-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

د. محمد البندوري جعل للخط والتشكيل مكانة ثقافية في المغرب وفي العالم العربي حاوره سعيد الشرايبي


مقتطف من سيرة محمد البندوري

-                 محمد البندوري من مواليد مدينة مراكش دكتور وخطاط وفنان تشكيلي وناقد فني وباحث في الخط المغربي وفي الجماليات، له إسهامات فنية وأدبية ونقدية، منها كتاب جمالية الخط العربي في تقويم النص الشعري بين النقاد العرب القدامى

والمحدثين، وكتاب الخط المغربي المبسوط والمجوهر قواعد وأشكال، وكتاب قبسات نقدية في التشكيل المغربي الجديد، وكتاب جماليات الخط المغربي في التراث المغربي دراسة سيميائية، وكتاب جمالية اللون في الواقعية المعاصرة. وألفت عنه كتب منها: كتاب فواكه الصرخة- نظرات في عالم الفنان المغربي محمد البندوري لمؤلفته نجاة الزباير، وكتاب: من جماليات الفن التشكيلي الحديث في المغرب، قراءة في تجربة محمد البندوري لمؤلفه د. عبد الفتاح شهيد، وكتب أخرى اسبانية وفرنسية. وله إنجازات مهمة في المجال الفني والثقافي.



1-           ما تقييمك لفنية الخط العربي

  - يشكل الخط العربي أحد مكونات الهوية العربية الإسلامية، ويشكل قوة أساسية في التعبير بجمالية إبداعية عربية إسلامية صرفة، إذ له خصائص متعددة منها النفعية ومنها الجمالية ومنها الرمزية. فغنى الخط العربي تاريخيا جعله يمتاز بمجموعة من الخصائص والمميزات. فأبعاده الرمزية والإيحائية مثلا تجعل منه وسيلة لنقل الأحاسيس وبث المشاعر، ومميزاته النفعية جعلت منه أداة للتبليغ ووسيطا لنشر الحضارات السالفة والعلوم والمعارف، كما أن خصائصه الروحية تكشف عن جملة من الحقائق الدينية والمعرفية والتاريخية. أما خصائصه الجمالية فقد جعلت منه وظيفة بصرية تفاعل معها المثقفون والنقـاد وأولوها أهمية كبيرة فتعاملوا مع بنياته ومكوناته باعتبارها أحد أهم الظواهر الحضارية التي يشكل من خلالها عمودا أسـاسيا في التعبير فيثبت الخط الخط العربي فنيته المرتبطة باللغة العربية، ويثبت وظيفته التواصلية، ويؤكد ارتباطه بحروف القرآن الكريم، وبالأدب والفن، وهو بذلك يعتبر منجزا في لب العمليات الإبداعية، الشيء الذي جعل الشعراء يتفاعلون معه من خلال القصيدة الكاليغرافية، والفنانون يتفاعلون مع سماته الإبداعية. لأن مكوناته الهندسية حين تخضع للتركيب تكون متناسقة ومتناسبة ومتوازنة. كما أن حروفه تتميز بالمرونة والمطاوعة وتفسح المجال للأخيلة لكي تبدع في شتى المجالات. والخط العربي يثبت حضوره في اللوحات الفنية بتوظيف لخصائصه الجمالية والفنية فيتجاوز الصيغ المألوفة، ويخاطب عين القارئ من خلال بسط التشكيلات الخطية ومزجها بالألوان، فيحضر بكل حمولاته وبسيولة إيقاعية، مما يظهر تراسيم الجمال وتأكيده في فضاء اللوحات، وإمداد الأشكال بتدفقات لونية رائقة. وهو بذلك يؤكد الهوية العربية الإسلامية في الأثر الفني التشكيلي عبر الموضوعات والمضامين والملامح الحضارية المحلية والعربية الإسلامية، أي من خلال البنية الفنية والاجتماعية لعمارته وهمومه وقضاياه وتطلعاته ورموزه الخاصة، أو عبر المعطيات التراثية إضافة إلى المنحى الزخرفي الذي طالما اقترن به. فالخط العربي والزخرفة الإسلامية هما أكثر ملاءمة لتحقيق النجاح في اللوحة التشكيلية، وتمنحانها عنصر القوة داخل طقوس الفن العالمي عن طريق توظيف المناحي الثقافية والمعرفية والفكرية والموروثات الحضارية العريقة في شكل فني بصري، يخضع المنحى البصري لجمال هذا الخط حين يخترق الألوان والأشكال والعلامات والرموز وكل الأيقونات والدلالات في نسق جمالي، وبمرجعية عربية إسلامية لها دلالاتها وأبعادها الرمزية والروحية. إن الخط العربي يتمتع بإمكانات جمالية هائلة، ورسوم هندسية وتعبيرية فائقة تنسجم مع مختلف العمليات الإبداعية التشكيلية، ومع الشكل الفني المرتبط بتقنيات التوظيف. فالخط العربي قد كسر حاجز اللون، وامتد إلى الأشكال التعبيرية والإشارات والإيحاءات وأكد مركزيته في الأعمال الفنية. فبرهن على أنه أحد العناصر الثقافية والفنية الدالة على شموخ الحضارة العربية الإسلامية بتميزه في التشكيل العالمي.

2-           ماهي أهم تجليات الخط في المعمار

  لا شك أن المتتبع المتخصص في الخط العربي يعي جيدا أن هذا الخط يشكل قاعدة فنية في العمارة الإسلامية، فله أبعاده الدلالية وإيحاءاته الرمزية وخصوصياته الجمالية، وله القدرة على صياغة إنتاج أسلوب عماراتي فريد. ولعل ذلك يعود إلى الارتباط الوثيق بين الخط العربي ومختلف الوسائل المعمارية على مر التاريخ، فقد استعمل الخط العربي في الجدران وعلى الجبس وعلى النسيج وعلى الرق وعلى الحرير وفي السكة النقدية وفي مختلف الوسائل مما ساعده على الاستخلاف في الأرض ومنحه قوة الإبداع والتحضر والتقدم. لقد نحت الخطاط العربي تلك الحروف بفنية رائعة وجمالية خارقة وصففها تصفيفا لائقا بقدسيتها فغذى المجال النفعي والفني على السواء، ولقد حملت وظيفة الخط العربي على مر التاريخ من خلال تجلياته المختلفة في العمارة الإسلامية طابعا روحيا وأخلاقيا وتربويا، تدل على ذلك كل الشواهد العمرانية الإسلامية في بقاع العالم. ولعل تطور الخط العربي وتطور تقنياته وتنوعه إلى أنواع مختلفة وظهور أقلام جديدة كل ذلك ساهم في تطور أساليب الخط العربي في العمارة الاسلامية  كما أن مختلف وسائل الجمال التي أضفاها الخط العربي على العمران بمنمنماته وزخارفه الرائقة وبمختلف مظاهر الزينة والجمال قد طور أسلوب العمارة وكانت وراء ذلك دلالات مقصدية منها ما خص الجانب الديني ومنها ما خص المجال الأدبي والشعر ومنها ما تعلق بالجانب الجمالي، وكل ذلك ساهم في ازدهار العمارة الإسلامية. فالخط العربي هو بالأساس مظهر جمالي في العمارة الاسلامية استطاع من خلال تجلياته فيها أن يرسخ طابعا عماراتيا تمتاز به العمارة الإسلامية عن باقي العمارات في العالم، كما أن للخط العربي دور سامي في تثبيت الجانب الروحي وتخصيص المجال الجمالي في هذه العمارة بقيم ساهمت في تربية الذوق والحس.



