-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

تحت أقنعة "السكوت".. معنّفاتٌ يُخفين كدمات "العشَم"

 


خمسة عشر عامًا من الصبر والتحمل، قضتها الشابة الفلسطينية ريهام.م (اسمٌ مستعار) في بيت زوجها، لم تكن كافيةً على ما يبدو لإيقاف سلسلة العنف الأسري الموجه ضدّها هناك.

الشابة التي تبلغ من العمر (33 عامًا)، تزوّجت يوم كانت ابنة (18 عامًا)، وانتقلت منذ ذلك الحين لتعيش في بيت زوجها جنوب قطاع غزة، تقول: "تعرضت للعنف مع بداية زواجي، لكنني فضلت الصمت أملًا في تحسن الوضع، لكن مع مرور الوقت ازدادت أيامي سوءًا وقتامة، بل إنني صرت مجبرةً على الصمت والرضا بعد كل طفلٍ أنجبه".

وتضيف: "كنتُ صغيرة، وكل ما تعرضت له من ضرب وإهانة ظننته سيزور، لكن هذا لم يحدث، لم يستطع أن يفهمني أبدًا، وكل مشكلاتنا كانت أسبابها سطحية، كما أنه لا يعاني من أي وضع نفسي سيء"، وحتى على الصعيد الاقتصادي فإن الزوج كان موظفًا –حسب ما روت لـ "نوى"- ويستطيع تلبية احتياجات الأسرة كاملة.

الأقسى من طباع زوجها –الذي أخبرها أنها طبيعية وتشبه أطباع كل رجال هذا الكوكب- كانت تدخلاته أمه في حياتها، إذ كانت تفرض عليها ترك شقّتها منذ الصباح، والنزول إلى بيت العائلة من أجل القيام بالأعباء المنزلية، "فمن وجهة نظر الأم هذا هو الدور الطبيعي لزوجة الابن، وريهام عليها القيام بهذا الواجب" تتابع.

وتكمل: "عاملتني كخادمة، ليس لديّ مشكلة في مساعدتها بأعمال المنزل، لكن هي تفرض عليّ هذا منذ الصباح أنا وزوجة ابنها الثانية، فمتى سأرتّب شقتي؟ متى سأقوم بأعبائي المنزلية من طبخ وغسيل وعناية بأبنائي؟".

خمسة أطفال، أنجبتهم ريهام في ظل هذا الوضع السيء، عانت خلال ذلك الأمرين، لكنها لم تلجأ لأي مؤسسة يمكن أن تساعدها في حل مشكلتها، إلا مرة واحدة، اشتكت خلالها لأخصائية نفسية كانت تعمل في جمعية قريبة من مكان سكنها، لتكتشف حينذاك أن "جدران البيوت مغلقة على آلاف القصص الشبيهة، لنساء يتعرضن للعنف، ولا يدري بحالهن أحد".

قبل ثماني سنوات، اضطرت "ريهام" للذهاب إلى بيت أهلها غاضبة، فالإهانات اليومية ازدادت وأثقلت كاهلها، حتى أنها تعرّضت للضرب المبرح ذات مرة وهي حامل، وخضعت لعملية قطب وتغريز لقدمها، بعد أن ادعت حماتها أمام الطبيب الذي تساءل عن سبب الجرح، أنها اصطدمت بالطاولة.

وتردف: "صحيح أن الطبيب لم يصدّق، لكنه لم يملك القدرة على فعل شيء سوى أن يردد على مسمع حماتي أكثر من مرة قوله: مش معقول، لعلها تغير أقوالها، لكنها صممت على ما قالت".

والدها الذي فوجئ بما تتعرض له ابنته منذ سنوات، رفض عودتها إلا بتعهّد زوجها باحترامها وعدم التعرّض لها بأي اعتداء، ورغم تحسنه لفترة "إلا أن هناك مستويات من الألفاظ المهينة لم تتوقف، هو ما زال يظّن أن عليّ تحمّل عصبيته، ووالدته من جهتها تبرر بأن كل الرجال يغضبون من زوجاتهم، ويفرغون غضبهم فيهن، وهذا ما يجعله غير مقتنع بأن ما يفعله معي، يضغط على أعصابي بشدّة" تضيف.

خيبات

"لا وقت أضيّعه في المزيد من الخيبات"، بهذه الكلمات لخّصت السيدة وفاء (35 عامًا) ما وصل إليه حالها، فبينما يسعى الناس للحفاظ على بيوتهم في ظل الحجر الصحي، تُضرب هي بآلةٍ كادت تؤدي إلى فقدانها حياتها.

وفاء (أيضًا اسمٌ مستعار)، هي سيدة من مدينة غزة، وكما سابقتها تعرّضت للعنف العائلي منذ بداية زواجها، وكانت كما الكثيرات غيرها، تظن بأن الوضع سيتحسن مع مرور الأيام، لكن سبع أبناء أنجبتهم، لم يغيروا في الواقع شيئًا.

