هل يمكن ترجمة الألم، وهل يمكن أن نفكر في الألم؟ وهل ينتمي الشعور به إلى هوية الذات؟ وهل يمكن إعادة تَملك تجربة الألم؟ وهل يمكن تجريده من معناه؛ وما ينسب إليه؟ وهل يمكن الهروب منه أو تجنبه طالما أن الجسد يعيش في أحسن وأفضل الوضعيات الممكنة؟
حياة الإنسان ثروة كبرى؛ ومن
الطبيعي أن يكون لدينا ألم، لكن التفكير فيه يمكن أن يساهم في التعريف بالذات في
علاقتها بما يهدد سلامتها، بيد أن الأمر لا يرتبط بعلاج الألم بشكل مستقل عن
الشعور به؛
أو الوعي بثقله أو خفته؛ ومضاعفاته، ولكن بما أسماه وِلْيَمْ شَكسبير
William
Shakespeare بالخوف
من الألم. ارتبط الألم في المجتمعات
التقليدية بأساطير وطقوس أعطت معنى ترندستالي
Transcendental لتلك
اللحظة، لكن مؤسسة الطب الحديث تدخلت لتقصي جانب المعنى الأسطوري المتعالي لصالح
التدخل التقني لكون العلاقة بين الذي يشعر بالألم والمعالج علاقة فريدة يصعب فهمها
أو التعبير عنها بشكل دقيق، لارتباطها بالبعد الأخلاقي، بين من يشعر بالألم ومن
يتولى مسؤولية التخفيف منه أو القضاء عليه.
الألم جزء مهم من التجربة الإنسانية،
والوهم بإمكانية العيش بدونه يتلاشى حين يستجيب الجسد، ويعلن انهزامه. هذا الإدراك
يتساوق مع النزوع نحو العافية؛ ومحاولة تحقيق رفاهية الجسد في ضوء سلامته
الشمولية. هذا المسار ليس خطيا أو مكتملا لأن ما يهدده هو ما يجعله يتسلح بإرادة
العافية (الطاقة الإيجابية) قبل أن يتمتع بها على نحو عملي. وبموجب ذلك لا يمكن إنكار وجود الألم، لكن
الرغبة في تسكينه محفوفة بالمخاطر تبعا لطبيعة احتياجات الذات، وقدرتها على تقبل
التأثيرات الخارجية. إن الأسئلة المرتبطة بالتجربة الفريدة والاستثنائية للألم
ترتبط بالكائن وقدرته على العناية بذاته وفق طاقته، لذلك يبدو - وفق هذه الرؤية- أن
الألم ضروري في منعطفات الذات، لكن لا قدرة للإنسان على تحمله، فالذات ضعيفة حتى
قبل أن تصاب به. الألم ليس مجرد ظاهرة بيولوجية أو بسيكولوجية ترتبط بما يقابلها أي
الصحة والرغبة في تحقيق التوازن وإطالة العمر، بل هو أيضا مجال للتفكير في طبيعته،
وقد يكون سلوكا أخلاقا يمثل إدانة للعلم الزائف والعاجز عن فهم الألم والحد منه، وبيان لهشاشة الكائن مهما
ادعى الخلو من الألم؛ أو ما يشبه الاكتمال. الألم تجربة قاسية، لأنه
يجعلنا غرباء عن أنفسنا، لذلك نحاول إصلاح العطب سواء عبر حقن المورفين أو ما
يشاكلها، أوعبر التحفيز النفسي وتنمية إرادة المقاومة. فلا غرو أن يكون التخفيف من الألم يعيدنا إلى
أنفسنا، وإن كان البحث عن كيمياء الصحة الشاملة حلما صعب المنال. طوبى لمن يستطيع
تحمل الألم قبل انهيار الجسد وفقدان المعنى.