تحذير أول: هذا الركن يحتوي على مشاهد حادة ننصح ضِعاف النفوس بعدم قراءتها جهرا أو الوشاية بها سرا.
أعترف أنني كرهت الكتابة و ما يأتي من الكتابة، و أنا أرى رأسي بعد أن كان مرفوعا
في أحد النصوص، أصبح مجرورا أو مهشما مكسورا على يد من يسرقون حبر جبين غيرهم و لا يعرفون كيفية السرقة، لنصبح في ما مشيناه لسطور طويلة، نعرج دون نحو أو إيقاع، على الأقل و أنت تقتلني يوميا في نصوص تشبهني لا تترك خلفك أثرا للجريمة و انظر للغراب كيف دفن شقيقه في الرضاعة الغراب و أنت تحاول عبثا تحوير النعيب إلى تغريد، و اثوِ جثتي اطمرها سحيقا في تراب كلماتك العَفِنة، حتى لا تفوح رائحة سرقتك التي بقدر ما حاولت قتلي أحيتني بسبعة أرواح أيها المتأثر البليد ليتك قرد تُقلدني بذكاء..!
لا تكتبْ ففي الوقت الذي تحسب أنك تُطْلِقُ يَدَك بالكتابة على سبيل الرياضة الروحية، ثمة من يعدو خلفكَ جاداً بين سطرٍ وآخر ليكتب ما يُشبهكَ مقتلعا صورتكَ من القصيدة ولو كانت وجهك اللصيق بأعلى البطاقة الوطنية، ولكن الأعين التي تُشغِّل خلف بصرها ضوء بصيرتها، تترك المرآة التي صارت زائفة بالتشابهات و تَعَاقُب الوجوه تسقط أرضا، لتنكسر كل الأقنعة، و تعيد النظر إلى ما تكتبه كرَّة ثانية لتُركِّب من الشظايا ملامح وجهك غير القابل في عملته للتزييف و لا للتداول النقدي بالبيع أو الشراء في سوق الكتابة و الرساميل الرمزي؛ فكل الذي كتبوه بالقلم في يدكَ ما كتبوه ولكن شُبِّه لهم..!
لا تكتُب و تهدر طاقتك الثمينة التي ستكون أفْيد لك و أنجع لو أفرغتها في التمتع بالحياة، فكل ما تخُطُّه اليوم أو تدفنه في سطر أو قبرين، سوف يُبعث غدا أو بعد ألف عام من كتاب..!
لا تُحرق رأسك بما قد يُحرق النفوس الضيقة حين لا تطال حرفا واحدا مما تبتكره في معجم الأفكار، و إلا وضعوك من دون أن تدري أنت الذي يعيش على نيَّاته الحسنة، في خانة الأشرار، ستنضج أكثر من اللازم و أنت تضع رأسك عُرضة لأشعة اليأس، وقبل أن تسقط كالثمرة الناضجة أسفل الشجرة التي تأوينا جميعا في غابتها، ستجد من يهرع لتلقُّف ما أنْضَجْتَهُ على نار المعاناة غير الهادئة، يأكل ثمرة فكرتك لحما و يرمي نواتها عظما..!
أيها المنتحلون الذين يكتبون نصوصنا و يدمغونها بأسمائهم ظلما و عدوانا، اصدروا ما أنتم مصدرون من دواوين مثنى وثلاث و رباع، اللهم لا حسد، واحشدوا في المهرجانات التي تحضر في مآدبها الشخوص و تغيب النصوص، ما طاب لغروركم من أتباع و أشياع، فما هي إلا سنوات عجاف بانفعالاتكم و تختفون بعد أن تقضوا و طركم من لذة زائلة، فالنابت طفيليا مهما تغذى من أوراق و أغصان الشجرة لن يصل لجذورها الراسخة بالتاريخ الشخصي للمبدع الأصيل، سيكبر كأعجاز نخل في باطنها فارغة و في الظاهر تكسوها القشور.. !
أعود إلى جدتي التي لا تقول إلا الصواب، لأقول بغضب دون أن أرغي بزبد من شفتيَّ أو أقطر بالسم من ناب هذا القلم، لقد تفشت ظاهرة السرقة الأدبية بتفشي وسائط التواصل الإجتماعي، و صرنا نقرأ أنفسنا في نصوص غيرنا، و ليتنا نقرأها مَزيدين و منقَّحين، و لكننا نولد مُجْهَضين مُشَوَّهين، و لا يسعني بسعة صدر لا تُحب أن تعامل بالمثل من يمارسون في حقنا الكريساج يوميا، إلا أن أقول لكل لقيط و لقيطة تبحث عن شجرة أنسابها الأدبية شعرا و نثرا، إنني سأُعِدُّ قريبا لشاشة هذا الركن ولو لم يكن تلفزيونا، برنامجا يحمل عنوان (مُنتحلون)، فلا تحزني يا سارقتي أو سارقي الذي يبحث عن ذويه في سراب الإبداع، إذا كان اسمُكَ (الفَايْسْـ) فأنا (أبُوك)..!
تحذير أخير: كل تشابه في الأحداث التي ذكرناها و في الأسماء التي لم يحِن الوقت لذكرها وتعرف نفسها، هو مجرد ظن قد يجر صاحبه للإثم.
(افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليومه الخميس 4 ماي 2017)