-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

بين "بانتيون" القلوب ورصيف مقبرة الشهداء عزيز رزنارة


 تابعت مثل العديد من المغاربة مراسيم تشييع ودفن الراحل الأستاذ عبدالرحمن اليوسفي رحمه الله. ولمدة يومين جاهدت نفسي لكتابة نعي في الفقيد ولكني لوفرة ما كتب الآخرون عنه وأوردوا من خصاله ووطنيته وتواضعه الجم،
اقتنعت بأنني لن أضيف شيئا إلى ما قيل في حق الفقيد الكبير. ولكني بعد معاينة صور الجنازة وخصوصا مكان الدفن الذي شاءت الأقدار أن يكون بجانب رفيق دربه في النضال والعمل السياسي الراحل عبدالله ابراهيم، أحسست بغصة ربما ساهمت الصور التي التقطت ونشرت لمكان الدفن في مرورها مرور الكرام دون أن تثير أية ملاحظة أو انتقاد.
للذين لا يعرفون مقبرة الشهداء بالدارالبيضاء، والتي تضم رفات العديد من الأسماء المعروفة بالمغرب من سياسيين وفنانين وكتاب ورياضيين وغيرهم، هذه المقبرة لم تعد تستطيع استيعاب أية مدافن أخرى، ولا أدري ما الحكمة في الإصرار على دفن شخصيات وازنة في الذاكرة الجماعية للمغاربة ويحتفظ لها الناس بالاحترام والتقدير، في أماكن لم تكن أصلا معدة للدفن مثل حافة الرصيف أم مواضع مخصصة لاستعمالات أخرى وليس للدفن.
في الدول الني تحترم رموزها وعظماءها في أي مجال أبدعوا فيه: سياسة، مقاومة، أدب، فنون تشكيلية، موسيقى وغناء، فكر، شعر وغير ذلك... لكل هؤلاء يتم تخصيص فضاءات تاريخية أو دينية لتحتضن رفاتهم وتكون منبرا لعرض نبذة عن حياتهم وما قدموه للبلد من خدمات أو تضحيات. ويتم عادة اختيار أحد المعالم التاريخية العريقة كالقصور أو الكنائس أو مقابر خاصة لدفن تلك الرموز، لتكون بعد ذلك مزارا للسياح أو الجيل الناشئ ليتعرف من خلال الشروحات أو الكتيبات المتوفرة في عين المكان على نوعية مساهمة تلك الرموز في كتابة تاريخ الأمة.
في انجلترا توجد كنيسة ويستمنستر التي تضم رفات عظماء انكلترا إضافة إلى مدافن أخرى في مناطق مختلفة من المملكة المتحدة. في روسيا تم دفن أغلب عظماء البلد في مقبرة نوفو ديفيشي التي تضم رفات بعض القياصرة ورموزا من الحكم الشيوعي الذين تم دفن أغلبهم في الساحة الحمراء. في أمريكا وقرب واشنطن توجد مقبرة أرلنجتون الني تضم رفاة من قالتوا واستشهدوا في سبيل الوطن أو ساهموا في إعلاء اسمه وقوته. في فرنسا وبقلب باريس يوجد قصر البانتيون Le Panthéon  الذي يضم رفات العديد من عظماء فرنسا في مختلف المجالات، ومنهم على سبيل المثال:
-        الكسندر دوما (كاتب)
-        فيكتور هيغو (روائي، شاعر)
-        جان موني (اقتصادي)
-        جان مولان (مقاوم للنازية)
-        سيمون فاي (كاتبة وسياسية)
-        جوزيف لوي لوكرانج (عالم فيزيائي)
-        فولتير (كاتب وفيلسوف)
-        إميل زولا (كاتب)
-        ..... وغيرهم الكثير من أعلام السياسة والأدب والعلوم والفنون القدماء والمحدثين
ولا يتم دفن هؤلاء في هذا المحفل التاريخي بمجرد وفاتهم بل هناك من تم نقل رفاته إلى البانتيون سنوات عديدة بعد موته مثل الكاتب الكسندر دوما الذي لم ينقل جثمانه إلى قصر البانتيون إلا في سنة 2002.

وبالعودة إلى مكان دفن الراحل عبدالرحمن اليوسفي فإن الصورة الأولى بجانب قبر عبدالله ابراهيم توحي بأن هذا الأخير متواجد داخل ضريح صغير كما هي عادة بعض العائلات الميسورة في الدارالبيضاء، ولكن بعد التمعن في الصورة اتضح أن القبر يوجد خارج الضريح وأن الجدار وراءه هو جدار الضريح الخاص بإحدى العائلات. وتظهر الصورة المأخوذة من بعيد قبري الراحلين وهما على حافة رصيف الطريق المصبوغ باللون الأصفر.
ماذا كان سيضير لو تم دفن الراحل عبدالرحمن اليوسفي في مقبرة الرحمة أو الغفران بالدارالبيضاء، وفي مكان يمكن أن يقف عنده زوار القبر لاحقا للترحم عليه كلما حانت ذكرى وفاته. لقد كان الراحل انسانا زاهدا في أغلب كماليات الحياة وحتى تلك التي وفرها له منصبه كوزير أول. ألم يقض بقية حياته مع زوجته في شقة مساحتها 80 مترا مربعا؟
توجد بالمغرب فضاءات تاريخية ودينية يمكنها استقبال رفات مثل هذه الرموز عند وفاتها، بل ونقل تلك التي تم دفنها في مواقع أخرى من المملكة إلى هذا الفضاء الذي سيشكل ذاكرة جماعية لكل المواطنين. توجد بمسجد حسان بالرباط مساحات شاسعة لكي يخصص بعضها لمثل هذه المهمة النبيلة. وليس بالرباط فقط، مراكش أيضا توجد فيها قصور بها مساحات شاسعة يمكن أن تستعمل كمقابر تاريخية للرموز الوطنية، وفي فاس وفي مكناس ومدن أخرى عريقة.
ويكفي الراحل اليوسفي فخرا أن قلوب جميع المغاربة احتضنته قبل رصيف مقبرة الشهداء، ونادرا في التاريخ السياسي الحديث للمغرب أن يكون هناك إجماع على الدور الإيجابي الذي لعبه الراحل في تأمين انتقال سياسي مرن مكن المغرب من اجتياز إحدى أصعب الحقب في تاريخه الحديث.
وإلى أن يعي أولو الأمر عندنا يضرورة توفير فضاء يليق برفات الرموز الوطنية التي تستحق هذا النوع من التكريم جزاء ما قدمت في مختلف الميادين، فإني أدعوا الله جل وعلا أن يتغمد الراحل برحمته ومغفرته وأن يجعل مكانه في الجنة بين الشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وحيث لا رصيف ولا ضريح ولا قصر، وحسن ذلك مستقرا ومكانا.

عزيز رزنارة
دبي في 02 يونيو 2020   

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا