورة عن القرنين السادس عشر
والسابع عشر اللذين بلغت حصيلتهما
ست أزمات ديمغرافية " ويقصد بهذا الانهيار الذي ما فتأ يصيب عدد الساكنة
ووسائل عيشها بعد كل وباء او مجاعة.
وقد تعمقت
بالموازاة مع هذه الكوارث مخططات التغلغل الاستعماري خاصة منذ 1834.ففي هذه الفترة
دخل للمغرب لأول مرة وباء بوكليب وهو الاسم الذي اطلقه الكثير من المغاربة على داء
الكوليرا، ثم تحل المجاعة مجددا من سنة
1847 حتى 1851 ثم تعود بعدها الكوليرا على موجتين الأولى في 1854-1855 والثانية في
1859-1860.
لم تنته هجمات
الكوليرا منذ ذلك الحين ،إذ عادت مجددا من سنة 1867-1869 متبوعة سنوات 1878 -1883
بالتيفوئيد، و من غرائب الأحداث أن المغرب عرف استراحة قصيرة من هذه الكوارث من
سنة 1885 حتى 1889 اطلق عليها الأستاذ البزاز عبارة "سنوات الوفرة" قبل
ان تعود الكوليرا بعدها لتستقر ثلاث سنوات من 1895 حتى 1897تلاها الجراد و الجفاف
حتى سنة 1898 وضرب الجوع فيها الكثير من مناطق
البلاد خاصة الجنوب الشرقي والشمال والوسط،
لا شك ان أي
مطلع على مسلسل الرعب هذا يستطيع ان يدرك بسهولة بعض أسباب الوقائع التي تمثل
ماضينا المشترك، وقد يجد في أوضاع المجتمع الحالي بعض امتداداتها او تاثيرتها، و
لكن لهذه الدراسة القيمة إفادات أخرى أيضا ، اود ان اشير إليها بعجالة وتتعلق ب:
- ما هي مصادر الأوبئة التي كانت تصيب
المغرب ؟
حسب الجرد العام
نجد بان هناك عددا من الأوبئة "المحلية" التي كانت تجد لها مواطن محصورة
في مناطق. ولم تشكل في النهاية سوى خطرمحدود ومحصور بشريا وجغرافيا، وهذه لا تعني
الدراسة ولا تعنينا في هذا السياق ، إن البحث يهتم بالأوبئة الكبرى الشاملة
والمعدية والقاتلة، وهاته لم يكن لها موطن معين بالبلاد بل جاءت في كل الحالات عبر
الموانئء و العلاقات البرية مع
الجزائر.ونادرا ما تصح الانباء عن دخولها بريا عبر القوافل العابرة للصحراء شرقا والتي كانت تمثل في فترات
من التاريخ معبرا للتجارة والحج ،وهكذا
تنحصر اغلب الأسباب المنتجة لهذ الأوبئة
في الأنشطة التجارية وقضاء مناسك الحج اوحركة الجيوش والمحلات والحركات المخزنية.
- ما هو الدور الذي لعبه المخزن وما هي سياقات علاقته بالمجتمع
المغربي في ظل المجاعات والأوبئة ؟
لقد تأثر
المغاربة كثيرا بكتابات الأجانب الذين نحا
الكثير منهم للنظر باحتقار للمجتمع المغربي برمته اعتبارا لتخلفه الشديد ،وانتقدوا
بشدة فساد الإدارة المخزنية وتخلفها،لذا كان من فوائد دراسة الأستاذ البزاز اعتمادا
على الوثائق والشهادات و الكتابات المتنوعة التي لا زالت محفوظة خاصة مراسلات
المخزن لاعوانه وخدامه في مختلف المناطق والمدن ليبين الدور الذي لعبته هذه
المؤسسة والذي يعطي صورة مغايرة نسبيا، تتلخص في أن المخزن كان له دور في التوازن
الاقتصادي والاجتماعي حيث توفر في فترات سابقة وحتى نهاية القرن الثامن عشر على
وسائل سمحت له بالتدخل أحيانا لمساعدة القبائل والمدن والطوائف والزوايا على
مواجهة المجاعات، لكن موارده عرفت انخفاضا متواصلا بحيث ان القرن 19 تميز بعجزالمؤسسات التابعة
للمخزن عن تنفيذ الأوامرالصادرة إليها من
السلاطين، وهناك مراسلات تحكي عن هذا بكثير من التدقيق في الشمال والشرق و نواحي
الصويرة وفاس وتازة قصد التخفيف من وطئة المجاعات على المحتاجين.كما تورد مبادرات
شجعها المخزن من جمع الإعانات والتبرعات لفائدة الفقراء او المصابين بالكوارث ، من
جهة أخرى تحتفظ الكتابات بشهادات كثيرة تؤكد على أن الحركات والمحلات المخزنية في
البلاد شكلت مناسبة لنشر العدوى او المزيد من انتشارها في البلاد.
- ما هي مواقف البلدان الأوربية تجاه
المآسي المغربية؟
على مستوى
التصور العام ظل المخزن وكل النخب المغربية يحملون تصورات متخلفة فعلا حول الظواهر
الوبائية ولم يتم تطوير أية رؤيا أو مقاربة جديدة عا امتداد القرنين 18 و 19حيث ان
المغاربة مخزنا وشعبا كانوا على علم بالكارانتينة وإجراءات الحجر الصحي طوال القرن
19غير أنهم رفضوا اللجوء إليها إلا في الموانئ التي كان للقناصلة الأجانب تاثير فيها
كما هي حالة مدينة طنجة والمجلس الصحي الدولي بها. والمثير للانتباه هو الدور
السلبي الذي لعبتاه فرنسا وإسبانيا في إذكاء الافات وتأجيجها في الخفاء منذ معركة
إيسلي (1844)واحتلال مدينة تطوان (1860).
ونتبين هذا من
خلال نقطتين أساسيتين في الكتاب هما:
أولا الضغط الأوروبي الجماعي من أجل إكراه المغرب على فتح موانئه
لتصدير واستيراد المؤن والسلع المختلفة بشكل عام، ثم بالخصوص الضغط من أجل تحرير
تصدير البهائم والحبوب بشكل خاص، في ظل ظروف سنوات المحصول الجيد والضغط المباشر
لاستيرادها من طرف التجار الأجانب والمضاربة بها في الأسواق المغربية في سنوات
المجاعة، هكذا كان سلوك غالبية البلدان عبارة عن نهب وتسلط على بلد ضعيف وساكنته
بمختلف الاعذار والمبررات:
والنقطة الثانية
تتعلق بموضوع تجارة الرقيق والتي ظلت تجارة يمارسها كل الغربيين حتى منتصف القرن
التاسع عشر، واستمر صنف من الغربيين في ممارستها بعد ذلك على الرغم من أن بلدانهم
شرعوا في التخلي عن الرق المباشر، وهؤلاء ظلوا يتعاملون مع أسواق النخاسة بالمغرب
حتى نهاية القرن التاسع عشر، هذا في نفس الوقت التي بدأت بعض الجمعيات البريطانية
المناهضة للرق تتحرك فيه بالمغرب وتراسل المخزن حول أوضاع العبيد.
- ماذا نعرف عن الأدبيات المغربية حول
هذه الآفات ؟
هناك مراجع عديدة حول الموضوع مغربيا يقبع الكثير منها في المكتبات و
مراكز التوثيق، حظي القليل منها بالذكر والتحقيق ،ولكن قيمتها المعرفية عموما
محدودة فمن بين ما اشتهر منها لدى الباحثين يوجد كتاب "أقوال المطاعين في الطعن والمطاعين"
للعربي المشرفي والذي حققه الأستاذ حسن الفرقان و سبق وأن تطرقت إليه في إحدى
تدويناتي السابقة ، و كذلك يتحدث كثير من الإخباريين عن فتوى الفقيه التطواني احمد بنعجيبة
التي رفضت الخروج من المناطق المصابة بالوباء مفضلة الامتثال للمشيئة
الإلهية وما هيئته للبشر.. والحقبقة ان أسس كل الكتابات ظلت طوال القرنين الماضيين
تعتمد أساسا على ما كتبه المتزمتون المشارقة في ماقبل القرن الرابع عشر وهي أساسا
مراكمة لبعض الاحاديث المنسوبة للرسول وعدد من الحواشي يتم تدوينها لتفسير السيرة
النبوية في موضوع الأوبئة .. و الحصيلة
الإجمالية تبرز أن التفكير في موضوع الأوبئة لم يعرف تجديدا يذكر منذ القرن الرابع
عشر بالمغرب ، وتبدو في هذه الحصيلة "رسالة ابن هيدور " كآخر ما تفتق عن
العبقرية المغربية ويتعلق الأمر بأبي الحسن علي بن عبد الله ابن هيدور التازي الذي
عاش بمدينة تازة فقيها وعالما في الرياضيات و الطب (توفي سنة 1413) ، وعلى الرغم
من حفاظ هذا المفكر على الإطار الميتافزيقي لتناول موضوع الأوبئة ، يتجلى في
كتابته بصيص تفكير عقلاني، والأمر مفهوم بالنسبة لشخص عايش المقريزي وابن خلدون
وابن خاتمة وابن الخطيب وتتلمذ على ابن البناء . وعنه كتب الأستاذ البزاز:"
حاول المؤلف تعليل الغلاء، فأرجعه أولا لأسباب طبيعية وثانيا إلى عامل اجتماعي
سياسي، وهو تفشي الفتن والحروب وقال في ذلك" كما ان الغلاء لحدوثه سببان إما
احتباس المطر في البلاد المحتاجة إليه، وإما ظهور الفتن والحروب بسبب خروج الخوارج
على الملوك. فإذا دامت الفتنة وقع الفساد في البوادي والحواضر وفسدت الحبوب
المختزنة وانقطعت الطرق وعدمت المرافق، وهذا الوباء لازم من لوازم الغلاء كما ان
الغلاء لازم من لوازم الفتنة الدائمة". وبالنسبة للعلاج من الوباء يرى ابن
هيدور علاقة بين فساد الهواء والطاعون ويوصي بتنقيته وعلى العموم باللجوء إلى
النظافة وتحسين جودة المأكل من أجل العلاج. غير أن ما أوصى به ابن هيدور وكذلك ابن
خلدون في مقدمته لم يؤخذ قط بعين
الاعتبار ويتبين ان تناولا عقلانيا للأوبئة انعدم في المغرب طيلة أكثر من خمسة
قرون، لذا يبدو ما يحدث اليوم مع كورونا تحولا مثيرا لا بد ان تتبعه تحولات أشمل
البشيرالزناكي