مرة أخرى نعود إلى نقطة البداية. فقد تدخلت الحكومة لترفض (تحت بند التأجيل) مناقشة قانون حماية اللغة العربية وتنميتها الذي قدمه فريق العدالة والتنمية منذ سبع سنوات. فبعد أن أعلنت لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب مناقشة المقترح، وتم تقديمه في اللجنة من طرف الفريق، تفاجئ الوزارة الوصية على الثقافة، الجميع بعدم إدراجه في المناقشة. لنكرر مأساة "قانون تعريب الإدارة والحياة العامة" الذي سبق للفريق الاستقلالي أن تقدم به وبقي في الرفوف. وكان آخر تفاعل إيجابي من الحكومة هو التصريح الذي قدمه وزير الثقافة السابق أمين الصبيحي حين أكد أن مشروع قانون حماية اللغة العربية موجود ضمن المخطط التشريعي للحكومة السابقة. بعد ذلك نظم الفريق النيابي للعدالة والتنمية يوما دراسيا بحضور العديد من الوزراء والبرلمانيين، وتأطير العديد من الأكاديميين المتخصصين في الشأنين اللساني والقانوني حول آليات تنزيل القانون، واستطاع الفريق أن يصوغه في بنود قانونية من خلال الاستفادة من التجارب العالمية التي عرضت، والآليات التشريعية واللسانية التي تحقق العدالة اللغوية في المجتمع المتعدد. لكن المحاولات لم تتوقف لتهميش المقترح والوقوف دون خروجه إلى الوجود. فبالرغم من وعي الجميع بأن إصدار قانون لحماية اللغة العربية هو تنزيل لما ورد في الفصل الخامس من نص دستور يوليوز 2011 الذي نص على دور الدولة في حمايتها والإشراف على تطويرها وتنميتها استعمالها، وأنه جواب عن الفراغ القانوني حول استعمال اللغة الرسمية بالقطاعات الحكومية بعد عقود من الاستقلال، وأجرأة لجملة من المراسيم الوزارية التي أكدت على ضرورة التعامل بلغة الضاد في مختلف الفضاءات الإدارية ، فإن السؤال مازال يطرح من جديد: لم عرقلة قانون حماية العربية؟
من المؤكد أن ما يتيحه القانون من شروط حمائية للغة الضاد سيمكنها من القيام بأدوارها وفرض واقع قانوني جديد بعد عقود من غياب الحماية القانونية للغة الرسمية: حيث اتسم تعامل السلطة على الدوام بنوع من التجاهل واللامبالاة بل والتسامح مع دعوات إقصاء العربية. ولهذا شهدنا تناسل خرجات بعض السياسيين والصحافيين التي تتطاول على العربية وتعتبرها لغة استعمار (المحجوبي أحرضان، 2011م)، أو لغة غير وطنية وبعيدة كل البعد عن واقع المغاربة(الأمراني، 2010)، أو لغة غير ديمقراطية. وفي جميع الحالات تغدو العربية محور الهجمات المعلنة والمشرعنة إعلاميا وأكاديميا وسياسيا دون حماية سياسية أو قانونية من قبل الدولة. لذا فضبط المجالات التداولية للغة العربية وتسييجها بالتشريعات القانونية سيحميها لا محالة من كل مس بمكانتها وتضييق على أدوارها. فحماية اللغة العربية تأكيد لمسؤولية الدولة والمجتمع في تأهيل اللغة الرسمية في مختلف ميادين المعرفة والثقافة، والحياة العامة، والأنشطة الفنية والإعلامية والإشهارية وغيرها، رعيا للحقوق والقوانين المتعارف عليها دوليا، ونفيا لكل ذرائع تقنية وهمية. لكن الأكيد أن الغاية هي وضع حدّ للسياسات المزدوجة القائمة علي سياسة صريحة رسمية (في النصوص التشريعية) وسياسة ممارسة في الواقع (لا تدعمها النصوص الرسمية)، قائمة على الافتراس اللغوي الأجنبي. وإذا كانت بعض الأصوات قد تذرعت بالدفاع عن الأمازيغية أو العامية في محاولتها الانتقاص من القانون، فإن القارئ المتفحص للنص بعيدا يعرف أن المادة 40 من المشروع تلزم بعدم التعارض بينه وبين القانون التنظيمي للأمازيغية أو الانفتاح على اللغات الأجنبية. لكل هذه الاعتبارات نعتقد أن مجلس النواب أمامه فرصة تاريخية للحسم مع الفوضى تحقيقا للعدالة اللغوية التي من أهم مبادئها حماية اللغة الرسمية للدولة وتنميتها وتطويرها.