يتميز الخطاط رفعت محمد البوايزة بتجربة لها خصوصيتها في مجال الخط العربي بكل مقوماته الفنية، حيث يقدم مشهدا خطيا غنيا بالجماليات العربية الأصيلة، إذ يلائم أعماله بين إيقاعات الخط العربي في أصوله وقواعده وضوابطه وتقييداته، وفضاءات لونية صافية المنبع، وهو بذلك يحدث مساحة فنية أكثر خصوصية لتثبيت قواعد الخط العربي وضبطه على نحو من الجدة والصرامة الفنية، فاتجه نحو التعبير في فضاءاته الناعمة، بخطوط عربية مشرقية ذات حركات يبسط أشكالها بأقل كمية ممكنة في الفضاء.
وبذلك ففي المنظور النقدي يبدو أن القاعدة الخطية لديه هي فن أصيل يحقق به أشكالا جديدة يحافظ من خلالها على قيمة الحرف وجماله، وعلى ضوابطه وعلى شكله بمقاييس متنوعة وفي مساحات مختلفة، إذ يبتكر ويبدع وينوع في الشكل وفي التموقع وفي لون الفضاء، لكن بقيمة حرفية بائنة، فيصوغ مختلف المكونات الخطية في أشكال جمالية رائقة ويطبقها وفق الضوابط والتقييدات بمحمل قيمي وجمالي عربي أصيل. وإن كان هذا من مميزات الخط في التشكيل العربي، فإن المبدع رفعت محمد البوايزة يضفي أبعادا جمالية، ويؤثث العلاقة بين جماليات الخط وجماليات الشكل المركب المقيد بالضبط. وفي هذا الاتجاه نجد نوعا كبيرا من التوازن الإبداعي، ومن الانسجام والتوليف بين مختلف العناصر والمفردات الخطية والفنية.
ويشكل التجسيد المطلق للحروف المتنوعة وتوظيف مفردات الثقافة الخطية العربية الأصيلة، أحد أبرز المكونات الحيوية في أعماله الإبداعية، فما تفتأ تلعب الحروف في نطاقها التقعيدي دورا متحركا بنبض أشكالها الممتدة أفقيا وعموديا، وبتقويساتها وبتداخلاتها في تركيب محكم، وهي تشير في عمقها إلى دلالات عميقة المعنى، بما يقدمه المبدع من جمال ساحر، ذلك الجمال الذي يضفي على الخط العربي بأصالته طفرة جمالية أخرى معاصرة؛ خاصة أن المادة الخطية تشكل في بعدها البصري علامات أيقونية دالة على مناحي تعبيرية، منتجة لعُدة من التفاعليات التي يقارب بها المبدع السمة المهيمنة على الأسلوب الخطي، وما يضمره من مضامين روحية، ما يجعله يفسح المجال للتعدد القرائي على عدة مستويات، ويمكّن من رصد توجهات الخط العربي المتعددة المناحي والمرامي. فالتأمل في أعماله الخطية يقف على توظيف محكم للحروف، وعلى طرائق التركيب، وعلى التمكين الجمالي بنسب متفاوتة، وبأشكال متنوعة تترك للشكل العام حيزا حركيا مختلفا، إنه توظيف يتطلب تقنيات عالية، لصياغة الجمال بتنوع عميق المناحي، ليصل بالعمل الفني إلى نقاط الإبداع. وهو ما يتوفر عليه، ويوفره المبدع في خضم مقارباته الفنية، ليستوفي الغرض الجمالي، ويصل إلى البعد الفني للخط العربي، بما يتلاءم مع المادة الفنية التعبيرية، ومع مستجدات فن الخط العربي، ما ينم عن بلاغة الفنان وتوجهاته الفنية المباشرة، والمعلنة للقارئ عبر الرؤية البصرية. إنها تجربة تحمل أكثر من تصور للخط العربي، في نطاق تركيبي وجمالي وفني، يروم مجال الإبداع بخصوبة فنية وحفاظ على المكتسبات التقعيدية. وهي تجربة بقدر ما هي محملة بالقيم الجمالية، فإنها كذلك محملة بمجموعة من الخصائص التي تستوعب المادة الخطية في علاقتها بالفن، خاصة ما يتعلق بعمليات التوظيف الجمالي والتركيب الفني وقياس النقطة والحرف والمساحة واللون، لينبجس الإبداع في نسق حسي بديع. إن تجربته قد انطوت على مرام فنية متعددة، وتقاطعت فيها عدة مقومات حرفية ورمزية ومقطعية، جعلت الشكل العام للوحاته يتخذ أنساقا جمالية متعددة في المنظومة الخطية العربية بتكويناتها وبنائها الفني.
يجسد البوايزة تقنياته العالية لتوظيف مفردات الثقافة الحروفية، بما تتوفر عليه من سمات خطية تقعيدية معاصرة، تروم الحرف كقيمة جمالية في الفضاء، وهو ما يجعل حضوره بارزا في الساحة الفنية الحروفية المعاصرة بكل ما يكتنزه منجزه الخطي من صيغ جمالية، ومن ألوان مبهجة تنبض بالحركة وبحس تفاعلي وموسيقى بصرية.
إنها تمظهرات تؤكد قيمة الحرف وأهم مناحي الجمال داخل الفضاء الخطي بقدر من الانسجام، ووفق منهج خطي سليم. فالمبدع يتـــــوفر على مراس خطي قويم، وله إمكانات هائلة، يوظفها لنسج عالم خطي مبهج يغذي تجربته الغنية، ما يجعله في مصاف الصفوة المعاصرة.
٭ كاتب مغربي