تقول لـ "نوى": "هو يعمل بشكل متقطع، وهذا أثّر على نفسيته، حاولتُ تفهم ذلك، وتنازلت عن الكثير من الاحتياجات حتى أوصل له رسالة مفادها أننا هنا في بيتنا نتحمّل المسؤولية سويًا، وأنني أحمل العبء مثله تمامًا، لكنه في كل مرة يعود لعصبيته ومعاملته السيئة وألفاظه المهينة من جديد".

تسبب الضغط النفسي لوفاء بالعديد من الأعراض الصحية، فالتوتر الدائم والقلق المستمر، تسببا في ارتفاع ضغط دمها أكثر من مرة، وهي باتت تخشى على نفسها من أن تتعرض لأزمةٍ صحية مزمنة، نتيجة حالتها النفسية السيئة.

تروي بألم ما تعانيه فتضيف: "كنتُ مجبرةً على تلبية احتياجات الأسرة بأقل الإمكانيات، أبنائي يطلبون احتياجاتهم مني لا من والدهم، أنا التي أخبرهم بأننا لا نملك ما يكفي وليس هو، أنا التي عليّ تدبير احتياجات البيت مهما كان المبلغ المتوفّر قليلًا، وعليّ أعباء تدريس الأولاد أيضًا، كل هذه احتياجات ضاغطة، تزيدها سوءًا معاملته السيئة".

وكم كان قاسيًا بالنسبة لأم الأبناء السبعة، أنها كلما اشتكت لعائلتها سوء معاملة زوجها، وعادت إليهم غاضبة، يرجعونها إليه بحجة أن وضعه النفسي سيء، وأن أبناءها بحاجة إليها، لتعود الكرّة من جديد دون حتى أدنى تحسّن.

"مع الحجر المنزلي بسبب جائحة "كورونا"، وفقدانه لعمله، زادت معاملته لي سوءًا، وأصبح أكثر عنفًا، هذه المرة لم يضرب بيديه، ولم يشتم بلسانه كعادته، بل إنه ألقى عليّ آلة حادة (سكين) لولا رعاية الله لأصابتني".

عادت السيدة إلى بيت أهلها، وهذه المرة، تصرّ على عدم العودة إليه إلا بتعهدات جادّة بتوقفه عن تعنيفها ومعاملتها بشكل سيء، الجديد في هذه المرة أن عائلتها، وللمرة الأولى، يبدون اقتناعًا بأن ما يقع على ابنتهم من عنف منذ نحو 18 عامًا، ما كان يجب أن يصمتوا عليه، وأن (الصمت) هو سبب وصوله إلى الحد الذي بات يهدد فيها حياتها.

مديرة مكتب اليونيفيم في قطاع غزة هبة الزيان، صرّحت لموقع الأمم المتحدة حول ظاهرة العنف ضد النساء الفلسطينيات في ظل جائحة "كورونا" بقولها: "إن وجود الأسر داخل الحيز العائلي، أي بقاءها لفترات طويلة بسبب سياسات الإغلاق التي أعلنتها حكومة فلسطين داخل المنازل، أثرت سلبًا في عدة مناحي، منها زيادة العنف العائلي ضد النساء والفتيات".

وأضافت: "هذا موثّق من خلال جملةٍ من الوسائل التي تستخدمها مؤسسات المجتمع المدني، من أجل توفير خدماتٍ للنساء والفتيات، ومنها خطوط الحماية والإرشاد، مثل الاتصال بالمؤسسات مباشرة، وبعض الدراسات السريعة التي تم إعدادها، التي وثقت زيادة العنف العائلي".

بدورها، قدرت الإعلامية والناشطة النسوية ماجدة البلبيسي، أن العنف الأسري انتشر بدرجةٍ ملحوظة خلال السنوات الماضية، خاصة ذاك الموجه للنساء والفتيات، حيث ارتفع عدد حالات القتل بحق النساء والفتيات، على أيدي أحد أفراد الأسرة، مرجعةً الأسباب  -وفقًا لدراسات أجرتها في هذا الصدد-  إلى عوامل اقتصادية بسبب الاحتلال وممارساته، وانعدام الأمن الغذائي لمعظم الأسر الغزية.

غياب الرادع القانوني أيضًا كان أحد الأسباب وفقًا للبلبيسي، وعدم تجريم العنف الأسري وفكاك المجرمين من العقاب، "وهذا متعلق بالموروث الثقافي والاجتماعي والتنشئة القائمة على التمييز" تقول.

وتضيف: "العنف ضد النساء ما زال يحظى بقبول مجتمعي، من حيث تحميل الناجيات من العنف مسؤولية العنف الذي وقع عليهن، بل وعده في كثير من الأحيان، وسيلةً لتقويم سلوك النساء، والتأويل الخاطىء للآيات القرآنية، واستهجان توجه الشرطة للنساء".

كما أن رجال العشائر أيضًا (والحديث للبلبيسي) يلعبون دورًا سلبيًا في معالجة الخلافات الزوجية في كثير من الأحيان، وهناك حالة تجنّي على النساء، واللجوء للحلول الترقيعية، التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تغير الواقع قيد أنملة على حد رأيها.

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا