أدّت "الحرب الوسخة" التي شهدتها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي إلى وقوع حوالى 150,000 قتيل واختفاء حوالى 7,000 شخص. وأدّى الإلغاء العسكري لنتائج الإنتخابات في العام 1992 إلى عنف كبير على يد قوّات أمن الدولة والمتمرّدين المسلّحين والميليشيات المدعومة من الدولة.
في العام 1999، منح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة
عفواً مشروطاً للمتمردين المستعدين للتخلّي عن السلاح. ومنذ ذلك الحين، خفّ العنف
تدريجياً، ولكن لم يخضع أيّ من الحكومة أو مجموعات المتمرّدين للمحاسبة على
أفعالهم بحق المدنيين.
في العام 2003، أسّس الرئيس لجنة للتحقيق في
حالات الإختفاء. ومع أنّ تقريرها لم يُنشَر للعلن أبداً، فقد كشف رئيس اللجنة أن
الدولة كانت مسؤولة عن 6,146 حالة إختفاء.
وفي عام 2005، وافق الناخبون على استفتاء حول
ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي اقترحه الرئيس بوتفليقة. وينصّ الميثاق على
منح المتمرّدين المسلّحين العفو العام، وتبرئة قوى أمن الدولة ومنح بعض التعويضات
للضحايا ولعائلاتهم. إلا أنّه لا يتضمن آلية بحث عن الحقيقة أو تحقيقاً في
الإنتهاكات المرتكبة منذ 1991 ولا حتّى تدابير لإصلاح مؤسسات الدولة بهدف منع
تكرار الإنتهاكات الماضية.
وقد طعن محامو حقوق الإنسان في الجزائر
قانونياً بأحكام العفو الواردة في الميثاق، لكنّ القضية ما زالت عالقة أمام
المحاكم الجزائرية. ولا تزال منظّمات الضحايا تناضل من أجل المحاسبة والحقيقة وجبر
الضرر.
دور المركز الدولي للعدالة الانتقالية:
بعد أن لجأ إلينا محامون جزائريون ومجموعات من
المجتمع المدني في العام 2003، كان تركيزنا الأساسي على بناء القدرات وإسداء النصح
حول كيفية معالجة مسألة المفقودين ودعم مطالبة الضحايا بالمحاسبة وجبر الضرر.
وبعد صدور المرسوم لتنفيذ ميثاق السلم
والمصالحة الوطنية في العام 2006، عمل المركز الدولي للعدالة الانتقالية على
معالجة التحديات التي تطرحها أحكام العفو في الميثاق، وعلى دعم جهود جبر الضرر
والبحث عن الحقيقة.
في تموز/يوليو 2006، نظّمنا اجتماعاً في
بروكسيل للمجتمع المدني الجزائري ومنظّمات حقوق الإنسان الدولية لمناقشة العدالة
الإنتقالية بعد الميثاق. على أثره، ساعد المركز المحامين الجزائرين في وضع تقرير
"ودّي" يطعن بدستورية الميثاق وقانون العفو.
في أيار/مايو 2008، نظّمنا ورشة عمل لمدة 4
أيام في الرباط في المغرب، بالتعاون مع المركز المغربي لدراسة حقوق الإنسان
والديمقراطية للناشطين الجزائرين والدوليين في مجال حقوق الإنسان، ومحامي الضحايا
وممثّليهم. وتضمّنت المواضيع البحث عن الحقيقة، وتوثيق الفظائع الجماعية وعلم
الإنسان والطب الشرعي.
بعد محاولات عديدة لمركزنا لزيارة البلاد، تمّت
الموافقة أخيراً على زيارة الجزائر العاصمة في كانون الثاني/يناير 2009. وبدعوة من
البرلمان الجزائري، حضر وفد من المركز مؤتمراً حول المصالحة نُظِّم في البرلمان من
إئتلاف يضمّ عدداً من الأحزاب السياسية. وخلال اجتماعات مع مسؤولين حكوميين،
أصرَّينا على الحاجة إلى فتح الحوار مع المجتمع المدني ومنظّمات الضحايا حول كيفية
معالجة مطالبهم.
ولا يزال المركز الدولي للعدالة الانتقالية
يرصد التطورات في مجال العدالة الإنتقالية ويساعد الفعاليات المحلية في جهودهم من
أجل تحقيق المحاسبة والعدالة.