3-           ماذا عن تأثير الخط في الأجيال الصاعدة

  إن الجماليات المختلفة التي يتمتع بها الخط العربي تجعل منه مادة بصرية تجلب عين القارئ وتنمي فيه الحس الجمالي لأنها تدور جميعها في فلك التحسين والتزيين والتنميق، كما أن أشكال الحروف العربية في مختلف أنواع الخطوط العربية سواء في حالة الإفراد أو التركيب تجعل منه مجالا لتنمية الذوق خصوصا لدى الناشئة، لأن ما يتوفر في الخط العربي من قيم جمالية وخصائص فنية ومفردات تشكيلية بما تتميز به طقوس الحروف من تداخل وتفرقة، وتركيب وإفراد وتجسيد الأشكال الحروفية المختلفة، في نطاق نسيج حروفي ولوني ورمزي، وفي نطاق توافر قدر من التعبير وبكل ما يتوافر فيها من خاصيات بصرية وتعبيرية تتجلى من خلال العمليات التشكيلية مثل التناوب والتواتر والسكون والحركة والتواصل الإيقاعي لمختلف الحروف التي تولد التفاعل مع الجمال، ومع مفردات اللذة الفنية داخل البنية التركيبية للخط والشكل الجمالي. كل ذلك يعطي للحروف إمكانات فنية هائلة، ولذلك كانت عملية الوصل بين الحروف المتجاورة ذات قيمة فنية مهمة في تشكيل الكتابة العربية بجماليات متعددة قوامها الاستقامات والزوايا والاسترسالات والمدود الانسيابية والميلان والتدويرات والأقواس والبسط والتراصف والتراكيب والتلاصق والوصل.. فضلا عن جانب الشكل من علامات الفتح والكسر والضم والتنوين. كما أن الزخارف الخطية لها دور مميـز وخصائص فنية غير محدودة في إنتـاج الجماليـات بأبهتهـا. كـل ذلك يمنح الحروف تناسقا ورشاقة، ويعطيها تناغما موسيقيا ويجعلها تتحلى بالجماليات المتنوعة، وهو ما يحول الحروف إلى فن جمالي قائم بذاته، بل ويساهم بين تين الخلتين في جلب البصر وتشكيل ذوق الناشئة.

4-           كيف تقيم الفن التشكيلي في الظرف الحالي

  يعرف الفن التشكيلي العربي نموا سريعا سواء من حيث التقنيات أو من حيث تطور الأساليب، أو من حيث عمليات توظيف الأشكال والعلامات داخل فضاء اللوحة وتثبيت مختلف الألوان، أو من حيث الرؤى التنظيرية التي تستوجب التطور وإضفاء الجديد. وعلى إثر ذلك فقد حظي الفن التشكيلي العربي عند النقاد بنظرة أخرى مختلفة تأخذ بعين الاعتبار التطور السريع للفن التشكيلي العربي باختلاف أساليبه وابتداع طرائق تعبيرية جديدة. فاللوحات التشكيلية العربية أضحت ذات مكانة في السياق التشكيلي العالمي لأنها أصبحت تحمل عوالم محلية ووطنية وعربية وإسلامية جديدة، وتكشف عن مجموعة من المقومات الفنية العربية التي تحمل في طياتها البعد التجديدي بحرص على التراث الحضاري العربي والانتهال من الموروث الثقافي العربي الاسلامي وفق رؤى نقدية مماثلة. لقد كشف حضور التجارب العربية في الساحة التشكيلية العالمية عن عوالم فنية عربية جديدة تتسم بعمق دلالاتها وعمق القضايا التشكيلية العربية التي قدمتها الرؤى والتصورات العربية في قالب تجاسيد تعبيرية ذات قيم فنية بأبعاد دلالية وجمالية تدل على ثقافة عربية إسلامية صرفة، وتبطن في طياتها المجال التاريخي والاجتماعي والأخلاقي والفني في نطاق لوني وشكلي يحتمل مجموعات جمالية من الأشكال والعلامات والرموز والأيقونات. إن أعمال الفنانين العرب في مختلف المحافل الدولية غالبا ما يطبعها التنوع والمواضيع الهادفة وتنوع التقنيات والخطوط والأشكال والعلامات والرموز والألوان بحسب تنوع المناطق، فأحيانا تطغى الكثافة في أعمال الفنانين والترابط والتناثر، وأحيانا يطغى  الإيقاع والتناسب والطبقات، وأحيانا أخرى تتسع المساحات والفراغ والنسب والتشتت والوحدة والضوء والإشباع والسطوع والملمس... بما يناسب القيم الفنية والاجتماعية والأخلاقية والجمالية العربية. وكل ذلك يجعل من الفن التشكيلي العربي قوة ابداعية متفوقة في الظرف الآني 

5-            علاقة الفنان بالجمال 

  إن الفنان حين يبدع لا يبدع بمعزل عن المنحى الجمالي، لأن هذا الأخير هو الذي يغذي الموضوع، وهو الذي يبرزه في حلة رائقة تجلب البصر وتؤثر فيه. فمهما كانت القضية التي يطرحها المبدع فلا بد أن يقدمها في قالب يستميل به القارئ أو المتلقي. لذلك لا يمكن تجريد الذاتية لأن الانفعالات والهواجس هي مصدر الإبداع، وما يتم سكبه هو خليط بين القضية وشكلها، ولا يمكن تجاهل مجموعة من المقومات المتحكمة في نفسية المبدع كيفما كان وأينما كان ومن أي جنس كان ولأي عقيدة يحمل. كل ذلك لا بد وأن يكون له تأثير داخلي، ثم يغلف بغلاف خارجي ليتلقاه المتلقي. وأعطي مثالا عن شخص مثلا يرسم جسما فاضحا ويهيئه بأجمل الألوان، ألم تدخل الانفعالات الداخلية في هذا الرسم، ألم تدخل الرؤى التحررية، ألم يدخل التوثر الاجتماعي والأخلاقي؟ ! بلى؛ أنا مثلا لا يمكن لي أن أتجرد من عقيدتي ومن أخلاقيتي لكي أرسم جسما عاريا أو أكتب آية قرآنية في رسم مشين. هناك ثوابت وأخلاقيات في الفن، وهناك حدود تتحكم في الفن، لكنه يعبر كل الحدود بتلك الحدود وبتلك الأخلاقيات وبتلك التصورات وبتلك الأفكار ويصل إلى المتلقي أينما كان. إن الفنان كالشاعر ابن بيئته وابن ثقافته وابن وطنه وابن هويته وابن مرجعياته وابن عقيدته.. والفن له مقصدياته ولا يمكن جعله عبثيا..

6-           كيف يمكن تجاوز المألوف

  إن الذي يوقع في المألوف هو أن يرغب المبدع في إبداع شيء من لا شيء والحفاظ على الجاهز كما هو جاهز. لكن الفن ينبع من ذات المبدع ومن ثقافته ومن بحوثاته المستمرة، فيجدد في التصورات والرؤى دون معزل عن ثقافته وبيئته وعقيدته. والإبداع هو أن تأتي بالجديد وتصنع شيئا غير مألوف وغير موجود، فكيف يكون الفنان نمطيا وهو يبدع ويأتي بالجديد ويغير في الفن وفي المواضيع وفي الشكل الجمالي وفي كل المقومات الفنية. فالذي يقع في التنميط هو الذي لا يجدد ولا يبدع، بل يقلد ويركن إلى أسلوب مألوف. لذلك فالابتعاد عن هذه المقولة هو صحي ومجدي لأن ما ينتجه الفنان هو ما يحسه فيخرجه في حلة زاهية رائقة يبهر به القارئ.

7-           تقييمك لارتباط الفن بالوجدان

  الإبداع هو وجدان وهاجس وانفعال أولا، ثم شكل جمالي ثانيا، وهو أيضا ضرب من الواقع المؤثر في نفسية الفنان وفكره. ولا شك أن الحركات التشكيلية في مختلف المناطق في العالم تتأثر بهذه المعطيات. وفي العالم الإسلامي يطبعها طابع التجديد المنضبط والملتزم بمختلف القيم حسب الأقطار، لأن الفنان يكون قد تشبع بتلك القيم. فهو وإن تأتى له أن يصنع أسلوبا فنيا جديدا ويبدع بطرائق مبتكرة وأن يوظف مواضيع مختلفة واقعية ومعاصرة؛ فإنه كذلك يحرص على بث القيم، ويروم المحافظة على مجموعة من المرتكزات التي تخص مقدساته. وبهذا التحصين فإنه يواجه كذلك كل المتغيرات السلبية التي يفرضها الواقع المتجدد، لكن نضج الفنان يكمن في استحضار كل القيم في كل تصوراته ورؤاه الفنية التي تمتح من ثقافته وتراعي أخلاقيات العمل الفني الراقي. وتصريف العصرنة باستعمالات تقنية معاصرة تستحضر القيم الفنية والجمالية الصرفة، وتؤدي دورها في التوصيل.

 

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا