موسيقار ومطرب سوري- مصري ترك بصمةً واضحةً في الغناء العربي الحديث، عمل أيضًا في التمثيل. هاجر إلى مصر وعمره تسعة أعوام فقط مع والدته وإخوته وبدأ مسيرةً فنيةً ناجحة استمرت لثلاثة عقود سجل فيها أكثر من 500 أغنية وأكثر من 13 فيلمًا.
نبذة عن فريد الأطرش
العائلة التي أسست للثورة ضد الاحتلال الفرنسي في جبل العرب في سوريا بعد الحرب العالمية الأولى، هي نفسها العائلة التي أنجبت اثنين من ألمع المغنيين العرب للقرن الماضي، فريد وأخته آمال الأطرش.
ترعرع الأخوان الأطرش تحت أعين والديهما اللذين تنقلا كثيرًا بين المدن الكبرى في الشرق الأوسط في كفاحهما ضد الاحتلال الفرنسي، وقد فقدت الأميرة عالية اثنين من أطفالها الخمسة بسبب المرض، وأصبحت قلقةً جدًا حيال سلامة وصحة أولادها المتبقين. وتعاظم خوفها عندما كاد ابنها فريد يغرق ويموت بينما كان يلعب مع طفلٍ آخر على متن قاربٍ صغير في بيروت، مما دفع بوالدته إلى حبسه في المنزل في الأوقات التي لم يكن يذهب فيها إلى المدرسة.
قام قائد تلك المنطقة وبسبب خوفه من انتقام الاحتلال الفرنسي من عائلته بإرسال الأسرة إلى مصر طلبًا للجوء، واتخذت الأميرة عالية بعد أن تركت زوجها وثروته اسمًا مستعارًا لنفسها ولأولادها، كان هذا الاسم “كوسا”. جلب هذا الاسم الغريب الذي اختارته الأميرة لها ولابنها فريد السخرية خلال فترة دراسته الأولى في المدرسة الجديدة في مصر. كانت هذه المدرسة فرنسية، والتي ولسخرية القدر سامحت “الطفل الفقير” وعفته من دفع القسط.
بدايات فريد الأطرش
وُلد فريد الأطرش في قرية القريّا في جبل العرب جنوب سوريا، لعائلةٍ هي من كبار عائلات الموحدين الدروز عُرفت بمقارعتها الاحتلال الفرنسي. والده الأمير فهد الأطرش من سوريا، أما والدته فالأميرة عالية وهي لبنانية.
هربت الأم بأطفالها نحو لبنان أولًا، ثم اتجهت إلى مصر حيث طلبت اللجوء لها ولأطفالها الثلاثة، فؤاد وفريد وآمال. ومُنحت الجنسية المصرية لاحقًا. وقد عانت الكثير في حياتها هناك.
نما اهتمام فريد الأطرش بالموسيقى في تلك الفترة من حياته التي عانى فيها من الصعوبات المادية بينما كان يستمع لوالدته تغني وتعزف العود في المنزل، وسُمح له بسبب إصراره الشديد أن يتمرن مع كورال المدرسة المسيحي. لم يكن المعلم مسرورًا بعجزه عن التعبير عن مشاعره بالرغم من صوته الجميل، فنصحه بأن يقوم بالبكاء ليشعر المستمعون بالألم الذي يرغب بالتعبير عنه من خلال أغنياته. وكما يعرف محبيه، نجحت هذه النصيحة فعلًا، وبقيت سمةً صبغت صوته طيلة فترة غنائه، ومنحته لقب "المغنّي الحزين".
كان فريد يحب الموسيقى عندما كان طفلًا، حيث أعجب بشدة بمغنٍ في إحدى المقاهي، لكنّه لم يستطع تحمّل شراء كوبٍ من الشاي هناك ليستمع له. كان يقف خارج المتجر بشكلٍ مستمر ليستمتع بالموسيقى هناك، حتى أثار استماعه للعرض دون أن يدفع ثمنه غضب أحد الموظفين القائمين على المقهى، وفاجأه بصب دلوٍ من الماء البارد عليه. سار فريد في شوارع القاهرة آملًا أن تجف ثيابه، لكنّه عاد قبل ذلك إلى المنزل، ونام بثيابه المبتلّة ليتجنّب ردة فعل أمّه الغاضبة. أصابته في اليوم التالي حمى شديدة اضطر معها للفّ نفسه بالصحف ليبقى دافئً.
إنجازات فريد الأطرش
سمحت له والدته بالغناء في المناسبات المدرسية، ما مكّنه من تطوير موهبته حتى شارك في حفلٍ جامعي لتكريم الثورة السورية، لفت أداؤه في هذا الحفل نظر المجتمع الفني، لكنّه أفصح عن هويته الحقيقية كأحد أفراد عائلة الأطرش، مما تسبب بفصله من المدرسة الفرنسية.
تخرّج بعدها من مدرسةٍ أخرى، وسُمح له أن يسجل بمعهد موسيقي. أصبح بعدها تلميذًا لرياض السنباطي الملحّن الشهير. أعجب السنباطي بعمله الدؤوب ومكّنه من الغناء في إذاعاتٍ خاصة مصرية في الثلاثينيات. تمّ تعيين فريد الأطرش كعازفٍ للعود في أوركسترا بعد أن تمّ إغلاق جميع محطات الراديو وأُنشأت محطة واحدة وطنية، ثم أصبح بعدها مغنٍ هناك.
عمل لفترةٍ مع شقيقته اسمهان ولحن لها بعضًا من أغانيها، وكان الفيلم "انتصار الشباب" الذي ظهرا فيه معًا من أوائل أفلامه.
غيّر النجاح السريع الذي لاقاه الشاب الوسيم نمط حياته، فأصبح يستمتع بالحياة الليلية في المدينة، العلاقات الغرامية، والمراهنة على سباق الأحصنة. وجد فريد نفسه بعد فترةٍ مديونًا، كما تركته والدته التي لم توافق على تصرفاته. ساءت تلك الفترة من حياته أكثر بعد وفاة أخته المطربة الشهيرة أسمهان، ووجد الراحة قليلًا في علاقةٍ مع الراقصة سامية جمال التي بذل من أجلها كل ما يملكه.
نجح في استدانة المال لينتج فيلمًا تشاركه في بطولته عام 1947. وهو فيلم "حبيب العمر" أخرجه هنري بركات. لاقى هذا الفيلم نجاحًا كبيرًا وغير متوقع وضع فريد في صف الأشخاص الأثرياء. ثم تبعه فيلم "عفريتة هانم" الذي لعبا بطولته سويًا، ثم انفصل الثنائي غير المتزوج بعد خمسة أفلام بسبب شجارٍ عنيف.
استمر فريد بالعمل مع عدة نجوم آخرين في أفلامٍ ناجحة عديدة والتي حصل في معظمها على دور المغني العاشق والرومانسي الحزين، وكان اسمه فيها باستمرار، وحيد.
وعلى مدار مسيرةٍ فنيةٍ استمرت ثلاثين عامًا، سجل أكثر من 350 أغنية وشارك في 30 فيلمًا، نذكر بعضًا من أغانيه المميزة مثل "الربيع" و"أول همسة"، والموسيقى المميزة "لحن الخلود"، "توتة" و"رقصة جمال". غنّى أغانٍ أخرى أخف مثل "نورا نورا"، "هلت ليالي" و"جميل جمال"، وبقيت هذه الأغاني على درجة عالية من الشهرة حتى هذه الأيام.
أما أهم الأفلام التي شارك في بطولتها فكانت: "انتصار الشباب" و"لحن الخلود" و"نغم في حياتي".
حياة فريد الأطرش الشخصية
لم يستطع أن يعمل جيدًا دون وجود صديقةٍ حميمة رافضًا الزواج بحجة أنّ الزواج يقتل الفن، مما دفعه إلى كسر قلوب الكثير من بطلات أفلامه. قام في مراحل حياته الأخيرة والتي عاشها ببذخٍ ورخاء وبعد أن أسس منزلًا في كل من القاهرة وبيروت باتخاذ قرارٍ بالزواج، تقدّم للمغنية المصرية الشهيرة شادية، وكذلك لفنانةٍ لبنانية، لكنّه غيّر رأيه في آخر لحظة في كل مرة، متعذرًا بمرضه ومن خوفه من أن يتركهن أرامل. أما من حيث ديانة فريد الأطرش ومعتقداته وطائفته الأصلية ، فقد ولد لعائلة مسلمة درزية
وفاة فريد الأطرش
توفي فريد الأطرش في عام 1974 في بيروت إثر العودة من رحلةٍ علاجية إلى لندن، عن عمرٍ يناهز الستين عامًا، تاركًا فيلمًا آخر لم ينتهِ من تصويره.
حقائق سريعة عن فريد الأطرش
عملت والدته الأميرة السابقة عالية على الغناء في النوادي لتستطيع دعم أطفالها.
أحب الناس الممثلات اللواتي مثلن معه أكثر مما أحبوا حبكات أفلامه، وتذكروا أغانيه الجميلة لمدةٍ طويلة.
لم يستطع تحقيق إحدى أهم أمنياته وهي تلحين أغنية لأم كلثوم.
انتشرت شائعات حين وفاته عن رفض قبيلته لدفنه في جبل العرب هناك، لكن وبحسب بيان لأخيه فؤاد فإنّه أصر على أن يدفن في القاهرة، حيث توفيت أختهما.
يعرف فريد الأطرش على أنّه أفضل عازف عود عربي في تلك الفترة، أو كما يلقّب بأنّه ملك العود. كان صوته واسلوبه الحزين فريدًا من نوعه ولم يشهد العالم العربي أسلوبًا فريدًا مثل أسلوبه.
ربطته بالملكة نيرمين علاقة وثيقة استمرت حتى بعد طلاقها من الملك فاروق، ويُقال أن الرفض الملكي لتقاربهما سبّب له الوقوع في أزماتٍ قلبيةٍ كان ذلك بدايتها.
طغى عليه نجاح شقيقته في البداية.
بقي متمسكًا بقواعد الموسيقا العربية رغم ظهور التأثير الغربي في موسيقاه.