-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

مارسيل خليفة مارسيل يكتب عن جورج حاوي

حين يرنّ إسم جورج حاوي في أذني، حين أتذكره، حين أستعيد شريط التفاصيل الحارة التي جمعتناأنتبه إلى بعض الشبه بيننا، نحن الإثنين، في التجربة الحياتيةجئنا إلى هذا
العالم فوق مرتفع يطل على البحر المتوسط في جبل لبنان، هو من “بتغرين” وأنا من “عمشيت“. المكان الذي احتضن الميلاد والطفولة والصبا ليس مجرّد جغرافيا محايدإنه فضاء فسيح لعلاقات أهلية ضاربة الجذور في تاريخ لبنانعلاقات موروثة تتعهدّها الذاكرة الجمعّية للناس بالصيانة وإعادة الإنتاج، وكأنها ماهيتهم التي دونها ليسوا يوجدون.
التنشئة التي يتلقاها المرء في كل لبنان تقوم على تنمية الشعور بالإنتماء إلى الجماعة الصغرى القائمة على العصبيةعصبية الدموعصبية المذهبلا يتحدّد المرء إلاّ في علاقته ببنية الجماعة الفرعية التي ينتسل من صلبها، وبعد ذلك يأتي انتماؤه إلى الوطنعليه أن يكون مثلما ارادته القبيلة والطائفة والبلدة والضيعة أن يكونلا يملك إرادة إختيار كينونته أو ماهيته لأن هذه موجودة سلفاً قبل أن يولد.
يساهم نظام الدولة الطائفي ـ إلى جانب التنشئة العصبوية، في اعادة انتاج هذه العلاقات من التبعية التي تشدّ الافراد الى تكويناتهم العصبوية ـ القبلية والعشائرية والعائلية والطائفية والمذهبية ـ فتمنعهم من الانتظام في وطن جامع.
الدولة في لبنان على مثال الاجتماع الاهلي فيهدولة عصبوية، يجري تقاسم السلطة فيها على مقتضىً طائفيليس في رحابها مواطنون متساوون أمام القانون لأن القانون مصمّم على أساس التمييز والتفاضل بينهم بحيث يحقّ لبعضهم ما ليس يحق لسواهمالأسوأ من ذلك أن الدولة ليست فقط مجرّد انعكاس ميكانيكي للبنى الاجتماعية العصبوية وإنما ـ أيضاً ـ تعيد إنتاج وتكريس تلك البنى بتشريعاتها المكتوبة ومواثيقها الشفهية.
كان على المرء كي يكسر شرانق الانتماء إلى العصبية، ويطلّ على الوطن بما رحب ووسع أن يصطدم بالعصبية وبالدولة ،بالاجتماع الاهلي وبالاجتماع السياسيّ على السواءوكان عليه، أحياناً، أن يدفع غرامات باهظة في الاشتباك اليومي مع هذا الحلف غير المقدّس بين العصبية والدولة.
ولعلّ اليسار اللبناني الوطني والديمقراطي ( غير الطائفي ) أكبر الشهداء في هذه المعركة التي خيضت من أجل تحرير لبنان من أصفاد العلاقات العصبوية ـ الطائفية في المجتمع والدولة.
كان جورج وكنّا مجموعة في جملة أولئك الذين دافعوا عن حقهم في كينونة إنسانية أرقى تكسر قيد العصبية التقليدية وتخرج الى رحاب الوطنكبر طموحنا مع الاياملم يعد الوطن الصغير ( لبنان ) يسع المشروع الكبير .أخذتنا فكرة العروبة بعيداً ، الى كل نقطة وبقعة في أرضها الفسيحةوذهبنا في حلم الأممية بعيداً دون أن ننسى الوطن الصغير والوطن الكبيركانت مغامرةلكنّها تستحق أن تخاض لأنها المعنى العميق لكي نكون أحراراً ولأن نكون ما نشاء لانفسنا أن نكوننما التشابه مع كثر من أهل الوطن مع الزمن.
وكلما كنت أقترب من جورج حاوي، كنت أكتشف فيه بعضيوكلما كان يأتي دوماً لحضور أمسياتي كان يكتشف بعضهفكأنما تواعدنا على أن يحفظ كلّ واحد منّا ما للآخر فيهكنت أرى في جورج السياسيّ فيّ الذي أحاول أن أهذّبه، وكان يرى فيّ الفنان المبدع فيه الذي يحاول استضافته في لغته السياسية ومفردات خطابهوكان ذلك سبباً للقائنا الذي لم ينقطع في لبنان وفي البلاد العربية وفي العالم إلاّ حين سقط شهيداً في ٢١ حزيران سنة ٢٠٠٥.
يا “أبا أنيس” أكتب لأعترف بأن الصداقة باقية والمحبة باقية وصيانة شعلة المبادىء باقية، ولأقول لك أحببناك وادمناك ولم ينج أحد من عدواك.
هذا المقال عبارة عن تدوينة كتبها مرسيل عن صديقه حاوي بعد مرور 15 سنة على وفاته

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا